من يقرع الجرس مجدداً…؟

بقلم هدى إبراهيم آل محمود

مثل كثيرين تابعت الخطوات الجريئة الشجاعة التي قام بها جلالة الملك المعظم، عابراً بالوطن من ضيق الأزمة إلى رحابة السلام، ليثبت مجدداً بأنه صمام الأمن والامان لهذا المجتمع الذي ما فَتِئَ يعاني من الصراعات السياسية، وانعكاس الأحداث الدولية التي تهب على بلادنا على شكل موجات تسونامي عاتية، توشك بعض تداعياتها ان تطيح بنا وتغرق سفينتنا في بحر لجي متلاطم الأمواج.

لكن جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك مملكة البحرين ربان السفينة الذي خبر بحارها وسبر أغوارها، يعود مجدداً ليفرض إيقاعاً مختلفاً كريماً ذو عمق ورؤية، منبهاً وداعياً كافة الأطراف بالعودة الى ممارسة الدور العقلاني الإيجابي الذي يحمي الوطن ويعزز اللحمة الوطنية، وانه السبيل الوحيد والآمن للعبور نحو مستقبل يجب ان نلحق به وسريعاً (ليس على حساب أحد من المكونات وليس عبر استهداف أحد من الفئات) بل حُباً وإهتماماً ورعاية للجميع واحتضاناً لجميع المواطنين من أخطأ منهم ومن أستُفز أو انفعل وأساء التقدير.

في الأيام التي سبقت عيد الفطر المبارك، كان منسوب الترقب والقلق عالٍ عند الجميع خاصة مع انطلاق العديد من الاشاعات حول حدث أمني وسياسي كبير يتزامن مع الاحتفال باليوبيل الفضي لتولي جلالة الملك مقاليد الحكم في 6 مارس 1999، وكان بعض المشككين يروجون بأن الامر لن يعدو عن كونه افراجاً عن بعض السجناء على جري العادة السنوية.

لكن جلالته بأناة وسعة صدر وروية فاقت كل التوقعات، فاجئ الجميع بفيض من البوح الجميل المطرز بالأمل العزيز الذي كان يأمله وينتظره الجميع، ناشراً بذلك فرحة عارمة حقيقية شعر بها القاصي والداني خاصة اولئك الذين لهم أعزاء مغيبين، واثلج هذا الإفراج ابتداءً صدور الأمهات المنتظرات للفرج القريب، وكأن جلالته أراد القول للجميع، (الآن الآن وليس غداً أجراس الفرحة فلتقرع)، ونحن نقول مع جلالته الآن الآن يجب أن يحتضن الجميع هذا الفرح والإنفراج وندفن الآلام ونُعلي صوت التفاؤل والعقل.

نعم لقد آن الأوان لجميع القلوب المكلومة أن تهدأ وأن نتجاوز الجراح والإخفاقات والمطبات التي جعلتنا جميعاً على حافة الهاوية، فمنذ أعلن عن العفو الملكي ل 1584 سجيناً ومعتقلاً بدأت تباشير التجاوب الإيجابي لاحتضان المفرج عنهم خاصة الشباب وإعادة تأهيلهم بمنحهم فرص العمل وإن شاء الله السكن والإستقرار ايضاً، اجل انه الإستقرار الذي به وعليه نعول حتى يستقر هذا الوطن الصغير الجميل الذي مهما عصفت به الخطوب يظل متماسكاً متطلعاً ليوم أفضل وأجمل تتم صياغته بإيدي أبنائه من كل الأطياف.

لقد آن الأوان لأن نغادر ساحات شد الحبل الذي أوردتنا وأبنائنا المهالك، آن الأوان للاحتكام إلى صوت العقل الذي هو المُنجِي والمؤسس لتوسعة مساحات الحوار والتلاقي على مقاسات الممكن، وضوابط تقدير الظرف التاريخي الإستثنائي الذي إذا تمت قراءته بشكل خاطئ فسيكون أمننا وأمن الأجيال القادمة وحياتها ومستقبلها في مهب الرياح (لا سمح الله)، وجميعنا يعلم ويشاهد ويشهد أن الرياح المحيطة بنا الآن عاتية ومتربصة لأي زلة او خطأ مهما كان صغيراً.

لقد مستنا الضراء والباساء في بعض حياتنا ومعاشنا وأبنائنا خلال السنوات الماضية، ولازالت مفاعيل هذه الظروف تنذر بشر مستطير، يوشك ان يقتلعنا من الوجود، ويرمي بنا على هامش التاريخ والجغرافيا، وحدهم العقلاء الذي لم تخلو ولن تخلوا البحرين منهم يوماً (رغم الإنكفاء) هم السبيل لحفظ التوازن وإبقاء البوصلة في الاتجاة الصحيح، ولا شك أن ذلك يحتاج إلى جهدٍ إستثنائيٍ كبيرٍ وصعبٍ لكنه واجب مستحق، يجب على الجميع المشاركة في رعايته وتعزيزه.

واذا كان جلالته قد دأب على (اغتنام الوقت المناسب) لتصويب بوصلة الوطن في إتجاه اعادة النهوض والتعافي من كبوات الزمن، وعمل على تصحيح المسارات كلما المت بنا المصائب والمحن، فإن هذا الوقت المأزوم بحاجة لمزيد من التكاتف والتآزر، وان يعمل الجميع على شحذ الهمم لمواجهة التحديات والعمل مع المفرج عنهم ضمن مبادرات وبرامج توعوية وتثقيفية في المدن والقرى لاستيعاب الدرس، ومحاربة النفس الأمارة بالسوء، والتصدي لمن يريد العبث بأمن الوطن واستقراره وترابطه الاجتماعي وخلخلة جبهته الداخلية، حتى لا تتكرر الانتكاسات، وحتى لا يستغل الآخرون مشاكلنا وأزماتنا لإحداث الشقاق والفراق والاحتراب الطائفي والمذهبي.

إننا نرفع أكفنا بالدعاء لان يحفظ الله هذا البلد وأهله جميعاً من الشر ويديم علينا نعمة الأمن والأمان، ويجعل القلوب تخفق دائما بالفرح والرضا والسعادة، وان نعمل جميعاً على حماية ورعاية هذا الفرح، فهذا الدور لم يعد منوطاً بجلالة الملك وولي عهده حفظهما الله فقط، بل هو مسؤولية مشتركة، يجب على الجميع الإنطلاق منها والبناء عليها لتعزيز الشراكة المجتمعية، وحماية الوطن وإنجازاته من الضياع والإندثار، وذلك يبدأ من محاربة الفتنة ومحاصرتها، والرد على مروجيها ودعاتها بقوة وجرأة وحكمة وعزيمة نستمدها من هذا النهج الذي دشنه جلالة الملك المعظم حين أطلق مشروعه الإصلاحي مع بداية عهد الميثاق، وحين أعاد تجديده في موعد اليوبيل الفضي لعهده، وبهذه المناسبة نبارك لجلالته ونعايد عليه وعلى عموم شعب البحرين، آملين أن تعود علينا جميعاً هذه المناسبات البهيجة المباركة بخير وسعادة عزيزة نمسك بها ونعمل على إستدامتها بكل وسيلة فنحن نستحق وأهلنا ووطننا الحبيب يستحق أولاً ودائماً.