من يتنازل عن فلسطين يخسر الدنيا والآخرة ..

بقلم محمد حسن العرادي – البحرين

الأحد 29 ديسمبر 2025

بائسة هي تلك الأنظمة والأحزاب العربية التي تعتقد بأن التنازل عن فلسطين أو تركها نهباً للإحتلال الصهيوني، سيوفر لها سقف الأمان المطلوب، ويحميها من الغطرسة الصهيوأمريكية، الراغبة في التمدد والهيمنة وخلق شرق أوسط جديد على مقاسها تكون فيه الكلمة الأولى والأخيرة لهذا الكيان المسخ المسمى “اسرائيل” فالمخطط كبير ولن تنثني أمريكا أو تتراجع عن تنفيذه إلا إذا واجهت مقاومة عربية موحدة ومتعددة، وتكبدت ربيبتها خسائر فادحة تجبرها على الانكفاء أو تقودها إلى الزوال.

إن التناقضات الرئيسية والموضوعية في المنطقة واضحة، فهذه المنطقة لا تحتمل تعدد الإرادات والمشيئات، فإما أن يكون القرار لأصحاب الأرض وأهلها الطبيعيون والأصليون، وإما أن يكون للطارئون المحتلون ومن يقف معهم من الدول الغربية الاستعمارية التي لا تزال تحلم بعودتها لعصور الهيمنة وسرقة مقدرات وثروات شعوب هذه المنطقة واستعبادها من جديد، ودون شك فمهما بدت بعض الأنظمة العربية والأحزاب متماهية وخاضعة للمشيئة الأمريكية، منخرطة في المشروع الصهيوني تحت مسميات مختلفة، فإن الكلمة الأخيرة ستكون لشعوب هذه المنطقة التي تأبى الإنصياع والتأقلم مع هذا المشروع الاستعماري الاحتلالي الجديد، وتصر على مقاومته بكل ما تملك من إمكانيات.

ومهما بدى أن المخطط يسير في طريق التنفيذ وإعادة الصياغة والتشكيل، فإن المستقبل يحمل الكثير من المفاجئات التي يمكن أن تقلب الموازين وتغير الصورة في أية لحظة، كما حدث فجر يوم السبت 7 أكتوبر 2023 المجيد، حين اكتشف العالم بأن ما سمي بالجيش الذي لايقهر، ما هو إلا منظمة إرهابية كبيرة قامت على إرث ومجازر المنظمات الصهيونية الإرهابية الصغيرة كالهاجناه وشتيرن وغيرها من العصابات التي أستقدمتها وحمتها بريطانيا لتنفيذ وزرع المشروع الإستيطاني الرامي إلى تقسيم الوطن العربي والسيطرة عليه لضمان المصالح الغربية.

وللتدليل على ذلك نشير إلى ماحدث لنظام البعث السوري برئاسة بشار الأسد الذي ظن بأن سياسة النأي بالنفس والانزواء بعيداً عن معركة طوفان الأقصى والتوقف عن دعمها بل ومغازلة بعض الدول العربية والأوربية المناصرة للإحتلال، قد تشفع له وتحميه من ضربات وقصف الصهاينة وحلفائهم المتربصين به، وعلى مدى 14 شهراً وربما أكثر من ذلك بكثير، إحتفظ نظام الأسد البائد بضبط النفس والأعصاب والسلاح بعيداً عما يحدث في فلسطين ولبنان، ولم يطلق طلقة واحدة ضد “اسرائيل” حتى ولو من باب الرد وحفظ الكرامة على الهجمات الصهيونية التي تعرض لها، معتقداً بأنه سيسلم ويُنقذ نفسه ونظامه من تداعيات المعركة القاسية الفاصلة فما الذي حدث؟ لقد أُكلت سوريا يوم أُستفرد بغزة ولبنان، وضاع حُلم بشار في الأمن والأمان، وفي الوقت الذي كان فيه يلوذ بالصمت الجبان، كانت أمريكا وتركيا والكيان يعدون العدة للانقضاض عليه وتشتيت شمله وهدم المعبد على رأسه، وما بين ليلة وضحاها وجد نفسه مشرداً طريداً يبحث عن ملاذ آمن له ولعياله وبعض من أنصاره المقربين، ودون شك فإن الأسد المخدوع حاول تدارك الأمر في اللحظات الأخيرة من أجل إنقاذ نفسه ونظامه، عبر الاستنجاد بالحلفاء الذين تخلى عنهم، ولكن هيهات هيهات فقد وقع الفأس في الرأس وإنتهت دولة آل الأسد التي استمرت أكثر من نصف قرن في أقل من عفطة عنز من الزمن.

وهكذا سيكون حال كل من يتخلى عن فلسطين وكل من يتخاذل عن نصرتها، مهما طال بهم زمن البقاء الذليل، ومهما هيئ لهم بأن أنظمتهم آمنة وعلاقتهم متينة مع الأمريكان، لا فرق في ذلك بين الأنظمة السياسية والتنظيمات المسلحة والعسكرية والحزبية، ولننظر إلى ما يحدث للتنظيم الكردي (حزب سوريا الديمقراطية – قسد) ، فبعد أن نفذ مخططات الأمريكان بتقسيم وإضعاف الدولة السورية، ها هي لحظة التخلي عنه تقترب، وها هي صيحات الأكراد تتعالى مستنكرة الانسحابات الأمريكية العسكرية من الأراضي التي ظلت قسد تحتفظ بها طوال أكثر من 12 عاماً.

ولاشك بأن بوصلة المصالح الأمريكية المتغيرة تدور باستمرار، وهي التي لا ثابت لها ولا صديق سوى “اسرائيل الإرهابية” ومن يوفر لها الدعم والحماية والتمويل، وطالما أن أمن الصهاينة مكفول، فليذهب كل الحلفاء والأصدقاء والعملاء والمرتزقة إلى الجحيم، لذلك فإننا ندعو الدول والأحزاب والتنظيمات العربية لليقظة والتخلي عن الأوهام والأحلام الكاذبة بشأن تحالفاتهم مع أمريكا، التي لا ترى فيهم سوى أحجار دومينو في لعبة الهيمنة والسيطرة، فمتى تعيد الأنظمة والأحزاب العربية حساباتها ، وتصحح موقفها من فلسطين حتى تسلم من الطوفان الصهيوني القادم، ذلك من نأمله من الجميع قبل أن تصبح الأمة العربية شرذمة مقسمة بين مستعمرات ومحميات خاضعة للدول الغربية كما كانت قبل عهود الاستقلال، أو كما يحدث حاليا في ليبيا وسوريا واليمن والسودان، فهل يتمسك الجميع بفلسطين باعتباره طوق النجاة الأخير وصمام الأمان الوحيد .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى