هل اقتربت العملية الروسية الخاصة في اوكرانيا من تحقيق غاياتها؟

ماذا كسبت روسيا من حربها؟

ميخائيل عوض
بعيدا عن المواقف العقائدية واللغة الخشبية لتي ميزت ردود الفعل على العملية الخاصة الروسية قبل سنتين وسيل التشكيك والتحليلات التي جزمت بخسارة روسيا الحرب وبانهيارها الاقتصادي، وبانقلاب النخبة الليبرالية على القيصر بوتين وتوهم اطاحة الجيش بالسلطة والقيصر.
وبما يعاكس اوهام المتأمركين من تجار السياسة والإعلام كهنة المعبد الأميركي المتهاوي.
يمكن رصد سلسلة نوعية من المكاسب التي حققتها روسيا من الحرب وهي اليوم على عتبة هجوم واسع لتحقيق غاياتها العسكرية والجيو سياسية في أوكرانيا نعرض بعضها؛
1-  بفعل الحرب والعقوبات والعدوانية السافرة لأميركا واوروبا وتحويلهم العملية الخاصة من حرب تكتيكية الى حرب شاملة اول مرة في تاريخ الحروب.
نجحت روسيا بوتين بإعادة هيكلة وصياغة روسيا وبنيتها وادارتها ومجتمعها واقتصادها على قياسات التمكن من دور محوري في العالم الجديد، الجارية ولادته من خاصرتي اوكرانيا وغزة وبعد مخاض قاس في جغرافية العرب والمسلمين ومعهم، وقد تفردوا في ادارة الحروب والمقاومة ضد أميركا وعالمها الانكلو- ساكسوني منذ 1973، وبرغم سقوط الاتحاد السوفياتي وخضوع العالم للقيادة والارادة الأميركية، وحققت انتصارات وراكمتها حتى بلغت حدها على عتبة نهاياتها في حرب غزة وتجلياتها.
2-  تراجع وزن الليبراليين في الاقتصاد والدولة والسياسة، وعادت روسيا دولة اجتماعية مركزية تخطط اقتصادها وتسد الثغرات وتتقدم في شتى المجلات، وتحقق  نسبة نمو عالية بالمقارنة مع نظيراتها الاوروبية ومع أميركا.
فكانت الحرب والحصارات والعقوبات نعمه وليست نقمة كما اريد لها.
3-  استعرضت سلاحها واكدت  تفوقها وسحقت سمعة السلاح الاميركي والغربي وبدأت تهيمن على سوق السلاح العالمي.
4-  تحررت من عقودها والتزاماتها بالاتفاقات الدولية ومع أميركا والاطلسي التي قيدتها. وتحررت منها فاطلقت سوقا لسلاحها وامنت ايران والصين وفصائل المقاومة في لبنان واليمن بكل ما يطلبونه، بما في ذلك الصواريخ الفرط صوتية التي عجزت أميركا والاطلسي عن تصنيعها. وانشات علاقات اقتصادية حرة مع إيران وسورية وفنزويلا وكوبا وتمردت على الحصارات والعقوبات ولم تعد تلتزمها.
5-  هبشت قرابة مليون كيلو متر مربع من القطب الشمالي وضمتها وهي الزاخرة بالثروات الهائلة، ولم تردعها تهويلات أميركا وحلفها ولا انضمام الدول الشريكة بالحدود في القطب الشمالي لحلف الاطلسي، بل استهزأت بهم واستعرضت عضلاتها النووية واستحضرتها وتلوح بها لتحقيق الردع وبلوغ غاياتها.
6-  اسقطت اوروبا وكشفت حقيقة نخبها الحاكمة بانها ليست إلا ادوات من صناعة أميركا لاستعباد شعوب اوروبا وتحويلها واتحادها ودولها إلى جمهوريات موز، وتأمين أميركا وتمويل حروبها على حساب السيادات ومصالح الشعوب. ما وفر اسبابا وشروطا موضوعية لتفجير ازمات سياسية واقتصادية من شانها أن تغير في البنى والنخب الحاكمة، وليس مستبعدا ان تؤدي الى انهيار الاتحاد وتأزم الدول الوطنية ما لم تنعطف اوروبا واتحادها وتتمرد وترفض الاملاءات الأميركية وتسعى للتحرر من سيطرتها.
7-  تمتنت العلاقة الاستراتيجية مع الصين، وباتت الصين وروسيا قوة محورية صاعدة ومقررة في أي عالم وأي نظام عالمي جديد سيولد.
8-  بالتساند مع الصين وإيران تنفذ استراتيجيتها بهدوء وحكمة لتصفية المصالح والاستعمار الاوروبي والسيطرة الأميركية في افريقيا، وتحقق خطوات هامة. وكذلك في أميركا الجنوبية والكاريبي.
9- همشت وقلصت القدرة الأميركية الاطلسية من استخدام الأمم المتحدة ومجلس الأمن والمحاكم في صالحهم وتلعب دورا في الاستثمار بحرب غزة وبالدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني في جميع المنظمات والمحاكم الدولية ومجلس الامن والجمعية العمومية، وبذلك تحررها من الهيمنة الغربية والاميركية وتستعيدها بتوازنات جديدة.
10- كرست ضم المقاطعات الناطقة بالروسية والقرم واحتوت الهجوم الاوكراني الاطلسي المضاد، واوقعت خسائر هائلة بالحيش الأوكراني والمرتزقة، وأفرغت مخازن السلاح والذخائر الأوروبية والاميركية، وبدأت هجوما منسقا واسعا لاستكمال تحرير الدونباس وفرض شروط الاستسلام على اوكرانيا، وقد اقترب موعدها مع زيادة الضغط العسكري التدميري والهجومي الجاري على امتداد مسرح الاشتباك البالغ طول خط الاشتباك الالف متر، واصبحت القوات الروسية قاب قوسين من تحرير خاركيف.
روسيا قوة عالمية صاعدة اختبرت الاستسلام والفوضى والاستجابة لشروط صندوق النقد ونصائحه الليبرالية وللهاث خلف وعود الغرب والانبهار بنموذجه  وعندما ايقنت بأن الغرب لا يقبل حلفاء او قوى سيدة ويسعى للاستعمار والنهب والفوضى. قررت أن تستعيد زمامها وفوضت منذ 2000 قيصرها بوتين، وقد اجاد قيادتها إلى بر الامان وحارب بعزم وذكاء حاد، واثبت جدارة روسيا وانتزع مكانتها.
في عهدته السادسة” نظريا الخامسة” وبعد ان امن روسيا ومكنها من دورها ووسع نفوذها ودائرة حلفائها يجري تغيرات في إدارتها خاصة في المؤسسة العسكرية لاستكمال نهضتها وتأمينها، معتمدا على خبرات وكفاءات جربت في الميادين وحققت الخطط المرجوه.
فكلف الاقتصادي أندريه بيلوسوف وزيرا للدفاع خلفا  لشويغو،  الذي  رفع إلى مهمة مدير الامن الوطني، وهي مرتبة أعلى واهم من وزير الدفاع.
وبذلك يؤكد اتقاد الذهن والحرص على وضع الرجل المناسب في الوقت والمكان المناسبين لإنجاز المهام المطلوبة والبناء على الانجازات لتعظيمها.
كما يدلل على الثقة بروسيا وبالنفس وبقيادتها وبحتمية انتصارها، فيبدا خطوات في تطوير والارتقاء بإدارتها، وتدل تسمية خبير اقتصادي وزيرا للدفاع على السعي لنقل التقنية المتقدمة في صناعة السلاح الى الاستخدامات المدنية والقطاعات الاقتصادية لتطويرها وتوفير حاجاتها محليا، وهذه تعتبر فطنة وتعبير عن قرارات وخطط ذات طابع الاستراتيجي.
روسيا تنتصر في اوكرانيا وتعري أميركا وتهزمها مع الاطلسي وتؤمن نفسها لترتقي وتتقدم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى