توسع بريكس يدعم التعاون الشامل ويعزز دور الجنوب العالمي
جوهانسبرج (شينخوا) يشهد اللقب المحبب لجنوب إفريقيا “أمة قوس قزح” على النسيج الغني للثقافات واللغات والتقاليد التي نسجت معا في فسيفساء متناغمة. وبنفس الطريقة التي تظهر بها هذه الأمة النابضة بالحياة، تتمتع بريكس بتنوع في الثقافات والمعتقدات ومسارات النمو.
اتفق قادة بريكس يوم الخميس على دعوة ست دول، هي الأرجنتين ومصر وإثيوبيا وإيران والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، للانضمام إلى المجموعة، في خطوة تمثل نقطة انطلاق تاريخية وجديدة لتعاون بريكس.
وقال سفير جنوب إفريقيا لدى بريكس أنيل سوكلال لوكالة أنباء ((شينخوا)) بعد إعلان توسيع بريكس “ما نخلقه هنا هو ‘قوس قزح بريكس’. لأننا نجلب الثقافات والحضارات من جميع أنحاء العالم لإثراء التعاون الرائع بالفعل.”
ــ نحو تنمية مشتركة
أعلن رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا في مؤتمر صحفي خلال القمة الـ15 لبريكس، أن العضوية الكاملة للدول الست ستبدأ في أول يناير 2024.
وقال “نقدر مصالح الدول الأخرى في بناء شراكة بريكس”.
وأضاف أنه من خلال القمة، بدأت بريكس فصلا جديدا في جهودها نحو تحقيق عالم عادل وشامل ومزدهر.
وقال الرئيس الصيني شي جين بينغ في المؤتمر الصحفي إن توسع بريكس سيضخ حيوية جديدة في آلية تعاون بريكس، وسيزيد من تعزيز قوى السلام والتنمية في العالم.
وشدد شي على أن التوسع يوضح تصميم دول بريكس على الاتحاد والتعاون مع الدول النامية الأخرى، ويلبي تطلعات المجتمع الدولي، ويخدم المصالح المشتركة للأسواق الناشئة والدول النامية.
وأضاف سوكلال أن الأعضاء الجدد سيساعدون على تعميق التعاون القوي بالفعل، وكذا الإنجازات المهمة التي حققتها بريكس خلال السنوات الماضية.
وقالت ديلما روسيف، رئيسة بنك التنمية الجديد، وهو بنك تنمية متعدد الأطراف أنشأته بريكس في 2015، إن توسع بريكس يدعم مهمة البنك المتمثلة في العمل “كمنصة حقيقية” للتعاون بين دول الجنوب العالمي.
وأوضحت أن إضافة أعضاء جدد “يعزز قاعدة رأس مال البنك ويدمج مجموعة واسعة من العلاقات التجارية ومشروعات التنمية المتنوعة”، مضيفة “هذا سيمكن بناء هيكل مالي يتسم بالتعددية، وعالم متعدد الأقطاب”.
وبصفته رئيس الدولة المضيفة لقمة بريكس، قال رامافوزا إن قادة بريكس “كلفوا وزراء خارجيتهم بمواصلة تطوير نموذج دول بريكس وقائمة الدول الشريكة المحتملة وتقديم تقرير بحلول القمة المقبلة”.
وتابع سوكلال قائلاً “كان رامافوزا واضحا للغاية عندما ذكر أن هذه هي المرحلة الأولى من التوسع، لذلك هذا لا يعني أن عملية التوسع أغلقت”، مضيفا أنه حتى الآن ستجري دعوة دول الجنوب العالمي فقط للانضمام إلى بريكس.
وقال المدير العام لإدارة الشؤون الاقتصادية الدولية بوزارة الخارجية الصينية لي كه شين هنا في إفادة صحافية، إن أكثر من 20 دولة تقدمت بطلبات للانضمام إلى بريكس.
ــ من أجل صوت أكبر للجنوب العالمي
وتحت شعار “بريكس وإفريقيا: الشراكة من أجل النمو المتسارع المتبادل والتنمية المستدامة والتعددية الشاملة”، ركزت أيضا قمة هذا العام، التي عقدت هنا في الفترة من 22 حتى 24 أغسطس، على تعزيز المصالح المشتركة للجنوب العالمي.
وفي حديثه خلال حوار بريكس بلس وبريكس إفريقيا الذي عقد هنا على هامش القمة الـ15 لبريكس، دعا شي إلى التأكد من ألا تتخلف أي دولة عن ركب التحديث العالمي.
وأشار إلى أن عملية تحقيق معظم أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة لا تزال بطيئة، قائلا إن هذا مدعاة للقلق، وإن مساعي التنمية العالمية تواجه تحديات هائلة.
ودعا شي المجتمع العالمي إلى السعي نحو تحقيق المصالح الأكبر لجميع الدول والاستجابة لشواغل الشعوب وإعادة التنمية إلى مركز جدول الأعمال الدولي وبذل الجهود لزيادة تمثيل وصوت الدول النامية في الحوكمة العالمية ودعم الدول النامية في تحقيق تنمية أفضل.
وفي مقابلاتهم مع وكالة أنباء ((شينخوا))، قال الخبراء الأفارقة إن سعي بريكس لدعم مصالح الجنوب العالمي ساعد على الدفع من أجل حوكمة عالمية أكثر عدلا وإنصافا.
وقال ملاكو مولوالم، وهو باحث بارز في العلاقات الدولية والدبلوماسية بالمعهد الإثيوبي للشؤون الاستراتيجية، إن “دور بريكس في إعلاء أصوات الجنوب العالمي بالغ الأهمية، لأنه يسد الفجوة بين الدور الفعلي للأسواق الناشئة والبلدان النامية في النظام العالمي وقدرتها على المشاركة في هذا النظام، وعمليات صنع القرار في مؤسسات عالمية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي”.
