ليس لدى محور المقاومة ما يخسره
فلتستمر الحرب حتى تحرير فلسطين وطرد الأطلسي من الاقليم
ميخائيل عوض
في تاريخ حركات التحرير الوطنية وحروبها نموذجان؛ نموذج فيتنام التي رفضت حركتها التحريرية قرار تقسيم فيتنام وقاتلت فيتنام الشمالية وجبهة الفيتكونغ لسنوات طويلة حتى هزمت الامبراطورية الفرنسية ثم انهكت امريكا وهزمتها شر هزيمة وهي في اعلى درجات تطورها ونفوذها وخلقت لها ازمات وعقدة عسكرية لم تشفى منها برغم محاولتها في افغانستان والعراق وهزمت هزيمة مذلة اعادت التذكير بانسحابها من سايغون عاصمة فيتنام الجنوبية.
النموذج الثاني كوريا التي شهدت حربا ضروس شارك فيها السوفيت والصين ضد امريكا وبعد تفاوض اتفق على تقسيمها الى جنوبية وشمالية وقبلت الحركة التحررية الكورية التقسيم. ومازالت كوريا غير موحدة وتقع احتكاكات عسكرية بين الكوريتين، بينما تحشد امريكا قوات وتحالفات لاستهداف كوريا الشمالية وتحاصرها بشدة. اعلنت الشمالية تحالف استراتيجي مع روسبا والصين وتشكل تحد للهيمنة الامريكية وتشغلها وتقلق حلفائها بالتجارب الصاروخية والنووية وبالعبور الى الفضاء وارسال الاقمار الصناعية.
فيتنام برغم المساعدات العسكرية الهائلة التي استقبلتها من الاتحاد السوفيتي والصين الا انها رفضت اية املاءات او اتفاقات واية ضمانات لتمرير التقسيم ودفعت اثمان هائلة من الضحايا وتدمير المدن والحواضر، وبعد ان انجزت تحررها ووحدتها وفرضت سيادتها تحولت الى الاعمار والبناء وغدت احد اهم النمور الاسيوية الاقتصادية بينما كوريا الشمالية تعاني اقتصاديا لشدة الحصار عليها ولنقص الموارد وكلف سباق التسلح ومهددة بالتدمير اذا وقعت الحرب.
العرب بعد ال48 واعلان قيام دولة اسرائيل قبل بعضهم قرار التقسيم ورفض اخرون لكنهم تعايشوا مع مبدا وجود اسرائيل وقبلوا تقسيمات سايكس بيكو والنظم والكيانات التي نتجت عن الحرب العالمية الاولى وتعايشوا معها وكثير منهم افترض امكانية بناء دولة واقتصاد وتقدم وازدهار في حدود الكيانات المصنعة واخرون كمصر والاردن انخرطوا باتفاقات مذلة مع اسرائيل وقبلوا الولاء لأمريكا وكانت النتائج كارثية على صعيد فقدان السيادة ونهب الثروات وتبديدها وبلوغ الازمات الاقتصادية القاتلة والوقوع تحت المديونيات الفلكية والاعتماد على فتاة المساعدات الامريكية والخليجية التي لا تطعم ولا تغني وتبقي الدول اسيرة عاجزة ومتعبة ومازومة بل في قاع درجات التخلف.
وقد اصاب الدول التي قالت بالممانعة والمقاومة الكوارث فاستهدفت بالغزوات الامريكية الاطلسية وبددت ثرواتها ودمر عمرانها وهجر اهلها واصيبوا بالتخلف والفوضى كليبيا والسودان وبفعل الغزو دمرت اليمن والعراق واستهدفت سورية بأخطر مؤامرة دولية فرضت عليها حرب عالمية عظمى وما زالت منذ ١٣عاما وادت الى هجرة نصف سكانها وتدمير بناها واقتصادها وافقار شعبها الذي تشتد معاناته وحجاته لأبسط ضرورات الحياة والاستقرار، كما تم غزو لبنان وتدميره وتدفعيه اثمان كبيرة وابتلائه بمنظومة وطبقة نهبت كل شيء وتزيد في افقار شعبه.
وتبقى التهديدات الاسرائيلية بالحروب وابتلاء العرب ودول وشعوب الاقليم بالفوضى وبتمكين امريكا والاطلسي وادواتهم ليتحكموا بالنظم والسياسات ويستمر نهب الشعوب والثروات.
حصاد العرب من قبول التقسيم والتعايش مع وجود اسرائيل والكيانات القطرية القاصرة كارثية على كل المستويات، ما يؤكد ان كلفة الحرب كانت اقل بألاف المرات من قبول التقسيم والتعايش مع نظمه ومع إسرائيل ولو ان بعضهم قرر القتال حتى تحقيق التحرير واسقاط التقسيم والكيانات وطرد الامريكي والاطلسي من العرب والاقليم لكان شأنهم اليوم كقوة اقليمية وازنه ومتقدمة ومؤثرة في تقرير مستقبل الانسانية وعوالمها ونظمها.
اليوم وبعد ٧٥ سنة على قيام الكيان واكثر من قرن على مؤامرات التقسيم وتصنيع الكيانات العاجزة، وبعد ان دمر العدوان الاسرائيلي غزة والحق اضرارا كبيرة بلبنان ويعتدي بصورة شبه يومية على سورية وتضرب امريكا في العراق واليمن وتحمي وتؤمن قوى الارهاب الاسود وتنهب ثروات العراق وسورية وليبيا لم يعد من حجة او ذريعة او رهان على التعايش مع الكيان والاحتلال الأمريكي الاطلسي وليس من افق لعمران وبناء وتقدم ما دامت إسرائيل موجودة وأميركا والاطلسي تساندها وتقاتل معها وعنها.
الحرب واقعة ومر عليها ١٠٥ ايام وتخوضها اسرائيل كحرب وجودية وهدفها تهجير الفلسطينيين واخضاع العرب، وتبديد دولهم وجيوشهم وتقسيم المقسم فيهم، وبعد ان فتح المحور الجبهات ووحدها ويخوض الحرب بكفاءة واقتدار وقد تحولت البحار الأربع التي تتحكم بالتجارة العالمية وبتوازنات القوى الكونية، الى مسارح وساحات حرب سيكون من اكبر الاخطاء واثمنها ان يتخلف محور المقاومة عن الاستثمار بالظروف وبان يفرض استمرار الحرب لتتخذ مسار حرب استنزاف، ومن الخطأ القاتل ان يقبل بالعودة الى استراتيجيات الصبر والجولات، وليس للمحور ودوله وفصائله ما يخسرونه ولن تكون حالهم وشعوبهم اسوء مما هي عليه.
فقرار اسرائيل وإعلانها الحرب الوجودية وبعد ان استنزفت وبدأت مظاهر العجز والهزيمة والتازمات الداخلية والبنيوية تظهر بوضوح وتعجز امريكا والاطلسي عن اسنادها او خوض الحروب بجيوشهم المنهكة والعاجزة.
لابد لمحور المقاومة ان يعيد تقييم التطورات والاوضاع ويتبين ان الظروف كلها اصبحت وافرة وتعمل لصالحه في الحرب ولتكن حرب مستمرة حتى تحرير فلسطين والاقليم من السيطرة الامريكية الاطلسية ومهما كانت الكلفة فهي اقل بكثير مما سيدفعه المحور والشعوب اذا اعطيت إسرائيل وحلفها فرصة لملمة ازماتهم واعادة هيكلة نظمهم لابتداع وسائل ومؤامرات وحروب لمزيد من التدمير والتفتيت.
كل ما هو جار من تطورات وفي كل الاتجاهان والمستويات توفر للمحور فرصة تاريخية ليحقق غاياته وانهاء وجود اسرائيل التي ستتظافر مع انهاء الهيمنة الامريكية وهي منسحبة ستأخذ معها الحكومات والنظم والاسر والكيانات القاصرة التي بنيت للتكافل مع اسرائيل وتتساند مع الوجود الغربي في العرب والاقليم لتحقيق مصالح الغرب على حساب مصالح الامة والشعوب وامم الاقليم والعالم.
هذه هي حرب تحرير فلسطين فقد استعجلتها عملية طوفان الاقصى العجائبية وتفرضها حرب غزة وتضحياتها وتعلنها اسرائيل كحرب وجودية، فلتكن من محور المقاومة حرب انهاء وجود اسرائيل كحرب تحرير فلسطين كلها وطرد الغزاة والمستعمرين وتدمير ادواتهم. فقد ان لهذه المنطقة ان ترتاح من الحروب والفوضى والتدمير لتعيد البناء وتنهض.