ازمة المسرح عالقة في ظل جائحة كورونا

 

نضال الأشقر: في ظل غياب الدولة… نحن فتحنا مسرحنا لنبقى نشرب روحاً نظيفة وجميلة

رفيق علي أحمد: انتهى البلد… مفكك بكل تفاصيله 

جورج خباز: حرمنا من التواصل الاجتماعي

الناقد جهاد أيوب: المسرح مهمل والكورونا قضت عليه

للمسرح جمالية قد لا تتناسب مع الهواء الطلق

أجواء برس

بيروت- هناء حاج

أصعب مشهد قد نراه هو إغلاق مسرح لأسباب لعدة، ففي ظل جائحة كورونا تضررت كل القطاعات الإنتاجية في لبنان والعالم، إلا أن للمسرح خاصة مختلفة عن كافة القطاعات، لأنه منبر فكري وثقافي صرف، ازدهاره متّصل فكر الجمهور وقدرته على الحضور “في أيام العز” ومع هذا كان تطوره وازدهاره يسير بوتيرة بطيئة لأسباب عدة ومختلفة وعلى رأسها السياسة، سياسة الدعم وسياسة منعه.

المعروف أن المسرح له خاصية تختلف عن القطاع، كون طالبه يأتي إليه وهو لا يقتحم خصوصية الفكر والعائلة، إلا أن ظروف لبنان المتتالية هجرت المسرح والمسرحيين معاً، فباتت عودته ليكون نشطاً كباقي القطاعات مرتبطة بمدى تقبّل الجمهور للعودة إليه، وهذا بحد ذاته يتطلب ثقافة مختلفة.

المعروف ان المسرح دائماً يعاني من الدعم والاعلان والدعاية واليوم جاءت جائحة كورنا لتؤثر عليه في شكل مباشر. إلا أن فكرة المسرح المفتوح في الهواء الطلق يمكن أن يحل أزمة ولكن شروطه لا تؤمن بسهولة.

في ظل الظروف الراهنة، جالت “اندبندت” على بعض رموز المسرح في لبنان حيث سألتهم عن تأثرهم، فرفع الجميع صرخة موحّدة نتيجة السياسة عامة وعدم الاهتمام ثانية. إلا أن البعض قرر التحدي وفتح المسرح ومراعاة التباعد الاجتماعي، للإبقاء على فكرة المسرح.

 

المخرجة نضال الأشقر:

وزراء مثقفون تحولوا الى السياسة ونسوا المسرح

وكان التحدي الأول مع الممثلة والمخرجة نضال الأشقر- مؤسسة مسرح المدينة- حيث أوضح أن: “المسرح لم يكن يوماً قسم من الدولة اللبنانية وليس مشروع من مشاريعها، ولم تفكر يوماً أن هذا النمط الفني الراقي الفريد من نوعه يستطيع بناء انسان مدني، لأنه المكان الوحيد الذي يدخله الانسان إليه ولا يعرف من فيه، لأنه مكان مختلط، فهو يقصده ليدخل في سحره وطروحاته، حيث يطرح الفنانون القديرون أفكاراً جديدة يتناغم معها الجمهور ينتقدها حيناً ويحبها أحياناً. ومهما حصل يحمل هذه الأفكار ويناقشها في الخارج وفي بيته. وهذا قسم من عمل المسرح.

هذا الفن الذي يعتبره بعض الناس هامشي لا علاقة له ببناء الدولة هو له أكثر علاقة ببناء الانسان، لأنه يرتكز على الكلمة وعلى الانسان والابداع والحلم وينطلق من التاريخ والجغرافيا واللغة الى مواضيع تهم الجمهور وتطرحها عليه.

هذا الفن لم يكن ولا يوماً قسم من مشروع الدولة اللبنانية، كل ما حصل في الدولة اللبنانية كان من صناعة أفراد وهم كدولة فشلوا وسرقوا وابتزوا الناس وجففوا الينابيع ولوثوا البحر وسمموا السمك وشوهوا الجبال والوديان وقضوا على الصناعة والتجارة وكل معالم الإنسانية والحضارية في لبنان، وكل هذه الحالة التي وصلنا إليها ليس لأن القيمين على الدولة اللبنانية كانوا فاسدين، بل لأن كل إنسان صدقهم وسار معهم دعم مشروعهم الفاشل للدولة اللبنانية”.

وبالنسبة إلى المسرح تقول الأشقر: “أكيد نحن فتحنا “مسرح المدينة” لوحدنا، ولم نغلقه، ونظمنا أمسيات ومنها للفنانين “علي شحرور” و”شادي الهبر”، وكل يوم لدينا ورش عمل في المسرح، ونظمنا ندوات واتصالات مع العالم ونظمنا اجتماعات على نظام “زووم” مع لندن والمانيا وهولندا، وذلك لنبقى نشرب روحاً نظيفة وجميلة وفيها حياة وأمل وثقافة.

نحن لم نتوقف في مسرح المدينة ولن نتوقف، ونستطيع الخروج والعودة الى الساحات العامة من المكان الذي انطلق فيه المسرح، ولكن أي ساحة عامة من سيعطيننا إذن لنقدم مسرحاً، من سيحمينا ويحمي الجمهور، من سيقطع الصوت والفوضى الموجودين في الشارع، من الصعب تقديم مسرح في الهواء الطلق لسوء الحظ. لذا وجدنا طريقة أفضل في مسرح المدينة، بتخفيف القدرة الاستيعابية أذ ندخل 150 شخصاً بدل 400 شخص، ونستطيع تنظيم حفلات راقية جداً في مكان نظيف ومطهر تطهيراً كاملاً، يدخل إليه الناس فتعود لهم انسانيتهم، وثقتهم بفنانيهم وفنهم وأدبهم وثقافتهم عامة”.

وهذا الأمر الذي لم نستطع ولا مرة حتى حين جاء وزراء مثقفين توجهوا للعمل في السياسة وتركوا الثقافة، ولم يكن لديهم وقت ليتوجهوا الى المدن والقرى للبحث في كيفية بناء مسارح ومكتبات، أو تنظيم منصات جميلة تمكّن الشباب من الانفتاح على الابداع والفكر وثقافة المسرح، فأكثر الوزراء لم يزوروا المسارح إلا إذا كان عمل سمعوا عنه، ومعظم الأحيان يكون سخيفاً يأتون لسبب ما.

 

الممثل رفيق علي أحمد: بلد مفكك

أما الممثل رفيق علي أحمد فكان في كلامه المقتضب معانٍ كثيرة لا تخلو من الألم الممزوج بعتب وحزن وصل إليه المسرح في لبنان، وقال:

“بعيداً عن الدخول بالتفاصيل، البلد كله مفكك من أساسه أو كما يقال “بأمه وأبوه”، مفكك بكل تفاصيله الاقتصادية والزراعية وبكل مقوماته، انتهى البلد، وهذا ينعكس على كل التفاصيل، والمسرح جزء صغير متضرر من هذا الوضع.

باختصار إذا كانت هذه الدولة جزع شجرة نخرها السوس، والاغصان يبست كلها من أولها الى آخرها على المستوى الثقافي والزراعي والتجاري والتربوي والتعليمي والصحي، البلد انهار ويندثر. لنرى ماذا سيحصل في البلد ونتكلم في البنية الأساسية وبعدها نتكلم في التفاصيل.

 

جورج خبّاز: حرمنا من وسائل التعبير

ويرى الكاتب والمخرج والممثل جورج خباز أن الضرر من كل النواحي المعنوية والمهنية والثقافية والمادية، ويقول:

“الضرر لأننا نحرم من وسيلة تعبير، ونحرم من فرص عمل لنا ولكل الزملاء من فنانين وتقنيين وكل العاملين في قطاع المسرح، والأهم نحرم من التواصل الثقافي والإنساني من خلال أرقى أنواع المنابر والتعبير الذي هو المسرح.

في هذه الظروف أعوض بغير طرق، فقد صورت فيلم سينما مع نادين لبكي ووسام سميرة وعادل كرم ومنى زكي وإياد نصار، وأعمل مع شركة صباح على مسلسل أكتبه وسأمثل به ولدي أيضاً أجهز فيلم جديد لتصويره في الصيف، وأكيد أكتب للمسرح. لقد اتجهت الى الأعمال المصورة حالياً الى أن يعود المسرح ويستعيد عافيته، فإذا كان اللقاح فعّال إن شاء الله سنعود الى المسرح خلال فترة عيد الميلاد”.

 

أما عن الحلول البديلة التي يمكن إيجادها أوضح خباز: “المشكلة في لبنان ليست جائحة كورونا فقط، بل أيضاً المشكلات الاقتصادية، لا نعرف كيف سنضع سعر البطاقة وكيف سندفع للعاملين في المسرح والشركاء من الفنانين، ولا نعرف قدرة الناس للمجيء الى المسرح، ونضيف إليهم جائحة كورونا. فمن الأفضل الانتظار لنرى كيف ستنجلي الأمور، لأن لدينا أكثر من عامل غير العامل الصحي، الاقتصاد غير المستقل، لنرى كيف ستستقر الأمور اقتصادياً لنعرف كيف سنعمل انتاجياً”.

