العالم قرية كونية وغزة مختار المخاتير. ماذا عن أميركا برئاسة ترامب؟

ميخائيل عوض

البشر والاعلاميون وحاملي صفة الخبراء وأمثالهم كثيراً ما يتحدثون عن أمور ويسهبون بشروحاتها. وعندما تحين فرصة استخدامها في التحليل لمعرفة الجاري وما سيكون يتجاهلونها وكأنها لم تمر على السنتهم ولا اخترقت عقولهم.

والبشر عموماً يتمتعون بخاصيات النسيان وتحجر العقول وتخشب الأفكار واللغة.

الأدلة كثيرة جداً سنتعرض لواحدة نحن شهود عليها.

هل تذكرون كم اثخنت رؤوسنا بمقولة العالم أصبح قرية كونية.

ماذا يعني أن البشر اصبحوا في قرية.

يعني أنهم باتوا يتفاعلون بلا حواجز ولا تقطع عليهم الجغرافية والمسافات والمناخ والتقاليد والعادات واللغات وما كان عند الأباء والأجداد.

والقرية الكونية دخل عليها عناصر إضافية فصارت الشبكات والذكاء الصناعي من سكانها ووسائل للمعرفة والتفاعل.

هذه القرية التي أصبحت واقعاً معاش غيرت في قواعد وقوانين التفاعل بين البشر أفراد وجماعات وأمم وقارات. فأهل القرية يعرفون بعضهم ويتفاعلون عن قرب وعندما يحصل شيء يخرج الناطور وينادي ليسمعه الجميع.

القرية الكونية تجري فيها أحداث عاصفة وهامة وستسهم بتظهير حجم المتغيرات البنيوية والهيكلية التي تحققت واصبحت حاكمة في تقرير اليوم التالي للبشرية.

حرب غزة مثلا صارت عنصراً وسبباً محورياً محركاً لاهتمامات وأفعال أهل القرية. فغدت غزة ناخاً أول في أميركا، وقررت وفرضت أن يصير ترامب رئيساً لها قبل إجراء الانتخابات عنوة وغصباً عن لوبي العولمة والبنتاغون، وكتلة محورية في الدولة العميقة الأميركية.

وهي أكدت أنها ناخب أول في إعادة هيكلة أوروبا واتحادها، ودليلنا جورج غالوي الذي حقق فوزاً ساحقاً لكونه جريء بالدفاع عن غزة. وفي بريطانيا صاحبة الكيان ووعد بلفور.

غزة في القرية الكونية أصبحت مختار مخاتيرها ومحرك اهتماماتها والمقرر بما ستكون عليه أمورها.

انتخبت ترامب رئيسا لأميركا، فماذا عساه أن يفعل؟

إذا تمت العملية الانتخابية بسلاسة وهذا امر مشكوك فيه وأميركا مفتوحة على تحولات واحداث غير مسبوقة. فترامب سينشغل بأميركا وأمورها وأزماتها ويلتزم وعوده وشعاراته أميركا أولاً، ولا للعولمة ولا لنشر القواعد والاساطيل ولا لدور الشرطي العالمي، ولا للحروب التي لم تحصد منها أميركا وشعوبها إلا الأزمات وانهيار البنى التحتية وهجرة الصناعة، واستقبال ملايين اللاجئين، وتبدل لونها وثقافتها وطبائعها وخسارة الأنكلو- ساكسون لأميركا كما يعبر ترامب.

ترامب سيكون مشغول بتصفية الحساب مع لوبي العولمة الذي حرمه من إنجاز أي من أهدافه خلال ولايته، وتآمر وزور لإسقاطه ومنعه من الثانية. وحربه على لوبي العولمة في أميركا سيكسر ظهره، فلا لوبيات عولمية وحروب وتدمير وإبادة أمم لتأمين مصالح الشركات متعدية الجنسية ولوبيات المال وتجار الحروب بدون الهيمنة على أميركا.

و بإزاء فلسطين ونتنياهو وبرغم أن ان نتنياهو كان رجله في إسرائيل في ولايته السابقة وقد اعطاه ومنح اسرائيل ما لم يجرؤ رئيس من قبله. فاعترف بالقدس ونقل السفارة اليها واعترف له بضم الجولان وكاد يهديه اعترافا بضم الضفة الغربية وأيده في مشروعه لإسرائيل يهودية خالصة بلا اصحابها الاصليين وبرغم كل ذلك غدر اليهود وانصار اسرائيل به واسقطوه ومنعوه من ولاية ثانية وقد عبر عن حقده عليهم لعدم وفائهم له.

وبايدن وبرغم تعارض لوبي العولمة الذي يمثله مع نتنياهو وكال له ولحكومته الكثير من الأوصاف، إلا أنه تحت ضغط الدولة العميقة وحاجاته الانتخابية ورهاباً من أن تزول إسرائيل المماثلة لأميركا في سر النشوء والتكوين. قدم لإسرائيل ويقدم لها في حرب غزة كل وأي مما تستطيعه أميركا، بما في ذلك ضباط الأركان والقوى البرية المقاتلة وافتعال حرب مع اليمن دفاعاً عن إسرائيل وخيارات نتنياهو.

ماذا بعد لم تقدمه أميركا لإسرائيل؟ وماذا في جعبتها ليقدمه ترامب عند عودته للبيت الابيض؟

حقاً وبالوقائع لا شيء فقد فرغت جعبتها ومعها جعبة العالم الأنكلو- ساكسوني برمته الذي يقود ومنخرط بحرب نتنياهو لإبادة غزة.

هكذا تصير غزة وحربها وطوفانها العجائبي وأرواح ودماء شهدائها الأطفال والنساء والشيوخ، أصبحت مختار مخاتير القرية الكونية والمقرر لكيف ستسير الأمور في مستقبلها. وفي أولى الإنجازات تقرير من يحكم أميركا وخيارتها. والأهم إلزامها عبر فرض ترامب بأولوية إصلاح  نفسها أولاً، والاهتمام بأمورها والانسحاب من العالم والانحسار…

غزة تصنع العجائب والمعجزات وتقرر اليوم التالي في الاقليم وأميركا والعالم.

فللقرية الكونية قواعد ونظم وقوانين حاكمة في العلاقات وتبادل تأثير الأحداث غير التي كانت قبلها.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى