
سورية تتأهب لدور قيادي… هل تستطيع؟؟
تقرير سياسي/ ميخائيل عوض
في المعطيات وتحولات الواقع
إسرائيل في زمن إعادة هيكلتها الاجتماعية والسياسية لتطويعها وقسر التطرف والاستيطان لفرض واقع جديد بنتيجة تظهير معادلات القوة والتحولات التي عصفت بالفلسطينيين والإقليم والعالم والتي وضعت إسرائيل أمام الخيارات النهائية. فإما تسوية شاملة عادلة تعيد الجولان والضفة إلى حدود 4 حزيران 1967 وطبريا حتى المياه أو خراب إسرائيل بنتيجة انفجار أزماتها التكوينية والبنيوية المتعاظمة، أو جولة تقاصف لأيام وربما أقل تنهال فيها الصواريخ من كل الجبهات فترفع إسرائيل الراية البيضاء بعد أن ثبت بالوجه الشرعي عدم استعداد وتراجع قدرة أميركا وأوروبا وحلفاء إسرائيل عن إسنادها وخوض الحروب نيابة عنها، فقد باتت قاصرة وأصبح حالها كمن جلب كلباً لحراسته وعندما عجز الكلب أصبح المطلوب منه أن يحرس الكلب.
قطع الشك باليقين فلم تعد إسرائيل مشروعاً غربياً مثمراً وباتت أميركا في حاجة ماسة للتخلص من عبئها، وبين مقاصدها مصالحة العرب والإقليم إنفاذاً لمشروعها للقرن الواحد والعشرين القائم على دعامات جديدة كمثل تبني قضية كردستان الكبرى وتحفيز العرب على تشكيل إقليمية وازنة لمواجهة القوى الصاعدة وإشغالها.
العملية السياسية الإسرائيلية ترجح تشكيل حكومة بلا نتانياهو تجمع اليمين واليسار لتكون قادرة على تلبية شروط التفاوض والتسوية.
مصر، ومن خلفها الإمارات والسعودية تحولت إلى بيت التفاوض والوسيط العملي بعد أن تقرر احتواء غزة وتأمينها لفصلها عن الإخوان المسلمين ودولهم وإيران.
والجهد ينصب على إدارة تفاوض بين إسرائيل وحماس فالسلطة الفلسطينية ورئيسها دخلت حالة الشيخوخة والموت السريري.
على مقولة تلازم المسارات والعلاقة المميزة السورية- اللبنانية- الفلسطينية أنجزت سورية استحقاق الانتخابات الرئاسية بصخب وفرح وبلا منغصات فعلية وبدأت برقيات التهنئة وتسريع عجلات التفاوض والانفتاح الدبلوماسي عليها بانتظار افتتاح سفارات عربية وأوروبية وعودة سورية إلى الجامعة العربية وتفعيل ما يسمى بدول الأمن العربي؛ سورية- مصر- السعودية والعراق شريك ناشط.
لبنان تتعمق أزمته التي بلغت أعلى درجات الأزمات وأعنفها، فالكيان معطوب والنظام مفلس والمنظومة عاجزة عن الحكم. كل ذلك بتقاطع مع زمن إعادة هيكلة الإقليم وقواه والعالم يعاد تشكله، وإدارة بايدن أخفقت في خططها وانكسرت هجمتها على روسيا والصين وباتت تطلب التهدئة وتبحث عن التوافقات.
في التحليل
يوماً بعد آخر تنجلي نتائج التراكمات والتحولات والمتغيرات الاستراتيجية في موازين القوى التي أنتجتها عواصف الحروب والربيع العربي والاحتلالات الأميركية الأطلسية المباشرة خلال العقدين المنصرمين ويختل الميزان بصورة فاضحة لغير صالح أميركا والأطلسي وهيمنتها.
وبحسب قواعد ومنطق التجارب ومسارات الأزمنة الحكمية يمكن تثبيت قاعدة؛ أن المنتصر يكتب التاريخ وبانتصاره تتوافر له فرص القيادة والريادة في صناعة المستقبل. وهذه اكثر ما تنطبق اليوم على سورية وحلفها المقاوم وقوى إسنادها وما أنتجته حربها العالمية العظمى من تحولات ومتغيرات في قواعد ارتكاز التوازنات الاستراتيجية في الإقليم والعالم فتكون فرصتها الأوفر والأثمن والأكثر نضجاً لتعود قوة قاطرة قابضة على الجغرافيا الحاكمة ومطلوب منها ولها أن تكون شريكاً محورياً في إعادة هيكلة الشرق والإقليم نظم وجغرافية وقد تحولت أميركا من معاد محارب إلى منسحب راغب بإقليمية عربية قادرة على موازنة إيران ووقف صعودها وتركيا ولجم مغامراتها وتقليم أوهامها باستعادة عثمانية بائدة والحد من تسارع نفوذ وهيمنة الصين وروسيا كوريث قادر على إملاء فراغ تراجع القوة والانسحابية الأميركية من الإقليم.
فلسطين عادت إلى سيرتها الأولى، فالقضية وطنية وقومية، وقضية حق شعب بأرضه وسيادته واستقلاله، ومرحلة التسويات والتطبيع وتدمير الأبعاد الوطنية والقومية للقضية سقطت بالضربة القاضية وأسطورة قوة إسرائيل وقدراتها أصبحت خردة لا تقوى على إقناع الإسرائيليين أنفسهم من قادة الأركان إلى النخبة السياسية وقد أذلتهم صواريخ غزة المفقرة والمحاصرة، والرهاب سائد من مجرد تصور فكرة حرب على عدة جبهات.
في الاحتمالات والمسارات؛
فلسطين:
إسرائيل بين خياري حكومة “وحدة وطنية بلا نتانياهو” تملك الجرأة على الشروع بتفاوض لترتيب حل “شامل عادل متلازم المسارات اللبنانية- السورية- الفلسطينية”، بدور وسيط محوري لمصر وتكبير دور القاهرة بالتوازي مع مصالحات علنية ولقاءات ثلاثية ورباعية مع سورية تبلغ نتائجها درجة الشراكة والتطمين، أو فشل الجهود الأميركية الأوروبية لتطويع إسرائيل فتذهب إلى انتخابات خامسة فيتحول زمن العطالة الإسرائيلي إلى فرص ثمينة للفلسطينيين وعرب الانفتاح على سورية ولسورية وتتخلق فرصة إضافية لفلسطينيي الضفة والـ48 لمراكمة المزيد من القوة والوعي والنضج لإنتاج انتفاضة تسحق سلطة أبو مازن وتتحول سريعاً إلى السلاح فتعطب إسرائيل في الداخل وتتعطل قدراتها التسليحية وتبلغ درجة العجز عن خوض مواجهات فتتحول إلى هجرة إسرائيلية واسعة تعيد صياغة الحلول ومستقبل فلسطين والبحث بمصير اليهود والمسألة اليهودية. كل هذا لا يتنكر لاحتمال نشوب حرب مواجهة سريعة قاسية قصيرة تضرب فيها إسرائيل بالصواريخ من كل الجهات وتدمر بنيتها التحتية، لا سيما المطارات والمرافئ ومراكز القيادة والسيطرة وتسقط مستوطنات في الشمال بيد المقاومة اللبنانية وفي الضفة بيد الفلسطينيين وفي الـ48 يسيطر الفلسطينيون على مدن وأحياء وتقطيع طرق الإمداد والتجميع الإسرائيلية، فتخور قواها وتنهار بنيتها.
الخلاصة الذهبية
إسرائيل في شيخوخة وعجز وحالة تخلٍ عنها ترتبك وتربك الجهود لإنقاذها بمحاولة إنتاج إسرائيل الصغرى بعد أن تبددت مخططات أن تكون عظمى أو كبرى والآن يتقرر مصيرها، كذلك إنتاج بدائل لمنظومة سايكس بيكو وكل نتائج وخرائط الحرب العالمية الأولى التي دامت مئة سنة وانتفت أسباب وفرص استمرارها.
سورية الدور الموفور والفرص المتاحة… هل تستطيع؟ أم يفوتها القطار؟
تتوافر لسورية كل الشروط وأفضل وأنضج الفرص لتتحول إلى قوة ريادية قاطرة فاعل أول في إعادة هيكلة الشرق والعرب والإقليم.
منذ حرب تشرين 1973 ولغاية الساعة كانت مسرحاً وشريكاً محورياً في الأحداث والحروب التي غيرت مسارات التاريخ، بأن أسهمت على نحو محوري في هزيمة المشروعات الأميركية لقرن أميركي ولهيمنة عالمية متفردة، وتحولت في عشريتها السوداء إلى مسرح الحرب العالمية العظمى وقادتها باقتدار وحنكة، وعلى مقولات التاريخ وحقائق الأزمنة ستكتب التاريخ وتقود في صناعة المستقبل.
سورية أيضاً اختبرت خياراتها والمنظومات الاجتماعية والاقتصادية جميعها، وربما تعرفت إلى النتائج واستخلصت الدروس، فبنت اشتراكيتها العربية ومارست قوميتها البعثية وانتجت ليبراليتها الهجينة وإسلامها في الدولة ومؤسساتها ومن خارج الدولة، وفيها تحولت “القاعدة” إلى “داعش” ومشروع الخلافة الإسلامية العظمى، وعلى صخرتها سقط الإسلام السياسي والمسلح وهزم بضربة قاضية برغم ما امتلك من حلفاء وخبرات وقدرات وإسناد عالمي. وانتزعت سورية راية النصر في مواجهته برغم أنه هزم إمبراطوريتين كبيرتين؛ أميركا في أفغانستان والعراق والاتحاد السوفياتي في أفغانستان. وهذه تسجل لسورية وحلفها.
في التحليل المنطقي نستخلص أن كل شروط تحول سورية إلى قوة ناهضة قادرة على البناء والريادة في الظروف الموضوعية واستجابة للحاجات متوافرة على نحو عملاق وعبقري.
الأمر الآن وفي قريب أشهر المستقبل يتوقف على الوعي ومعرفة الجاري اليوم وما سيكون غداً وامتلاك الرؤية والمشروع وتوفير الأدوات واكتشاف الطرق لسلوكها للاستثمار بالجاري وصناعة المستقبل.
هل تفعلها سورية؟
في معطيات الواقع ودرجة استجابتها للتحديات واتمام المهمات التي تعرضت لها، بالمنطق الاستنتاج والجواب تستطيع.
في مناهج علوم المستقبل يكون الجواب احتمالاً ممكناً وليصبح راجحاً، فيحتاج إلى الوعي والإرادة والجهد العاقل والعقل المستقبلي.
وإن بادرت سورية وأكملت واجباتها واستجابت لنداء التاريخ والجغرافية لصناعة مستقبلها وقيادة تحولات العرب والإقليم ستكون قادرة على لم أطرافها المأزومة والمتفجرة كلبنان والعراق وما يعيشه الأردن من أزمة ومستقبل تحولات فلسطين ومسارعة السعودية والإمارات ومصر للعودة إلى بيت العرب العتيق والمعتق، والسرعة بالعودة ستكون مطلوبة وتستعجلها اليمن وحربها التي أنهكت السعودية والخليج. فإيران تستعجل نصراً فيها قد تصير محافظات سعودية، لا سيما الشرقية والجنوبية من السعودية منصة إسقاط جغرافيا ونظم الخليج برمتها واستباقاً لتبلور إقليمية عربية إن تشكلت تكون قيداً على الدور الإيراني وتتشكل رافعة تاريخية لإعادة صياغة توازنات الإقليم والعالم.
الخلاصة الذهبية
الزمن والجغرافية ونتائج حروب السبعين سنة التي دارت على أرض سورية وبلاد الشام وكانت سورية الكبرى مسرحها والصغرى ميادينها وقوة حاكمة فيها، ومع دنو زمن تراجع أميركا وتأزم الأطلسي وأوروبا وصعود أوراسيا من المنصة السورية ذاتها تستدعي سورية لدور كبير يعيد مجدها ومكانتها كصانعة للإمبراطوريات وحاضنة للرسالات السماوية في عصر التقانة والتواصلية واتصال العالم الافتراضي بالعالم الواقعي.
الشروط والظروف الموضوعية وحقائق الأزمنة ومساراتها الحكمية تطلب سورية لدور كبير فإن استجابت تغيرت أزمنة الشرق ومكانته وإن أخفقت فالزمن لأوراسيا والعرب وإقليمهم يستمر ساحة لاستعراض حكايات وسيناريوهات سقوط ونهوض الأمم والإمبراطوريات.
فمجد الشرق وأوله دمشق؛ قد أزف، ولسورية عادات وتقاليد راسخات. فالثورة البيضاء والثورة من فوق قواعدها في التغير وإعادة الهيكلة وإنتاج الجديد لتلبية الحاجات ومواكبتها وفي واقعها المعاش وفي حربها ترسخت ثوابتها وأعمدة صمودها الثلاث؛ وتجسدت في الشعب الأبدي وطبائعه وذكائه الجمعي وفي المؤسسة العسكرية الأسطورية في أدائها وإقدامها واستعداد قادتها وجندها للتضحية، والرئيس الذي أتقن فن القيادة ومهاراتها وقد ولته عليها وطوبته قائداً للنهوض والريادة لاستكمال النصر، والمنطقي أن نترقب انقلاباً أو ثورة من فوق بيضاء يطلقها الرئيس في ولايته الجديدة.
فالإدارة الوسيطة، الحكومة وأجهزة الدولة الشائخة والمتخمة بتقاليدها البائدة وبفسادها الموصوف وترهلها وعجزها عن المبادرة والإبداع، بين الثلاثية الذهبية ترهلت وتكلست وفوتت الفرص وأخطأت وارتكبت ولم تعد قابلة للاستمرار ومواكبة العصر وحاجات الدور الرائد والنهوض.