 

الناقد جهاد أيوب: المسرح مهمل والكورونا قضت عليه

يقول الناقد الزميل جهاد أيوب:

قبل أزمة الكورونا منذ أكثر من عشر سنوات، وأيضاً مع كثافة مهرجانات المسرح وأنواعه، لم يحقق المسرح العربي أي نهضة، ولم يعد الصوت المحرك للفكر، وغاب عن مشكلات الناس، وعن هموم الوطن، حتى المسارح التابعة للدولة، وتسير من خلف قراراتها، وتعمل على تسويقها بحجة حب الوطن، هي أيضاً تعيش الإفلاس المسرحي… نعم أزمة المسرح العربي، وتحديداً في لبنان كانت تعيش أزمات البقاء قبل أزمة الكورونا، وجاءت هذه الأخيرة حتى تزيده هجرة عن ذاته ومحيطها!

إعادة تنشيط المسرح في ظل هذا الوباء صعب المنال وسهل الحصول… صعب لآن الناس أصبحت تعيش بين جدران منازلها، وهمها أن لا تصاب، وأن لا تصلها العدوى، والجامعات والثانويات مقفلة، والطلاب يعيشون حياة “أونلاين” عبر شاشة الكمبيوتر، وهنا التواصل بين المسرح الذي يؤمن باللحم والدم وحركة الروح والضحكة الحية لم يعد بمقدوره لم الشمل!

سهل إذا دُعم المسرح المغلق ومن دون جمهور من قبل الإنتاج التلفزيوني أي الفضائيات بحيث يصور ويعرض عبر شاشاتها مرتين في الاسبوع، ويرافق ذلك حملة إعلانية وإعلامية مدروسة، والأهم بمشاركة نجوم كبار من اجل استقطاب الجمهور المشاهد… علينا عرض المسرح عبر الشاشة، وأن نتحرك من خلال رؤية جديدة لكيفية التمسرح خارج البعد الرابع أي خارج الصالة، وهنا نكون قد اعطينا نفساً منطقياً في تذكير الناس أن المسرح هو حي فينا، والأهم اختيار المواضيع التي تتصالح مع الناس ومشاكلها وحتى في اضحاكها خارج الضحك عليها!

الاعتراف أن المسرح في مشكلة أكبر من أزمة بداية صحية للمعالجة، وقراءة الحالة الكورونية وما فعلته فينا من شلل روافد الإبداع والحياة الاجتماعية يفرض علينا رؤية مختلفة كلياً لواقع المسرح وطريقة ما كان عليه قبل الكورونا، وعرضه بعدها… المطلوم مغامر، وجرأة، ورأس مال المنتج، وفضائية تؤمن بأن المسرح هو السلاح الناطق بالإبداع، وبرسائل تصل بسرعة قبل الدراما وتشبه الغناء الذي كان وليس غناء اليوم!

 

سليم علاء الدين: المسرح له جماليته لكن لا يناسب الهواء الطلق

يرى الممثل المسرحي سليم علاء الدين “الحكوجي الأخوت”: إن وضع المسرح منذ زمن بعيد منهك مادياً واجتماعياً، وزادت جائحة كورونا هذه المشكلة عمقاً ووسعت الضرر في المسرح، وبطبيعة المسرح أنه على تماس مباشر مع الجمهور، وهو مغاير للدراما، لذلك حاولوا ابتكار فكرة “مسرح Online”، وبرأيي فكرة غير ناجحة، لأنها لا تنقل تفاعل الجمهور.

على الرغم من الأزمة إلا أننا شهدنا عودة لبعض الأعمال المسرحية وشاهدنا مسرح “شغل بيت” في مسرح المدينة وكان العرض ميلودرامي، حيث قاموا بنوع من التباعد الاجتماعي، وممكن يتحسن الوضع مع هكذا أعمال وبهذه الطريقة، أكثر من مسرح في الهواء الطلق، وكان موجود في السابق، وحتى هذا يجب يتطلب دراسة لكيفية خلق التباعد الاجتماعي بين الجمهور.

وممكن أن يكون مسرح الهواء الطلق هو حل جيد وله جماليته ولكنه في حاجة الى إمكانيات مختلفة. لأن هناك مسرحيات لا يناسب تقديمها في الهواء الطلق.

هناء حاج

صحافية لبنانية منذ العام 1985 ولغاية اليوم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى