من أجل تعزيز الشراكة المجتمعية – 6

بقلم محمد حسن العرادي – البحرين

من الأقوال المأثورة عن أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام قال : “الْفُرْصَةُ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ، فَانْتَهِزُوا فُرَصَ الْخَيْرِ ” وقد ترجم العامة هذه الحكمة إلى مثل يقول: “اغتنموا الفرص فإنها تمر مر السحاب”، وأحسب أننا أمام فرصة إن ضاعت فإنها لن تعود قبل إنقضاء فترة طويلة، هذا إن عادت أصلاً، والحديث هنا عن هذا الكم الهائل من المتطوعين الذين يقدمون خدماتهم المجانية للمجتمع في سائر المجالات، ولا ينتظرون في ذلك حمداً ولا شكورا، يحاولون بالحد الأدنى الذي يمكنهم توفيره، المساهمة الجادة والمسئولة في مواصلة خدمة الناس في مختلف المجالات، الخدمية والتوعوية والتثقيفية والحرص على إحتواء الشباب في هذه المرحلة الحرجة من الزمن الذي جرف ولازال يجرف الكثيرين لهاوية الضياع والعبث وضياع الأسر والمجتمعات.

ورغم ذلك يتعرض هؤلاء المتطوعون إلى الكثير من الأذى والملاحقات الأمنية والإدارية وربما الأحكام القضائية، وهم رغم كل ذلك صابرون محتسبون ومتمسكون بأدوارهم المجتمعية رغم خسائرهم الخاصةحتى في مجال حرياتهم الشخصية أيضاً، فكم من النشطاء تعرض للعزل السياسي والاجتماعي، وكم منهم تعرض للفصل من العمل الذي يترزق منه ويكد به على عياله، وكم منهم تعرض للمنع من السفر أو المنع من دخول الدول المجاورة، وتم وضعه على قوائم المشبوهين وربما المخربين أيضاً، لا لشيء سوى أنه قدم رأياً أو مشورة أو مبادرة لم تعجب مسؤول هنا أو مراقب هناك، والسؤال الذي يطرح نفسه بشدة ما هي الفائدة التي سيجنيها هؤلاء النشطاء الذين يضعون أنفسهم في مواقع المسائلة والاضطهاد، الجواب لاشيء.

إلى متى يمكن لهذا النوع من العطاء الاستمرار من قبل هؤلاء النشطاء المثابرين المخلصين الذين يُنكرون الذات في كل المجالات المجتمعية، والذين يعملون بإخلاص وتفاني وسيظلون يقدمون العطاء للوطن والمواطنين وخدمتهم، وهل تراهم سيكونون قادرين على نقل تجاربهم وتفانيهم لأبنائهم من الأجيال الجديدة التي تراقب وتشاهد ما يتعرض له آبائهم وأمهاتهم من بهدلة وتعريض يشوه الصيت والسمعة لمجرد أنهم متطوعون وناشطون في مؤسسات وجمعيات المجتمع المدني، ولا شك فإن ان هذا المشهد محزنويلعث على القتامة ويشهد بأن جهود التطوع في تراجع كبير.

إن معظم الأجيال الجديدة ستبتعد عن هذه المجالات بعد السماء عن الأرض، وتنحاز إلى مصالحها الشخصية على حساب المصلحة العامة، وبدل أن تعمل على تعزيز البذل والعطاء والتعاضد والتلاحم المجتمعي، وللاسف فقد بدأت ظاهرة الانحسار في مختلف ميادين العمل الأهلي تفصح عن وجهها منذ فترة، حتى أصبحت الجمعيات والمؤسسات مجرد واجهات وهياكل خاوية على عروشها، ومالم يتم الإنتباه والالتفات لهذه المخاطر ومعالجتها، فإننا سنصحو على زمن ليس فيه مؤسسات مجتمع مدني وليس فيه متطوعون، بل قلة من الانتهازيين الذين يديرون بعض الدكاكين وجمعيات ومؤسسات الجونجو التي تلتقي مع مصالحهم ومنافعهم الشخصية، وعندها لن ينفع الندم، فهل تقوم الجهات المعنية بمراجعة إجراءاتها وقراراتها المتشددة لإنقاذ الشراكة المجتمعية قبل أن تضيع الفرصة وتمر مر السحاب، نتمنى ذلك قبل فوات الأوان وللحديث صلة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى