من يشرع الشذوذ الجنسي ولماذا؟ 2/1

ميخائيل عوض

من مسألة الشذوذ الجنسي إلى إشكالات علاقة الرجل بالمرأة والإنسان بالإنسان رجلا مع رجل وأنثى مع أنثى والإنسان بالخالق وبالدين وبالسعادة والعقائد، والأسرة ووحدانية العلاقات الجنسية أو تعددها ونظام الأمومة أو الأبوة… مسائل وقضايا وظاهرات رافقت البشرية منذ التكوين والخلق، ولم تجد لها ضوابط نهائية وعامة أو حلول شافية وافية تشمل البشرية برمتها وصوغها على نمط وقيم ثابتة وموحدة.

وربما ترافقها إلى الساعة من دون أن تجد لها حلول متكاملة ونهائية.

فالشذوذ الجنسي بحسب المؤرخين والمشتغلين بالأنثروبولوجيا، وعلوم الاجتماع ظاهرة عتيقة، وقد تتعدى البشر إلى الحيوانات والمخلوقات الأخرى بحسب زعم مناصريها ومروجيها. ظاهرات أما انتجتها الطبيعة والمجتمعات  والطفرات الجينية أو هي من غايات الخالق الذي له في خلقه شؤون. إلا أن ظاهرة الشذوذ الجنسي بقيت على مدى العصور مدانة وحالات شاذة ومحدودة تمارس في العتمة وبعيداً عن العامة والإشهار، ربما لتأكيد القاعدة فالبشر يخلقون ذكراً وانثى، منحوا حق التزاوج والولادة  لتحقيق غاية الخلق بالتكاثر واستمرار البشر في هذا الكون الهائل التنوع والاتساع…

منذ نشأة الحياة، وعبر أزمته تطور البشر، لم يقبل الشواذ ولا طبع على أشكاله ولم يعترف به ولا تم تشريعه. فالاستثناء لا يغلب القاعدة مهما كانت الأمور.

في العقود الأخيرة بدأت حملات منظمة ومكلفة ومشغولة عن سبق تصور وتصميم لتشريع الشذوذ الجنسي واعتباره حق شخصي يستوجب الإعتراف والحماية القانونية. وبلغت الحملات مرحلة تشريع زواج المثلين في المؤسسات الدينية والمدنية، بل وتجري عملية إشهار ومفاخرة بالأفعال الشاذة، ويعقد زواج المثليين العلني بحفلات مبهرة ومكلفة في قصور الرؤساء ورؤساء الحكومات ومنتديات النخبة والقمم العالمية والاقليمية، ما أثار ويثير الريبة ويطرح أسئلة كثيرة بينها الجوهري وما يمس بقيم الحياة وطبائعها ومبتغى الخالق في خلقه وشؤونه.

فإذا كان مفهوماً قبول الاستثناء  والتعايش مع الشذوذ كحالات موجودة في الواقع المعاش، وإن كانت محدودة جداً وأقلية لا تذكر، ولم تهتد البشرية إلى سبيل لإنهائها ومعالجة رحيمه للمبتلين بها، برغم رفضها وجزرها ومحاصرتها والنهي الديني والعقلي والدنيوي عنها، ورفضها الاجتماعي والقيمي.

ومن المفارقات اللافتة أن العلم وعلوم البيولوجيا والوراثة لم تعرها الأهمية المستحقة، ولم يجر البحث المدقق عن أسبابها وبيئاتها. وهل هي من أصول الخلق أم طفرة؟ وهل تنتمي إلى الخريطة الجينية للبشر أم عادات مكتسبة من بيئات خاصة وبعينها.

استغربنا عدم اشتغال العلوم بهذه الظاهرة الشاذة وغير اللائقة والمتعارضة مع الطبيعة البشرية والخلق، لأن العلم حقق فتوحات وثورات واختراقات مذهلة في علم الجينات والجينوم والخريطة الجينية للبشر والحيوانات، وبات قادراً على تحديد الجينات المسؤولة عن كثير من الأمراض، بما فيها النفسية، فهل يعقل أنه عجز عن تحديد الجينات المسببة للشذوذ؟ ما يرسم إشارات استفهام! وربما يكشف بعض من أسرار الحملات الجارية لتشريع وتعميم الشذوذ الجنسي.

فالعلم ومراكزه ومختبراته وجامعاته وتمويله أيضاً محتكر بيد الحفنة التي تستهدف حياة البشر وأنماط عيشهم وقيمهم وعقائدهم وأديانهم ومعتقداتهم وآليات تفكيرهم وتصوراتهم الذهنية في سياق مشروع الأقلية المتحكمة، لتصفية وإبادة سبعة مليارات من البشر وتحقيق هدفها بالمليار الذهبي الجاري تنفيذ خططه لتخفيض عدد البشر، واقتصارهم على من يستحقون بحسب عرف تلك القلة المجرمة.

وما يرجح أن الشذوذ الجنسي ظاهرة اجتماعية ومنتج تفاعلي بين البشر والطبيعة، وليست في أصل التكوين والخلق.

في التجربة والواقع المعاش توطن الشذوذ الجنسي في أقوام وبيئات ومناطق غالباً ما توصف أنها متخلفة ونائية لم تبلغها الحضارة ومنتجاتها، ومفقرة ومتزمتة في علاقاتها الاجتماعية وتضطهد المرأة وتحرم العلاقات الجنسية الطبيعية، وتعتدي على الحق الطبيعي للبشر وتتدخل في شؤون الخالق ومبتغاه، وتحرم الإتصال والتواصل بين الجنسين ما يخلق بيئات ويشجع على تلبية الحاجات الجنسية الطبيعية بالعلاقة بين أبناء الجنس الواحد، فتسود العلاقات الجنسية مع  الغلمان والتحرش بالأطفال، ولم تنجو المؤسسات الدينية من فضائح التحرش وممارسة الرذيلة.

إلا أن اللافت وغير المفهوم أن العقود الأخيرة تجري عملية منظمة ومقصودة لإشاعة حرية الشذوذ وتمكين وإعلاء شان ومكانة العلاقات الشاذة في المجتمعات والبيئات والدول المتقدمة صناعياً واقتصادياً، والتي تشرع الحق بالعلاقات الجنسية من دون قيود الزواج، وتعترف بالأولاد من العلاقات العابرة وغير المشرعة دينياً، وخاصة في المجتمعات التي توصف بأنها مجتمعات ما بعد الصناعة وما بعد الحداثة والرقي. وكذا في مجتمعات الأغنياء وبيئاتهم وبيوتاتهم، وأصبح الشذوذ أمراً عادياً، بل مجال تباهي ومفاخرة وكأنها فرادة وميزات.

هكذا تحولت بيئات توليد واحتضان وتكريم الشذوذ من بيئات الندرة والتخلف والانغلاق، إلى بيئات الوفرة والعصرية، وفي مجتمعات البطر والاستهلاك الفاجر، وفي الدول والعائلات الحاكمة، والتي نهبت أموال وجهود البشرية وركزتها بين يدي ال1%. وهؤلاء يجيزون لأنفسهم ممارسة كل الموبيقات ما داموا قد نهبوا الأمم والشعوب، وأبادوا مئات الملايين لتأمين ملذاتهم وممارسة شذوذهم وعصبياتهم العدوانية والفاجرة.

بيئتان مولدتان وحاضنتان لظواهر الشذوذ الجنسي، على طرفي نقيض، وتفصل بينهما وهدة اجتماعية وحضارية واسعة جداً، ما قد يوفر عناصر تساعد في فهم الظاهرة وتفسيرها ومعرفة دوافع ومصالح الساعين لتطبيعها وسيادتها، كنمط حياة مشروعة ومحبذة للبشر…

غداً، ما السبيل لفهم الظاهرة وسبر أغوارها تمهيداً لمحاصرتها أو عزلها للحد من مخاطرها؟

…/ يتبع

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى