
بين مصر وتركيا تقاطعات وأزمات طاحنة واختلاف بالخيارات 3/5
ميخائيل عوض
مصر مالها وما عليها
تتقاطع مصر مع تركيا بالكثير من المعطيات والخصائص، فمصر دولة كبير، وعدد سكانها يربو على المئة مليون ونسبة الخصوبة عالية، ومجتمع شاب، ونسبة التعليم مقبولة، وطبائع الأسرة تضامنية ومساواتيه، ودولتها العميقة راسخة وقوية، وتمثل مركزا دينيا اسلاميا عبر الأزهر، وقومي يميل إلى العلمانية ووجود كتلة كبيرة من الأقباط المسيحين الارثوذكس، وعند المصريين محرمان؛ الله والفرعون، ولها موقع جغرافي مميز وحاكم، زاد اهميتها الاستثنائية شق قناة السويس كممر إجباري للتبادلات التجارية العالمية، 8% من التجارة العالمية وخاصة النفط والغاز.
تاريخياً دولة قوية فاعلة في محيطها منذ العصر الفرعوني وقاتلت في سورية الطبيعية، ويمتد أمنها القومي وأذرعها إلى الهضبة الإيرانية وجبال طوروس وزغاروس، وكان لمعركة قادش بين الفراعنة والحثيين 1268 قبل الميلاد إن احدثت فراقاً إنسانياً عظيماً ودشنت وثيقتها المكتوبة كأول صلح أممي العصر الحضاري الإنساني الأول في التاريخ البشري” معاهدة قادش المعلقة على جدارية الأمم المتحدة”. ودأبت على إنشاء الحضارات والامبراطوريات ولم تقبل السلطنة العثمانية، وانتجت تجربتها الخاصة مع محمد علي وذريته في الصدام مع العثمانية، وسعت لإخضاع الجزيرة العربية وبلاد الشام. ومع ثورة الضباط الأحرار والتجربة الناصرية القومية عرفت مكانتها، واسهمت بتأسيس قطب عالمي ثالث بين قطبين جبارين في تجربة عدم الانحياز، وبصفتها واسطة العقد بين آسيا وأفريقيا تركت بصمتها النوعية وخاصة في القارة السمراء، وتبنت واسندت حركاتها التحررية وتعتبر البوابة الحكمية لوادي النيل والبحر الأحمر والقرن الأفريقي، كما في شمال أفريقيا وصحرائها وغربها ويدها فاعلة دوماً في اليمن.
ومصر على هذه الأهمية تعرضت بعد رحيل عبدالناصر وحرب تشرين 1973 إلى عملية إخضاع وتخريب وتدمير منهجية وفي انقلابها على عروبتها وإسلامها وتوقيعها إتفاق كامب ديفيد، بددت دورها ومكانتها وتحولت إلى الى دولة هامشية مأزومة ومنهوبة تعتمد على المساعدات الأميركية والغربية والخليجية. وانتقالها إلى الضفة الأخرى غير من موازين القوى في الصراع العربي- الإسرائيلي وفي توازن قوى القطبين العالميين، ما أسهم بتسريع سقوط الاتحاد السوفياتي وبتمكين أميركا من العرب بعد حرب عاصفة الصحراء وغزو كابول وبغداد وتفجير لبنان والصومال، ومن ثم في العقد الأخير سقوط ليبيا واضطراب اليمن والعراق وسورية، ما يجعل من الاستحالة خلاص العرب والاقليم من الأزمات والفوضى الناتجة عن فعل تآمر وعن استنفاذ جغرافيا ونظم سايكس- بيكو وظائفها، وجدواها، كنظم وجغرافيا قاصرة ومصنعة في خدمة إسرائيل والغرب والموروثة من منتجات الحرب العالمية الأولى وتوابعها في الثانية والحرب الباردة.
أعطبت مصر وتم العبث بمقدراتها وموقعها ومكانتها، ونهبت، وتحولت إلى الى منفذ وصايا أميركا وإسرائيل وحلفائها، وأمنت بعد كامب ديفيد الفرص لسيادة الساداتية والسعدنة وقيادتها للعرب والمسلمين. فتكرست وأقامت طويلاً حقبة العجز العربي، والانكسارات والفوضى والجوع، والهجرات واللجوء والتخلف والتبعية.
بحسب مذكرات هيلاري كلينتون خطط لمصر في موجة الربيع العربي واستراتيجية الفوضى الخلاقة والشرق الأوسط الجديد والواسع، أن تقع تحت سلطة الإخوان المسلمين وأن يقام في غزة وسيناء دولة إسلامية متصالحة مع إسرائيل كبديل عن فلسطين ولتوطين اللاجئين. إلا أنه وبحسب المذكرات وهيلاري كانت رئيسة الدبلوماسية الأميركية قد فوجئت وصعقت الدوائر والإدارة والبنتاغون والوكالات بحدث إسقاط مرسي بثورة شعبية نظمها وقادها بتقانة الجيش المصري، وتقول هيلاري: إن البنتاغون أرسل السفن والحاملات إلى المتوسط إلا أنه فوجئ بالغواصات المصرية وبطائرات ميغ 21 محدثة، التي كشفت عما يبطنه الجيش وجاهزيته للمواجهة، ما حال دون التدخل العسكري الأميركي الأطلسي لاستعادة سلطة الإخوان وانفاذ مخطط الدولة الإسلامية، وتصفية القضية الفلسطينية وتفتيت مصر وإنهاء وجودها ومكانتها العربية والإسلامية.
هكذا فاجأت مصر المخططين والمنفذين والساعين إلى إنهاء دورها ومكانتها وتسليمها للإخوان، في خطة محكمة لإعادة هيكلة السيطرة الغربية على العرب واقليمهم الإسلامي وأفريقيا لتأمين القرن الأميركي.
…/يتبع
غداً، لماذا الجيش المصري؟ وكيف قاد الانقلاب بتقانة وسلاسة إبداعية؟ وكيف يقود تحول جذري نوعي في مكانة ودور مصر؟