ماذا في جعبة نتنياهو؟ وما سر قدرته على التمرد ومخالفة القواعد والأصول والحلفاء؟

ميخائيل عوض
لاشك مثلت شخصية نتنياهو لغزا في إسرائيل فله اطول مدة كرئيس وزراء ولم يكن له باع في اي انجازات مشهودة او مرموقة على عكس أسلافه.
فقد نجى الرجل من الكثير من الكمائن والتحقيقات برغم ثبوتها وتوثيقها، أدار اسرائيل بمخاتلة وصفقات وتسويات وأمن نفسه في خمسة انتخابات كنيست في اربع سنوات كانت تستهدفه، وعاد رئيساً لمجلس وزراء متذرر ومحترب وحكومة صفقات وتدليس.
فوجئ بصاعقة طوفان الأقصى وكان لها ان تطيحه ونخبته، إلا أنه ناور وأعلن حالة الحرب والتعبئة العامة واعلنها حرب وجودية، وزج القوات البرية بحرب مدن، مخالفاً قواعد ومدارس ومذاهب الحروب والجيوش ونصائح مؤسسي العلم العسكري.
وخالف تجربة اسرائيل نفسها وجيشها الذي غادر غزة عام 2005 بلا قيد او شرط، وفكك مستوطنات غلافها، وحاولت إسرائيل مرات اقتحام احياء والعودة العسكرية وفشلت ودمرت وحدات من نخبتها.
العالم والراي العام والحكومات والدولة العميقة في أميركا والحاكمة في إسرائيل أصدرت مواقف علنية على لسان بايدن، وشومر واخرون لمنعه من القيام بعملية عسكرية في رفح ومحور فيلادلفيا وهو مصمم ولم يتردد.
الأزمة السياسية تعصف بالدولة والحكومة وبالمستوى السياسي والعسكري وبينهما وهو غير متردد ومصمم وساع ولا يأبه لاحد..
الكل يطالب بتحييد المدنيين والمشافي وفرق الاسعاف والاعلام وهو يستهدفهم بحزم وبلا مواربة.
أمر في غاية الغرابة والجرأة … عجبا فمن اين له هذه القوة واين تكمن حقا؟.
المنطقي ان نتنياهو المتفرد والعنيد صاحب رؤيه وعقيدة وكان قد صعد في الحياة السياسية على جثة رابين وشمعون بيرز وكان له كتاب تحت الشمس فند حجج وتوجيها نبي إسرائيل شمعون بيرز تحت عنوان الشرق الاوسط الجديد ونجح في تهشيمه وتهميش ما كان يسمى في إسرائيل بالكتلة السلامية والتسووية.
التزم وفعل وانجز تدمير اوسلو والتملص منه ومن اية التزامات ونجح في تهويد الضفة وزرعها بالمستوطنات ويجاهر بانه لن يقبل سلطة ستان ولا فتح ستان ولا حماس ستان ولا بحل الدولتين ولا باعتراف بدولة فلسطينية شكلية وبلا سلاح وانياب.
يخوض حربه في غزة ويستمر للشهر السادس معاكسا فلسفة اسرائيل العسكرية التي قامت تاريخياً على الحرب الخاطفة والسريعة وفي ارض الخصم، والحرب النظيفة والسريعة، واقحم دولته وجيشها بحرب استنزاف في غزة وشمال فلسطين والجولان والبحر الأحمر والعربي، ونجح بتوريط أميركا وحلفها للاشتباك مع الحوثين وبحرب خاسرة ومؤسسة لانقلاب توازنات القوى البحرية والاقتصادية إقليمياً وعالمياً.
في تاريخ الدول والحروب نموذجان يطابقان نموذجه.
نماذج انتحارية مفصولة عن الواقع عقائدية وشخصاني لا تقبل النصيحة والمشورة، كمثل هتلر وصدام حسين، وقد ساقا جيوشهم ودولهم إلى هزائم كاسرة وكوارث ما زالت وقائعها وحقائقها قائمة ولم تشف منها.
ونموذج عارف بالواقع ومعطياته وتوازنات القوى وشق طريقه الى جديد غير مسبوق، بما في ذلك تكسير القواعد والخلاصات التي بلغتها الحروب ومدارسها ونماذجها كثيرة في التاريخ البعيد والمعاصر.
فأي منها تطابق صفات نتنياهو ليتمكن من لتملص من كل الضغوط والنصائح ويتمرد ويركب راسه ويستكمل خطته ورؤيته برغم ما اصابها من اخفاقات محققة وملموسة فلم تحقق حملته على غزة الا تدمير وقتل وتجويع البشر ما استنهض راي عام عالمي وخاصة امريكي واوروبي بدأ يغير في احوال امريكا واوروبا في غير صالح إسرائيل وادواتها وحلفائها
بحسب مندرجات الواقع والحرب والتحولات وعجز الجيش الإسرائيلي عن تحقيق اي من الاهداف وبفعل ما استدرجت من تحولات غير مسبوقة ومنها توحد الجبهات وظهور دور رائد ومحوري للحوثين ورهط التحولات في الادارات والمجتمعات في غير صالح إسرائيل ومستقبلها وفي واقع تصاعد نذر ومعطيات التذرر والاشتباك والصراع في بنية اسرائيل وقبائلها ودولتها ومجتمعها..
يمكن الاستنتاج ان نتنياهو من فصيلة هتلر وصدام حسين، وأن إسرائيل اصيبت بمرض شيخوخة النظم والدول ولم تعد قادرة على إنتاج جديدها، ما يفسر تمكن نتنياهو منها لسنوات طويلة وتحكمه بقراراتها متفردا ومشتبكا مع الكل في قيادتها.
وقد توفرت له بيئات عربية وإسلامية وعالمية فالعرب والمسلمون في حالة سبات وأزمات وتبعية وضربهم ربيعهم القاتل.

وأميركا في حالة شيخوخة ومنقسمة عاموديا في بنيتها وفي دولتها العميقة وفي انتخابات مفصلية ستعيد هيكلتها نفسها. والصين وروسيا لهم اهتماماتهم الخاصة ومشروعاتهم ومحور المقاومة ما زال دفاعيا برغم شذرات خطاب هجومي.
إلا أن الواقع نفسه وتحولاته وقدرات النحور الدفاعية عندما تجري عملية تفعيلها توفر الأسباب الموضوعية للجم نتنياهو وسوقه و إسرائيل الى الهزيمة الكبرى.
فخسارتها الحرب الجارية محتمة وقد قال فيها غالانت لن يبقى لنا مكان في المنطقة.

أجواء برس

“أجواء” مجموعة من الإعلام العربي المحترف الملتزم بكلمة حرّة من دون مواربة، نجتمع على صدق التعبير والخبر الصحيح من مصدره، نعبّر عن رأينا ونحترم رأي الآخرين ضمن حدود أخلاقيات المهنة. “أجواء” الصحافة والإعلام، حقيقة الواقع في جريدة إلكترونية. نسعى لنكون مع الجميع في كل المواقف، من الحدث وما وراءه، على مدار الساعة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى