كنداكات السودان في طي النسيان

بقلم محمد حسن العرادي – البحرين

بمناسبة اليوم العالمي للمرأة الذي يصادف 8 مارس سنوياً، هل يتذكر أحد منكم ما يجري على الكنداكات المحاربات، نساء السودان اللاتي يتعرضن لأبشع جرائم الإغتصاب والقتل والترويع في ظل صمت عالميٍ مريب وتعتيمٍ إعلامي مشبوه يتستر بِطغيان أخبار العدوان الصهيوني البشع على غزة نساء وشيوخاً ورجالاً وأطفال، ويمعن في الإضطهاد والتصفية ومصادرة الحريات و أبسط الحقوق الإنسانية.

الكنداكات المحاربات في السودان يتم وأدهن وهم في عمر الحياة والصمود والعطاء على أيدي العسكر الذي يتقاتل على السلطة غير عابئٍ بما يُحدثه من دمار وتخريب وتشريد لأهلنا في السودان الحبيب، أمام صمتٍ دوليٍ مخيفٍ تقوده راعية الإرهاب الأولى في العالم أميركا وكأن هؤلاء الذين يُقتلون ويُدفنون في باطن الأرض دون أن يُصلي عليهن أحد ودون أن يشيعهن أحد ودون ان يفتقدهن أحد، وكأنهم ليسوا بشراً آدميين.

كان يُقال في الأمثال: حين يتصارع الفيلة يموت العشب – لكن الصراع الدموي الواقع في السودان ليس صِراع فيله، إنه صراع الأكاسر الذين يستخدمون جميع آلات الإبادة الجماعية وسفك الدماء الذي لا يتورع عن إرتكاب المجازر وحرق البيوت والمصانع والمزارع في سبيل إرضاء الغرور والعنجهية العسكرية المقيته التي ترغب في السيطرة والتحكم والإستئثار ليس بالسلطة فحسب، بل وبالثروات الطبيعية الثمينة الهائلة وخاصة مناجم الذهب والفضة ومكامن النفط والغاز التي تم إكتشافها في أرض السودان العزيز.

الكنداكات المحاربات ملكات السودان على مر الأزمان رفضن الإنقسام، ووقفن ضد حروب التشطير والتقسيم والتجزئة لأراضي السودان العظيم الذي كان يُعرف بسلة غِذاء العالم، فإذا به يُنحر من الوريد إلى الوريد على يد هذا اللواء وذاك العميد، وإذا بأراضيه التي كانت تحرسها الكنداكات ملكات السودان وزوجات الملوك على مر الأزمان، الكنداكة حاربت الرومان وحاول الإمبراطور الروماني مطاردتها وهزيمتها إستهزاء بكونها إمرأة، لكنه أدرك بأن هذه الملكة صعبة المراس فقرر إقامة الدخول في مفاوضات السلام مع الكنداكة المحاربة، وأبرم إتفاقية سلام معها في عام 20 قبل الميلاد ! وظلت إتفاقية السلام هذه معمول بها حتي نهاية القرن الثالث الميلادي.

وها هي الأصوات تعلوا بهتافات الثوار من كنداكات ورجال تشق عِنان السماء تردد “حرية سلام وعدالة الثورة خيار الشعب”، من هنا بدأ صوت المرأة الثورة في ديسمبر 2018م، إن الشمس في عليائها أنثى، والثورة أنثى والأنثى ثورة، لقد كانت كنداكات السودان منذ إنطلاقة ثورة ديسمبر يزاحمن تروس الثورة على الأرض في ثباتٍ وعزيمة، فما من ضرب من ضروب النضال إلا وقد خُضنه، وقد تعرضن ولا زلن يتعرضن للإنتهاكات من قبل القوات المتحاربة فأصبن بالرصاص الحي وتعرضن للتحرش الجنسي والإغتصابات البشعة، في الوقت الذي يحتفي فيه العالم بيوم المرأة العالمي تمجيداً لها، لقد تاهت نضالات المرأة السودانية في دهاليز الإضطرابات في الوطن العربي، وبقيت في الظل وهي التي لم تهدأ يوماً كفاحاً وتحفيزاً ودعماً لمعنويات الرجال ولا تزال تكافح أملاً في غد يسوده العدل والسلام والكرامة.

إنها دعوة لتسليط الضوء والإعلام على الفضائع والجرائم التي يرتكبها العسكر بحق الإنسانية، وإذا كان السودان قد خسر ثلث مساحته الجغرافية نتيجة الحروب لتنشأ دولة جنوب السودان قبل أعوام، فإن على السودانيين وبدعم من العرب خاصة وكافة محبي السلام والحرية الوقوف في وجه تقسيم جديدٍ يقتطع جزءاً عزيزاً آخر من السودان لتشكيل دولة في إقليم دارفور امعاناً في تمزيق السودان وإضعافها، أخيراً لكنداكات السودان المحبة والسلام في اليوم العالمي للمرأة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى