
أردوغان المأزوم يجمع أبو مازن وهنية، ثم يحتفي بالسيسي
ماذا يعد لفلسطين؟
ميخائيل عوض
حقق أردوغان نصراً انتخابياً بطعم الهزيمة، وقد اشتراه بالمعنى الكامل للكلمة وأنفق من الخزينة عشرات مليارات الدولارات لرشوة الناخبين وأغدق بالوعود، واسندته قوى عالمية واقليمية كل لأسبابه. وكان بوتين أكثر المتحمسين له بتزويد تركيا بالغاز والنفط شبه المجاني وبديون بلا فائدة وطويلة الاجل.
حقق فوزاً بتعادل نقاط وبفارق بسيط جداً عن مرشح المعارضة، وبقي في القصر. غير أن حسابات البيدر لم تطابق تقديرات الحقل، فما أن انتهت أعراس النصر حتى انهارت العملة الوطنية بصورة دراماتيكية، كتعبير عن عنف وعمق الأزمات التي تضرب تركيا بنيوياً، وعليه ارتكب أردوغان كعادته نصف إنقلاب على بوتين وأطلق سراح قادة أزوف، ووافق على دخول السويد الناتو، واستجدى الاتحاد الأوروبي، كما شكل حكومة ميول وزرائها الأساسيين أطلسية لتطمين واشنطن واوروبا ومغازلتها.
ومن فوره زار السعودية وقطر وقبل استجدى الإمارات لتأمين الودائع والاستثمارات وعرض ما تبقى من أصول الدولة التركية للبيع بأبخس الأسعار، فقد كان باع القطاع العام خلسة وبالرخيص ونهبته اولغارشية الاردوغانية، فالأوضاع عنده حرجة جداً. وفقدان السيطرة وانفجار الفقاعة على النموذج اللبناني مجال بحث وتقدير عند مطلعين وخبراء المصارف وصندوق النقد والبنك الدولي، وبينهم نازاروف الشهير بتوقعاته وأبحاثه الاقتصادية المعمقة.
راحت السكرة وجاءت الفكرة، وبوتين الذي أمن أردوغان مرات ومرات وأسنده في كشف الانقلاب 2016، وفي تأمين قطاع السياحة والإنشاءات والموازنة بعطاءات وهبات وأمن الغذاء والمشتقات، وفوض تركيا بإتفاق الحبوب مع أوكرانيا غير الزعماء الذين خدعهم وناور عليهم أردوغان وليس بيدهم حيلة لتلقينه الدروس.
لم يبق في جعبته إلا المتاجرة بالقضية الفلسطينية التي كانت بين عناصر ارتقائه وتفويضه بالعرب والمسلمين السنة، ومعبره إليها غزة وحماس الإخوانية كمثله، وعلاقات تركيا بإسرائيل الاقتصادية والأمنية والعسكرية تضاعفت مرات في عهده برغم لغته التصادمية، ولكي يلعب بالملف الفلسطيني لا بد من مصالحة مصر وترطيب خواطر الرئيس السيسي بعد اشتباك حاد لم يخلو من صدام عسكري بالوساطة في ليبيا، وكباش كبير في تونس والسودان نجح السيسي بكسر أذرعته.
يسجل لأردوغان حيويته وقدراته البارعة على المناورة والتملص من التزاماته، وخديعة الآخرين، وعندما تشتد الأزمات وتتكثف الإخفاقات وننحسر الأوهام العثمانية، لا بد أن يسارع إلى تقديم التنازلات وتخفيف الأثقال، وفي أولها طرد قادة الإخوان وتصفية نشاطاتهم الإعلامية والتخلص من اإرثهم الثقيل، استجابة لشروط الإمارات والسعودية ومصر، وليس على أردوغان حرج ببيع الكبير والصغير، الأخ والحليف وقد فعلها مرات مع رفاق دربه الأتراك في حزب العدالة والتنمية فهمه وهدفه الوحيد أن يكون سلطاناً.
وفي سياق المحاولات الأميركية- الأطلسية المحمومة الإنقاذ إسرائيل وتأمينها، واستكمالاً للجهود التي تبذلها إدارة بايدن في محاولات إعادة احتواء السعودية عبر التطبيع مع إسرائيل لتحميلها عبء وأوزار تأمين إسرائيل وتمويلها ومحاولة كسر انعطافه بن سلمان للشرق والتصالح مع إيران، بتقديم إغراءات له بتأمينه وبالتعاقد لحماية السعودية بإعلان حلف استراتيجي، وجد أردوغان لنفسه دوراً مكملاً يأمل بأن انجازه قد يؤمن له مصادر أموال وحضور وقوة يراهن أن تؤمنه في زمن الانهيار.
هكذا تفهم مبادرته لاستضافة لقاء بين أبو مازن وقيادة حماس، قبيل يومين من استقباله الحافل للرئيس السيسي الذاهب إلى موسكو لحضور القمة النوعية الأفريقية- الروسية، والسيسي صاحب حظوة استثنائية عند بوتين وصلت الأمور إلى أن ربطي عنق بوتين والسيسي في لقائهما من نفس اللون والقماش والصانع، ولهذه دلالات عميقة ورسائل ما زال الكثيرون عاجزون عن استيعابها.
ماذا يريد أردوغان من حراكه الفلسطيني؟
– تظهير الأمر وكان لتركيا باع ودور في الملف الفلسطيني
– الاستثمار بحماس وغزة في محاولة لجذبها إلى خيار التسوية والهدن الطويلة والتخلي عن المقاومة.
– محاولة خلق توازن مع محور المقاومة وإيران في الملف الفلسطيني بالتساند مع مصر وبالارتكاز إلى غزة وحماس
– التقرب من مصر وقبول شراكة من الدرجة الثانية في الملف الفلسطيني.
– عين أردوغان على غاز غزة الوفير، ويقدم نفسه وتركيا شريكاً وضامناً مع إسرائيل.
– ولما كانت مصر ساعية إلى الإمساك بالملف الفلسطيني وبغاز غزة، ولهذا احتضنت دعوة أبو مازن لاجتماع الأمناء العامين في القاهرة، فليكن لأردوغان قرصاً في العرس، فيقدم نفسه كمساعد في التحضير وتوليف العلاقة بين حماس والسلطة.
– في الملف الفلسطيني ودور تركيا يتطوع أردوغان لتقديم خدمات يراها ثمينة للأطلسي والأميركي طمعاً برضاه ومحاولة لتأمين الأموال وتخفيف الضغوط للمساعدة في احتواء أو تأجيل انفجار الأزمات.
ماذا عن الحصاد؟
تحول الدور التركي من رئيسي ومتفرد بالملف الفلسطيني عبر غزة وحماس وحركة الإخوان وقطر إلى دور ثانوي مساعد وساع للتحضير لتطويب الدور المصري. وبالمصالحة مع السيسي بحثاً عن مصالح اقتصادية وتخفيف حدة التنافس في ليبيا والسودان، يقر أردوغان بهزيمة مشروعه العثماني وانحسار المشروع الإخواني ويقبل الاعتذار والتراجع عن عنترياته السابقة، فقد فعلها بإذلال أمام بوتين في سورية.، وبتوسيطه السيسي مع بوتين يقر بتقدم مصر على تركيا ومكانتها على حساب ما كان لأردوغان من أوهام بقيادة الشرق الأوسط الجديد متطوعاً كوكيل للأميركي والأطلسي، ولن يحصد من توسيط السيسي رضا بوتين الذي تحمل انقلابات ومناورات أردوغان، وأمنه ولم يعد بحاجة إليه، فقد أمن روسيا في آسيا وأفريقيا وفي الحرب الأوكرانية، ولم يعد لأردوغان المناور والمتقلب من فائدة.
في احتضان رعاية تسوية وتطبيع ينقذ إسرائيل ويحتوي غزة وحماس في محاولة لنقلها إلى الضفة الأخرى ويكسر ظهر المقاومة، فكل الوقائع تجزم بأن السيف قد سبق العذل.
أردوغان وتركيا في زمن الأزمات الانهيارية ولن تجدي البهلوانيات وعمليات التجميل في عودة تركيا الاأردوغانية من الكهولة إلى الصبا، فقد ولى زمن الإخوانية وأوهام العثمانية وقبول وكالة إدارة شرق أوسط اميركي جديد.
وما يسعى إليه أردوغان في فلسطين قد انتفت ظروفه وأسبابه وانهارت قواه الحاملة، ولن يحصد إلا الخيبة والمزيد من تقزيم الدور التركي وتعمق الأزمات التي قاد تركيا إليها.