ومن هو إيمانويل مورينو الذي تمنع “إسرائيل” نشر صورته؟
متابعة صباح الشويري
أكثر من 17 عاماً مرت على رواية مقتل المقدم الصهيوني إيمانويل مورينو، في لبنان خلال اعتداءات حرب تموز 2006، (كما يقال) ولا تزال الرقابة الصهيونية بأمر عسكري تمنع نشر صورته بسبب “حساسية منصبه” وتأثير ذلك “على الأمن القومي”، لذلك يسمح بنشر صور قبره فقط وتمويه وجهه في الصور التي قد يسمح بنشرها مع زملائه!
وكل فترة مع كل اقتراب لاستحقاق حرب تموز، خوفاً من نشر صورة له، ربما لأن مقتل إيمانويل يثير الشكوك تتوسع التكهنات، والتي قد تصل بأنه لا يزال قابعا في المجتمع اللبناني والعربي، ربما لأن مهمته يجب أن تستكمل، ولنفترض وفاته، فإن الغموض يلف شهصيته، ربما لأنه كان ذو شأن في لبنان أو في البقاع أو بين النس ما كان يسهل حركته، أو ربما كشف شخصيته وصورته سيفتح الابواب على شبكة عملاء لا تزال تعيث في لبنان… أو ربما خرجه.
بالعودة لما بعد “مقتل” إيمانويل مورينو، فقد جرى احتفال تأبين له منذ قرابة العامين في ذكرى مصرعه، وخلاله تم بث تسجيل صوتي له بعد إذن قيادة العدو ورقابته العسكرية، وقد تزامنت الذكرى مع تدشين نصب تذكاري له. وكانت بلدية عسقلان قد أطلقت اسمه على أحد شوارعها الرئيسية، كما تم تأسيس جمعية خيرية تحمل اسمه، إضافة الى ذلك حصل على عدد من الأوسمة وإشارات التكريم والنصب التذكارية نظرًا إلى أهميته ودوره.
ولد مورينو في فرنسا في 17 تموز 1971 لأمه “سيليفا” وهي يهودية تونسية ولأبيه شلومو اليهودي المغربي. بعد ذلك بسنة هاجرت العائلة إلى فلسطين المحتلة.
انتسب إيمانويل إلى جيش العدو في العام 1990 حيث خدم حتى مقتله في العام 2006 في إنزال بوداي غرب بعلبك. كما يقولون.
خدم مورينو في وحدة “سييرت ماتكال” التي تُعتبر نخبة القوات الخاصة في جيش العدو، وأدى مهمات متعددة وفائقة الأهمية والحساسية لعل أبرزها اختطاف الحاج أبو علي الديراني في عملية أطلق عليها العدو اسم “اللدغة السامة” كاسم رمزي. لذلك يبدو أنه قد “تخصص” في منطقة بعلبك والبقاع التي لقي مصرعه فيها كما يذكرون. وتسري مقولة غير رسمية إنه عمل سابقًا كجاسوس مندمج في منطقة البقاع اللبناني بصفة مزارع، لذلك يحظر العدو نشر صوره لما في ذلك من كشف لخطة العدو وأساليب عمله ما يشكل تهديداً له ولأمنه القومي.
أرملة مورينو وأولاده
وعلى الرغم من أن جيش العدو لم يفرج بشكل رسمي عن معلومات عن الغارة التي قُتل فيها مورينو فقد نشرت وسائل الإعلام الصهيونية بعض “التسريبات”! وبحسب وسائل الإعلام فإن مورينو وفريق الكوماندوز المؤلف من حوالى مائة فرد هبطوا في منطقة “بوداي” بطائرتي هليكوبتر من طراز يسعور مع اثنتين من عربات الهمفي، بعد أن تنكروا بلباس الجيش اللبناني، وكانت مهمتهم مهاجمة هدف ما لحزب الله في البقاع.
تم اكتشاف فريق الكوماندوز من قبل المقاومة وتلا ذلك معركة ضارية. قتل مورينو وجرح ضابطان. وقد أدت كثافة الدعم الجوي من الطائرات المقاتلة والمروحيات الهجومية إلى منع تعزيزات المقاومة من الوصول إلى مكان المعركة أو تطويق الكوماندوز. وقد تم استخراج الكوماندوز مع جثة مورينو والاصابات الأخرى بعد قتال مطول. وكل ذلك بحسب تسريبات إعلام العدو.
على مر سنوات خدمته خضع إيمانويل مورينو لمستوى عال من التدريب وترقى حتى وصل إلى رتبة عقيد، وهي الرتبة التي مُنحت له شخصيًا من قبل الرئيس السابق لشعبة الاستخبارات العسكرية اللواء الصهيوني أهرون زئيفي فركش. وبما أن هذه الرتبة تساوي رتبة قائد سييريت ماتكال وهو دور لم ينجزه مورينو فقد اعتبر ذلك حدثًا استثنائيًا.
مورينو مع بدو سيناء
القائد السابق للماتكال هرتسي هليفي وصف طابع إيمانويل الفريد كمقاتل في الجيش الإسرائيلي: “إذا كان الجيش الإسرائيلي هو أفضل جيش في العالم فإن ماتكال هي أفضل وحدة في جيش الدفاع الإسرائيلي وإيمانويل هو أفضل جندي في الوحدة. ومن ثم فإن إيمانويل هو أفضل جندي في العالم”. وقد قال هيرزي هاليفي هذا الكلام عندما كان إيمانويل لا يزال على قيد الحياة. وقال آفي ديختر -وزير سابق للأمن الداخلي خدم أيضًا في ماتكال- إن إيمانويل كان رأس الحربة في وحدته “وهو قوة النخبة في قوة النخبة”.
والجدير ذكره أنه خلال الفترة الأخيرة برز حادثان مرتبطان بمورينو في الكيان الصهيوني. الأول قبيل الانتخابات الصهيونية منذ مدة حين تم الكشف عن مقطع فيديو لنفتالي بينيت يسخر فيه بطريقة عنصرية من مورينو رغم أنهما كانا يعملان معاً في قوات نخبة العدو.
في المقطع يظهر بينيت يقول عن مورينو: “لم يكن متفوقًا… كان يأتي بالمركز الثالث بين المتسابقين… كانت نتيجته متواضعة… كان مجرد مغربي صغير”!
مورينو وبينيت
المقطع يومها أثار ضجة وردود فعل متباينة، وكان لافتاً موقف أرملة مورينو، التي تزوجت بعد مصرعه بسنتين، إذ أيدت بينيت ودعته لتشكيل الحكومة! وقد رجحت مصادر إعلامية أن تكون جهات استخبارية قد سربت كلام بينيت لصالح نتنياهو لضرب صدقية الأول قبيل الانتخابات.
الحدث الثاني حين أعلنت وسائل اعلام صهيونية أنه بعد حوالى ثلاثة عقود من الضياع تم العثور على قطعة سلاح “ضاعت”! من قوة كوماندوس صهيونية بعد مداهمة منزل الحاج مصطفى الديراني في منطقة البقاع، حين اعتقلته وصادرت منه وثائق وحاجات ولوازم حربية من بينها أربع قطع سلاح. ولكن بعد الوصول إلى فلسطين المحتلة تبين أن واحدة من تلك القطع مفقودة!
قطعة السلاح المسروقة من منزل الديراني التي عاد مورينو وسرقها
بحسب مذكرات بعض أعضاء الكوماندوس فإن الشبهات حامت يومها حول “ايمانويل مورينو” بطل الكيان القومي، لكنه أنكر ذلك. وفي وقت لاحق أسرّ مورينو إلى أحد أصدقائه أنه خبأ تلك القطعة خلف غرفة الطعام في مقر وحدتهم العسكرية. ومنذ مدة اتخذت قيادة العدو العسكرية قرارًا بنقل مقر الوحدة الى قاعدة جديدة في جنوب فلسطين المحتلة. وخلال الأشغال تم العثور على القطعة المفقودة بعد أن “اكل الدهر عليها وشرب”! على كل حال من سرق وطنًا من أهله ليس صعبًا عليه أن يقدس سارقًا.
أختم بنقل مقولة يرددها الصهاينة نقلا عن لسان مورينو حول العرب: “ليس هناك أي فرصة للتوصل إلى سلام مع العرب (…) الطريقة الوحيدة للتعامل مع العرب هي القوة. وعندما نحاول أن نتعامل معهم بطريقة غربية وليس عربية، فإننا نخطئ”.
إخفاء للملامح
تحول الأصوات داخل الأجهزة الأمنية الإسرائيلية دون نشر صورة المقدم إيمانويل مورينو في الوقت الحالي، فما هي قصته؟
التقى قائد وحدة النخبة “سييرت متكال” في الجيش الإسرائيلي، عدة مرات العام الماضي، بممثلي عائلة المقدم إيمانويل مورينو، بخصوص نشر صورته.
في حين أنه لا تزال هناك خلافات في الرأي داخل الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، إذا كان من الممكن نشر الصورة، أو إذا كان لا يزال هناك ما يدعو إلى الاستمرار بالحظر.
و”سييرت متكال” هي إحدى وحدات المغاوير (الكوماندوس)، العاملة خلف خطوط العدو، بمجالي العمليات الخاصة والاستخبارات، و”أنجبت” الوحدة ثلاثة رؤساء حكومة في إسرائيل إيهود براك ونفتالي بنيت وبنيامين نتنياهو.
وفي وقت سابق، علق قائد هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي الفريق هرتسي هليفي، على سبب حظر نشر صورة مورينو، في فيلم وثائقي عن “سييرت متكال”.
وشبه هاليفي للسائل عن السبب بقوله: ” تخيّل أنك تلقيت مهمة، هي الذهاب إلى حديقة حيوانات تقع في أرض العدو، وعليك قص مخالب الأسد”.
وأضاف: “إذن، عليك أن تعبر الحدود، وتصل إلى حديقة الحيوانات، وتتعامل مع الحراس، وتجتاز سياج حديقة الحيوان، وأخيراً، يصل الشخص الذي يرتدي المعطف الأبيض، ويجيد قطع مخالب الأسد”.
وذكر أن “دور إيمانويل، كان أشبه بمدرب حيوانات”.
حياته
كما ذكرنا، ولد مورينو في باريس، لأب مولود في المغرب وأم في تونس، وهو يتقن الفرنسية والعربية، ومن بين عشرات العمليات السرية التي شارك فيها وقاد بعضها، سُمح بنشر عمليتين فقط، أبرزها عام 1994 – وهي عملية خطف رئيس الأمن في حركة أمل مصطفى الديراني، من منزله في لبنان، لاستخدامه كورقة ضغط، للإفراج عن الملاح الإسرائيلي رون أراد.
وكان مورينو ضابطاً في الوحدة، وقيل إنه قتل في نهاية حرب لبنان 2006 في منطقة بعلبك، خلال قيادته لـ100 جندي إسرائيلي في عملية هناك، حيث كانوا متنكرين بزي الجيش اللبناني.
وهو أول جندي في تاريخ الجيش الإسرائيلي، يحظر نشر صورته حتى بعد وفاته، بسبب الدور الحساس الذي قام به.
وعُلم أن عائلة مورينو غير معنية بنشر صورة ابنها، لكن ما يحول دون النشر في الوقت الحالي، هو الأصوات داخل الأجهزة الأمنية، التي ترى أنه لا يزال هناك خطر أمني، قد ينجم من النشر، إلا أن هذه الأصوات، تتضاءل مع مرور الوقت.
وكالات