خطاب الكراهية ولماذا يمثل مشكلة للمجتمعات؟

بقلم هدى إبراهيم آل محمود – البحرين

إن خطاب الكراهية هو ظاهرة معقدة ومتعددة الأبعاد لها عواقب بعيدة المدى وخطيرة على حقوق الإنسان وسيادة القانون في كافة المجتمعات، ولا يؤثر خطاب الكراهية على كرامة وحقوق الإنسان للفرد المستهدف مباشرة فحسب، بل يؤثر أيضًا على الأشخاص الذين ينتمون إلى نفس المجموعة التي ينتمي إليها الأشخاص المستهدفون بشكل مباشر، ويؤدي خطاب الكراهية إلى انقسامات خطيرة في المجتمع ككل، ويؤثر على جميع الفئات، يهدد الانسانية والديمقراطية والعيش المشترك الى جانب إضراره بالسلم والامن المجتمعي، ويزيد من تباعد واستبعاد المستهدفين بخطاب الكراهية من المجتمع وتهميشهم وعزلتهم،

يظهر التاريخ أن خطاب الكراهية استُخدم عمدا لتعبئة الجماعات والمجتمعات ضد بعضها البعض من أجل إثارة التصعيد العنيف والتحريض على جرائم الكراهية والحرب والإبادة الجماعية، وازدادت وتيرته في السنوات الأخيرة رغم انه كان حاضراً في التاريخ على الدوام، لكن انتشار خطاب الكراهية بهذا الشكل المنفلت تزايد في الوقت الحاضر عبر الإنترنت والفضاء الافتراضي والاستخدام غير العقلاني لوسائل التواصل الاجتماعي.

قامت مراكز الابحاث والجامعات التي تهتم بالدراسات الاجتماعية والنفسية والأنثروبولوجة في بعض دول العالم ببحث وتقصي هذه الظاهرة السلبية المدمرة ووثقت انتشار خطاب الكراهية بعدلات مثيرة للقلق، خاصة تلك التي تنتشر عبر الإنترنت وتكون احياناً بمعرفات مجهولة، وتم بحث الجهود التي تُبذل لمنع ومكافحة خطاب الكراهية عبر الإنترنت، وهذه في حد ذاتها تطرح تحديات كبيرة قد يصعب التصدي لها لسرعة انتشار مثل هذا الخطاب في جميع أنحاء العالم بشكل غير مسبوق ربما في غضون ثوانٍ.

ينتقص خطاب الكراهية من الجهود التي تبذل لتمتع الافراد والمجتمعات بحقوق الإنسان والديمقراطية ويربك اعمال وجهود منظمات حقوق الانسان محلياً ودولياً، الى جانب منظمات المجتمع المدني، والمسؤولين عن محتوى الإنترنت، الى جانب هيئات محلية وأممية أخرى.

إن خطاب الكراهية يحرض على العنف والتعصب ورفض وازدراء الآخر ومن المؤسف أن التأثير المدمر للكراهية ليس بالأمر الجديد. حيث أشعل عبر التاريخ القديم والحديث حروب وصراعات كانت في صالح قلة على حساب مصالح العموم الذين هم وقودها في كل الاحيان، اتسع نطاق وتأثير هذا الخطاب بفضل تكنولوجيات الاتصالات الجديدة، وأصبح خطاب الكراهية باستغلاله الفضاء الالكتروني أحد أكثر الطرق شيوعًا لنشر الخطاب المحرض على الانقسام على نطاق عالمي، مما يهدد السلام في جميع أنحاء العالم،

وقد حددت المؤسسات والمنظمات التي تناهض خطابات الكراهية، أُطر ومبادئ يجب التأكيد عليها لحفظ السلم العالمي والاستقرار واستدامة التنمية، من بين هذه المبادئ الأساسية التمييز والعنصرية وعدم المساواة والعدالة الاجتماعية، ، والتي تضمنتها نصوص ميثاق الأمم المتحدة والأطر الدولية لحقوق الإنسان وهي تأتي على رأس الجهود العالمية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة

في عصر الانفتاح الإعلامي تمنح وسائل التواصل الاجتماعي الأشخاص منصة عالمية للتعبير عن آرائهم، حتى تلك التي قد تكون ضارة لمجموعات أخرى، ولسوء الحظ تُستخدم المنصات الاجتماعية في كثير من الأحيان لتعزيز مناخ التعصب وخطاب الكراهية في ظل عدم وجود الضوابط الجادة لهذا الخطاب، وفي ظل عدم وضوح حدود وابعاد الحريات الشخصية وحرية التعبير، وهنا بدأ التساؤل حول حدود الحرية في الكلام؟ وهل الهدف من لوائح ضبط خطاب الكراهية المساس بحرية التعبير، هناك أمثلة على التحريض عبر قنوات التواصل الاجتماعي أدت إلى العنف وحتى القتل، وذلك، استدعى مراقبة التعليقات والمنشورات بعناية، خاصة إذا كانت هناك توترات كامنة في المجتمع، ومن هنا جاء عدم التسامح مع المحتوى الموجود على مواقع التواصل الاجتماعي والذي قد يحتوي على إهانات عرقية وإثنية وجنسية ودينية وجسدية تتعلق وتشي بالتجاوز او التطاول.

إن وسائل ضبط خطاب الكراهية وتعريف مفرداته يجب أن يأخذ في الاعتبار التجربة التاريخية والسياسية للدولة او المجتمع، لأنه من الممكن أن يكون هناك خط رفيع بين الإهانات غير المقبولة عبر الإنترنت وخطاب الكراهية، ويجب على المسؤولين أفراداً وجماعات عن صناعة المحتوى واصحاب المنصات الإعلامية تقرير فحص ذلك الخطاب المساهمة في نشره.

يجب أن تكون هناك مسؤولية اخلاقية وقيمية للعمل على إزالة أي منشورات تدعو إلى الكراهية القومية، أو العرقية، أو العنصرية، أو الدينية والتي تحرض على التمييز أو العداء أو العنف على الفور، وإذا لزم الأمر، يجب حظر المستخدمين من مواقع التواصل الاجتماعي، وربما حتى إبلاغ المنصات الأخرى بهذا.

يواجه القانونيون حالياً مشكلة محيرة في أن “خطاب الكراهية”، يكون عادة عبارة مختصرة لا يحددها القانون في الغالب، والكثير من هذه الخطابات تكون غامضة يُساء استخدام غموضها وعدم وجود توافق في الآراء حول معناها لتمكين التعدي والالتفاف على مجموعة واسعة من المعاير القانونية، على سبيل المثال، تستخدم العديد من الحكومات تفسير “خطاب الكراهية”، على غرار الطريقة التي تستخدم بها “الأخبار المزيفة”، لمهاجمة الأعداء السياسيين، والمنشقين، والمنتقدين. ومع ذلك، يبدو أن ضعف عبارة (“إنه مجرد كلام”) يمنع الحكومات والمجتمعات من معالجة الأضرار الحقيقية لهذا الخطاب ويتيح استمرار التحريض على العنف أو التمييز ضد الضعفاء أو إسكات الاقليات والمهمشين، ولا شك ان هذا الوضع يثير إحباطًا لدى عموم الناس الذين غالبًا ما يعانون من إساءة وتنمر مستخدمي وسائل التواصل بدون ردع أو ضوابط واضحة ومحددة.

وربما على سبيل التفاؤل المحدود، أن نجد لدى القانون الدولي لحقوق الإنسان معايير تحكم نهج الدول والمؤسسات في التعبير عبر الإنترنت، مع انه ينبغي فهم حدود القانون الدولي لحقوق الإنسان باعتباره إطارًا بالغ الأهمية لحماية واحترام حقوق الإنسان عند مكافحة خطاب الكراهية او الخطاب الذي يتجاوز الاعراف، إلا أن انه قد يخلق إشكالية ومأزق قانونياً حيث انه يمكن أن قد يوفر في ذات الوقت مخرجاً للدول ذات النوايا السيئة لاستخدام هذه المعايير كأداة لمعاقبة وتقييد حرية التعبير، بينما يتبناها القانون الدولي لحقوق الانسان كحق اساس للإنسان وأداة مشروعة تمامًا، بل وضرورية في المجتمعات التي تحترم حقوق البشر، رغم أن بعض أنواع التعبير يمكن أن تسبب ضررًا حقيقيًا على أمنها واستقرارها، ويمكن أن يؤدي إلى تخويف الاقليات التي تشعر انها ضعيفة وتجبر على الصمت.