وأشار كينيث كريمر، أحد كبار المحاضرين في جامعة ويتواترسراند بجنوب إفريقيا، إلى أنه عندما تشكلت حركة عدم الانحياز في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، اجتمعت العديد من دول الجنوب العالمي “من أجل العمل نحو نظام عالمي أكثر عدلا وشمولا”.
وقال “يبدو أن بريكس تلهم العديد من الدول للالتقاء مرة أخرى من أجل تعزيز هذه الرؤية”.
وأضاف كريمر، وهو أيضاً عضو في المجلس الاستشاري الاقتصادي الرئاسي في جنوب إفريقيا، “إذا تقرر أن تصبح دول أخرى جزءا من مبادرة بريكس، فيتعين أن يكون هناك شرطا واضحا وهو أن تلتزم جميع هذه الدول بمهمة بريكس المتمثلة في تعزيز التنمية الاقتصادية المتبادلة وبناء نظام سياسي واقتصادي عالمي أكثر عدالة”.
وقال عبد الستار عشرة، الأمين العام لمجلس الأعمال المصري-الصيني ومقره القاهرة، إن دول الجنوب العالمي ترغب في الانضمام إلى بريكس لأن المجموعة تدعو إلى “التعاون المربح للجميع والاحترام المتبادل مع الدول الأخرى في العالم”.
وأضاف “مجموعة بريكس، بما تضمه من إمكانات اقتصادية ومالية وتكنولوجية ورؤية مستقبلية واضحة، لديها القوة والقدرة على قيادة العالم نحو عملية تنموية واسعة وتطوير النظام الاقتصادي العالمي وجعله أكثر عدلا وإنصافا”.
ــ التزام الصين
اتخذت قمة بريكس هذا العام نكهة إفريقية واضحة عبر التركيز على تعزيز التعاون بين بريكس وإفريقيا. وبينما اجتمع قادة الجنوب العالمي هنا لشق طريق نحو النمو والتنمية المتبادلين، أكدت الصين التزامها الثابت بتعزيز العلاقات التعاونية مع إفريقيا.
وفي كلمة رئيسية ألقاها في حوار قادة الصين-إفريقيا الخميس، أعلن شي عن سلسلة من الإجراءات الملموسة لتعزيز العلاقات والتعاون مع الدول الإفريقية، بما في ذلك إطلاق مبادرة لدعم التصنيع في إفريقيا، وتنفيذ خطة لدعم التحديث الزراعي في إفريقيا.
وفي حديثه خلال حوار بريكس بلس وبريكس إفريقيا، قال شي إن الصين أنشأت صندوقا للتنمية العالمية والتعاون الجنوبي-الجنوبي بتمويل قدره 4 مليارات دولار أمريكي.
وقال شي إن “الصين صديقة يمكن لإفريقيا الاعتماد عليها”، مشيرا إلى أنه على مدى العقد الماضي، قدمت الصين قدرا كبيرا من مساعدات التنمية لإفريقيا وساعدت في بناء أكثر من 6000 كيلومتر من السكك الحديدية، وأكثر من 6000 كيلومتر من الطرق العامة، وأكثر من 80 منشأة كهربائية كبيرة في القارة.
وقال ملاكو مولوالم، إن الصين، باعتبارها عضوا في الجنوب العالمي، اتبعت مسارا تنمويا يتميز بالتعاون المربح للجميع والمنافع المتبادلة، خاصة الدول النامية الأخرى.
وقال ستيفن نديجوا، المحاضر في العلاقات الدولية بجامعة الولايات المتحدة الدولية-إفريقيا ومقرها نيروبي، “بفضل الصين، شهدت كينيا بالتأكيد الكثير من التطوير في البنية التحتية في إطار مبادرة الحزام والطريق”.
وأضاف “لقد شهدنا تطورات في البنية التحتية بما في ذلك الموانئ والسدود وتوسيع الطرق وحتى الطرق السريعة والسكك الحديدية الجديدة، وكلها ساهمت بشكل كبير في النمو الاجتماعي والاقتصادي في إفريقيا”، مضيفا أن مشروعا مثل مبادرة الحزام والطريق “لا يمكن أن ينجح بدون الصداقة والإخلاص والأمانة”.
لسنوات عديدة، ظلت وسائل الإعلام الغربية تشوه الصين، وتصف مساعدة الصين بأنها شكل معاصر من أشكال الاستعمار في مختلف أنحاء إفريقيا.
وأوضح مولوالم أن “الشركات الصينية تأتي إلى إفريقيا ومعها رأس المال والمعرفة والخبرة للاستثمار في إفريقيا”، رافضا الافتراءات الغربية على الصين.
وتابع قائلا “تنظر الحكومات الإفريقية إلى التعاون مع الصين باعتباره وضعا مربحا للجانبين، حيث تحصل على الأموال، التي تشتد الحاجة إليها، من الصين على أساس طويل الأجل بأسعار فائدة منخفضة لتوسيع بنيتها التحتية، في حين يقوم الصينيون بأعمال تجارية وبناء الثقة مع نظرائهم الأفارقة”.
ويرى ماهاشا رامبيدي، رئيس تحرير صحيفة ((أفريكان تايمز)) أن “الأفارقة يثقون في الصين أكثر بكثير مما يثقون في الدول الغربية، ولكي أكون صادقا، لا أعتقد أن الأمر يقتصر على الأفارقة فقط”.
وقال “أعتقد أن غالبية العالم، خاصة الجنوب العالمي، يثقون في الصين أكثر مما يثقون في الولايات المتحدة”.