
أميركا تخوض حربها والعالم الأنكلو- ساكسوني في غزة
مخائيل عوض
التبس عند الكثيرين الأسباب والدوافع لمسارعة أميركا والأطلسي للدفاع عن إسرائيل والتحول إلى قيادتها وتسمية خبراء للاستشارة وقيادة أركان جيشها، والدفع بقوات دلتا فورس والمارينز وحشد أحدث قطعها البحرية إلى المتوسط والتهديد والانذار، وإدارة التفاوض والدبلوماسية والحرب الاعلامية على أنها حربها هي، والاطلسي وعالمهم الأنكلو- ساكسوني وليست حرب إسرائيل فقط الأداة والقاعدة والممكن التخلي عنها واستبدالها بأخريات وبمخططات وقوى تؤمن المصالح وتقوم بذات الدور الوظيفي…
في السوابق قاتلت أميركا والأطلسي بقواتها ومعداتها المأهولة مع إسرائيل، واقامت جسورا جوية لتأمينها في الحروب. كما في حرب تشرين 1973، وفي حرب تموز وجولة سيف القدس، إلا أنها لم تتول هي بصورة مباشرة قيادة الحرب وإسرائيل.
وفي السوابق أن أميركا اجتاحت أفغانستان والعراق لتأمين إسرائيل وشاركت في غزو اليمن واحتلت أراض في سورية، وقادت الحرب العالمية لتدميرها وتفتيتها خدمة لإسرائيل ولتأمينها، وشاركت الأطلسي في غزو ليبيا، وكانت قبل فوضت إسرائيل واسندتها في الحرب على لبنان وغزو بيروت 1982.
إلا أنها في هذه الحرب تجاوزت كل ما سبق وقدمت نفسها القائد والمعني في الحرب وتخوضها كحربها هي مباشرة وليس مداورة أو بالإسناد والإدارة من الخلف.
الجديد ودوافعه في الدور الأميركي في حرب غزة يمكن لحظه في المعطيات الاتية:
– انهت عملية طوفان الأقصى العجائبية بضربة واحدة كاسرة أي كلام أو تهويل أو تصوير لإسرائيل بأنها قوة فاعلة وقادرة وكشفتها أوهن من بيت العنكبوت قولاً وفعلاً.
– نجاح غزة وكتائب القسام بيسر في عملية الاختراق والهجوم في أراضي ال48 أسقط كل الأوهام بعدم القدرة على تحرير فلسطين من البحر إلى النهر فإن فعلتها القسام ومن غزة، فما المانع أن يفعلها المحور من كل الجبهات.
– أسقطت العملية كل مشاريع التسويات والتطبيع والابراهيمية وقطعت السبل على أي مخططات لتصفية القضية الفلسطينية أو تجاهلها، والمماطلة بعودة الحق الوطني والقومي لأصحابه المقاومين والساعين لانتزاعه.
– أسقطت مبرر وجود القوات والقواعد الأميركية في العرب والمسلمين، بما في ذلك النظم والجيوش التي انتدبتها أميركا لحماية مصالحها والدفاع عن إسرائيل وتأمينها.
– وفرت كل المقدمات والشروط وكشفت عن حجم التحولات والتراكمات التي نضجت شروطها لنقلات نوعية، بنتيجتها ستضطر أميركا والأطلسي للانحسار عن الاقليم، وتالياً الانكفاء وكف يد أميركا وحلفها من نهب العرب والمسلمين، وابقائهم في حالة الفرقة والانقسام والاحتراب، كما تستعجل حرب غزة تحرر أفريقيا، وتالياً دفع أميركا لخوض معاركها معزولة ومهزومة في أوروبا والباسيفيك في مواجهة قوى عالمية حاكمة وصاعدة.
– أيقنت أميركا بان هزيمة إسرائيل في مواجهة غزة وفصائلها سيطلق تفاعلات نوعية لتسريع انهيارها، وربما زوالها، وبذلك ينفتح العرب والاقليم والعالم على تحولات عظيمة الأهمية تبشر بعصر وبعالم جديد لا مكان فيه للعالم الأنكلو- ساكسوني الذي هيمن لأربعة قرون منذ تأسس في معاهدة وستفاليا 1648.
– لأن إسرائيل هي النموذج الوحيد المصغر عن منتجات العالم الأنكلو- ساكسوني المتماثل مع تصنيع أميركا، فإسرائيل وأميركا هما الدولتان الوحيدتان المصنعتان واللتين قامتا على الغزو وإبادة أصحاب الأرض والحق، والاستيطان بتجميع شتات شذاذ الآفاق واللصوص والمجرمين وإنشاء دولة لهم.
وإن هزمت إسرائيل وانتهت كدولة مصنعة، فذلك نذير بما سيكون عليه مستقبل أميركا نفسها.
لما تقدم ولأسباب كثيرة أخرى لا مكان لسردها هنا، سارعت أميركا وكشفت عن أنيابها وعن حقيقتها وطبائعها بأن تحولت إلى قيادة إسرائيل والحرب على غزة، وتغطيتها للعدوانية الإسرائيلية وأفعالها التي تنتمي إلى نموذج الإبادة ومجاوزة كل وأي من التقاليد والنظم والشرعيات السماوية والأرضية، بما فيها التي أنتجها العالم الأنكلو- ساكسوني نفسه، وتعبر أيضاً عن طبائعهما وآليات وأسباب تصنيعهما دول وظيفية لا تعيش إلا على الإبادة ومجاوزة القوانين والشرعيات.
إذن، امريكا والاطلسي والعالم الأنكلو- ساكسوني استشعر وأدرك ان أيام إسرائيل العادية باتت معدودة، وأنها في زمن الزوال المحقق والمسألة أيام إذا عصفت الحرب الملتهبة والجارية كحرب شاملة وواسعة وكبرى واقليمية وعلى تخوم الحرب العالمي. فإن عصفت وتحولت إلى يوم القيامة فالأمر بأيام وتحسم.
ومسالة أسابيع أو اشهر إذا استمرت الحرب كحرب استنزاف كالجارية اليوم على الجبهات الست المفتوحة. ومسألة سنة وقربها وليس سنوات أو عقود إن وقفت الحرب وبدأت الهدنة.
ولان هذه الحرب وخسارتها نذير بتسارع انهيار العالم القديم المأزوم والشائخ وستكون بمثابة عملية قيصرية لتسريع ولادة العالم الجديد البديل. انخرطت أميركا وتنخرط وتقود الحرب مباشرة، ولأن أميركا وعالمها تدرك بأن الحرب الجارية بنتائجها ليست ككلل الحروب فتجد نفسها مضطرة من موقع حماية نفسها ومشروعها وليس لأن إسرائيل تقودها، ولا لأنها ذات أهمية استراتيجية لا يمكن استبدالها، كما ليس لأن أميركا لا تقبل الهزائم لحلفائها فقد قبلت هزيمتها في فيتنام وشرق اسيا وخرجت ذليلة من أفغانستان، وأعلنت دولتها العميقة في تقرير بيكر هاملتون 2006 هزيمتها في العراق ولبنان، ومع هذا لم تقود ولم تشارك في الحروب ولم تركب رأسها وقدمت نفسها دولة براغماتية قادرة على هضم الهزائم والبقاء قوة مهيمنة وقائدة وفاعلة كأهم الدول.
اليوم وبإزاء حرب غزة تتبدل وتتغير الظروف والمعطيات وتدرك أميركا وعالمها أنها الهزيمة الكبرى، وما بعدها الانحسار والأزمات، وربما أكثر وتغيب شمس العالم العدواني والاستعماري الذي أمن استمراريته بتدمير وقتل الشعوب ونهب ثروات ومنتجات شعوب وأمم العالم.
من حرب غزة وما أطلقته من تحولات وفي الحرب الواسعة الجارية سوف لن يطول الوقت لنقول؛ باي باي أميركا…
لن نشتاق لك ولعالمك المتوحش.