عندما يتعلق الأمر بالدعوة إلى الكراهية التي تحرض بمواربة على العداء للآخر المختلف أو التمييز أو العنف، فأنها إذا تركت دون رادع بالقانون وانتشرت على نطاق واسع، يمكن أن تخلق بيئة مضطربة تقوض الحوار والتفاعل الطبيعي بين فئات المجتمع وتخلق التباعد والتخندق، ولذلك من المهم أن تعالج الدول والمجتمعات مشاكل خطاب الكراهية بتصميم وارادة واعية لحماية الأشخاص المعرضين لخطر إسكاتهم وتشجيع الحوارات المجتمعية المفتوحة حتى حول أكثر القضايا حساسية لكنها تصب في الصالح العام.

وختاماً، هناك استخدام سيء آخر لخطاب الكراهية حين تم استخدامه ضد أي مجموعة في سياق النوع الاجتماعي كما في قضايا المرأة، في قضايا مثل الطلاق او العضل او الاغتصاب أو غيرها من المشكلات التي في كثير من الاحيان تتحول الى تبادل تراشق وتحريض مجتمعي حينما يواجه الضحايا عدم التصديق والتشكيك وحتى اللوم، سواء بشكل مباشر أو ضمني وقد تعاني الضحية من وصمة العار باعتبارها المتسببة في هذا الوضع، وغالبًا ما تتعرض النساء المستضعفات للتهديد والمضايقة، ويمكن أن يصبحن ضحايا للعنف والتشهير بهن.

ومن المعروف أن اللغة تلعب دورًا أساسيًا في خلق المعرفة المشتركة ويمكن استخدامها لوضع الأساس للعدوان ضد المجموعات المستهدفة واستخدامها للتحريض على العنف، ويمهد الطريق لارتكاب الفظائع، أو يمكّن أو يُسهل ارتكابها. وغالبًا ما تكون الشبكات الاجتماعية عبر الإنترنت مركزًا لتطور لغة الكراهية ونشرها بما ينعش الارهاب الذي عانت منه مجتمعات عديدة، وقد دعت مجموعة منظمات في الغرب لتبني ما توافقوا على تسميته “مدونة قواعد السلوك” التي تهدف إلى تعزيز التعاون مع المنصات والمؤسسات والعاملة في وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة والمؤسسات التي تُعنى بتدقيق الحقائق ومنظمات المجتمع المدني والأوساط الأكاديمية. لتكوين فرق عمل دائمة لمعالجة المعلومات المضللة وخطاب الكراهية والتطرف عبر الإنترنت، تعمل على مكافحة خطاب الكراهية، كقضية لها تأثير ملموس على الأفراد وعلى نسيج المجتمعات، كما اعتمدت الهيئات الغربية والامم المتحدة مناشدة لتوسيع القائمة الحالية للجرائم لتشمل جرائم الكراهية وخطاب الكراهية، بالإضافة إلى اعتماد استراتيجيات حماية الأقليات، مثل الكراهية ضد المسلمين أو معاداة المهمشين، والعمل على وضع سياسات فعالة لمعالجة هذه القضية بشكل أكثر كفاءة لتوفير الحماية للأفراد والمجتمعات.

أجواء برس

“أجواء” مجموعة من الإعلام العربي المحترف الملتزم بكلمة حرّة من دون مواربة، نجتمع على صدق التعبير والخبر الصحيح من مصدره، نعبّر عن رأينا ونحترم رأي الآخرين ضمن حدود أخلاقيات المهنة. “أجواء” الصحافة والإعلام، حقيقة الواقع في جريدة إلكترونية. نسعى لنكون مع الجميع في كل المواقف، من الحدث وما وراءه، على مدار الساعة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى