أحاديث وشجون بحرينية -2

كتب محمد حسن العرادي
عدت لاستكمال حديثي مع صديقي الذي أخبرني بأنه فضّل أن لا ينجب سُوى ابنٍ واحد فقط، رغبة منه في عدم تفاقم الهَم والغَم الذي يعيشه بسبب تردي الأوضاع المعيشية والاقتصادية نتيجة ارتفاع معدلات العمالة الوافدة في البلاد، حتى وصل الأمر إلى مزاحمة المواطنين في كافة الوظائف بما في ذلك غسيل وتنظيف السيارات كما قال لي لاحقاً.

قلت له يا أخي الكريم، ألا تعلم بأن الرزق بيد الله، يرزق من يشاء بغير حساب، وأن الله جل جلاله قال في كتابه المجيد: وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ (الأنعام151)، ثم تساءلت أليس الإصرار على تقليل الانجاب إلى هذه الدرجة نوع من اليأس والقنوط من رحمة الله الذي تكفل بالرزق، عندها لمحتُ دمعةً فرَت من عيني صاحبي ونظر إلى معاتباً، هل تتهمنا بقتل أولادنا خشية الاملاق، نحن البحرينيين نموت حباً وهياماً بأبناءنا فلذات أكبادنا، ألا تلاحظ بأننا نكاد نقتل أنفسنا تعباً في سبيل تربيتهم وتعليمهم وتأهيلهم لخدمة بلادهم وتحمل المسؤوليات الوطنية الملقاة على عاتقهم، لكنهم يلحون علينا بالسؤال بعد أن يصبحون على أعتاب سوق العمل: أين المستقبل الآمن الذي وعدتمونا به، فهل لديك جواباً مقنعاً نرد به عليهم؟

تصورْ أن تقوم بتربية إبنك وتعليمه وتصرف عليه دم قلبك طوال اكثر من 22 عاماً حتى يكمل تعليمه الجامعي، وحين يُصبح في ريعان الشباب والتحفز للاقبال على العمل والحياة، تجده قابعاً يائساً في منزلك دون عمل، بعد أن حفِيَت قدماه وهو يبحث عن وظيفة تناسب مؤهلاته، وبينما هو في رحلة البحث عن العمل، يصدف أن من يقابله لتحديد أهليته للوظيفة أجنبي، ومسؤول الموارد البشرية أجنبي، ومسؤول الحسابات أجنبي، والمدير العام أجنبي والحارس أجنبي وحتى المراسل أجنبي، وبعد كل هذه الصدمات، تكون النتيجة التي تقال له: نعتذر أنت لا تمتلك الخبرة المناسبة لهذه الوظيفة.

أليس هذا مايعانيه كثيرٌ من أبنائنا من الشباب البحريني، هل تعتقد بأننا نستطيع إنجاب المزيد من الأطفال ثم نشاهدهم يذوون وتتعقد حياتهم وتتحطم نفسياتهم وهم في مقتبل العمر، يتشككون في قدراتهم وفي تعليمهم بل وفي نوع التربية التي حصلوا عليها، هل تعلم بأن كثيراً من أبناء البلد بدأوا في التفكير الجدي بالهجرة، بل أن بعضهم بدأ في إعداد وتقديم أوراقه لطلب الهجرة إلى أستراليا وأمريكا وكندا، ودول أوروبا المختلفة، ولكي أكون أكثر دقة، افيدك علماً بأننا أصبحنا نمتلك جاليات بحرينية في كثير من دول العالم، خُذ مثلا المانيا، هل تعلم أن الجالية البحرينية في المانيا يتجاوز عددها 120 مواطناً بحرينياً مهاجراً، أرجوك توقف عن نكئ جراحي أكثر.

عند هذا الحد توقفت، وبدأت أراجع كل ما قاله صاحبي، متسائلاً عمن يتسبب في زرع وانتشار هذا الشعور بالاحباط والقنوط بين أبنائنا، وهل صحيح أن كل هذا يحدث في مملكة البحرين، هذه الدولة النفطية التي لا يتجاوز عدد مواطنيها 720 الف نسمة، وكيف لنا أن نحافظ على هويتنا إذا بدأ الجيل الجديد يفقد ايمانه بالانتماء لهذه البلاد التي م يعد يشعر فيها بالأمن والأمان، الذي شب وهو يستمع إليه ويردده في النشيد الوطني لمملكة البحرين، أضع هذه الأحاديث بين يدي المسؤولين والمهتمين وللحديث صلة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى