المصالحة السعودية- الإيرانية في بكين… نهاية زمن وبداية أزمنة 2/ 4

السعودية أمنت نفسها قبل أن تحسم أمرها..

ميخائيل عوض

أسئلة كثيرة طرحتها المفاجأة التي لم يكن يتوقعها كثيرون، فما زالت أميركا القوية تعشعش في التفكير، وما زال البحث جارياً على أنها السيد المطلق الذي لا يهتز له شعرة، وما زال العقل متبلدا عند مواقف قديمة من السعودية وإدارتها، ولم يدرك الكثيرون كنه التحولات الثورية والعميقة جداً التي أقدم عليها الأمير الشاب محمد بن سلمان، وغير فيها هيكليا جوهريا، وأعاد صياغتها على نحو مختلف مما كانته، وأسس بها مكانة ودور وعلاقة ندية مع أميركا والغرب، واقترب كثيراً من روسيا والصين وعمق التبادلات الاقتصادية والعسكرية، وقد اختبر عن قرب وبعمق أميركا وعقلها ونهجها وشاهدها وهي تنسحب ذليلة من أفغانستان، وتتخلى عنه ودفاعاتها الجوية فاشلة في التصدي لصواريخ ومسيرات الحوثي من اليمن، واختبر حقيقة أميركا التي تبتز وتفقر وتصادر الأموال وتمول نفسها على حساب الجميع، وخاصة الذين يسمون أنفسهم حلفاء وهم ليسوا في عرفها إلا إجراء وسوق وبرك ثروات واموال. وشاهد حقيقة أن أميركا أضعفت أوروبا وأسقطتها تحت هيمنتها وحولتها إلى جمهوريات موز، ومزاحمتها في صفقات السلاح الفرنسي مع أستراليا  وسويسرة وألزمت أوروبا خوض حروبها في أوكرانيا، واستنزاف قدراتها وتصفية صناعاتها، لا سيما الألمانية وبيعها الغاز بخمسة أضعاف سعر الروسي.

وبعد تسع سنوات من انقلابه على الأسرة وسجن أعمامه وأبنائهم وتصفية الوهابية، وأركانها، وسحق مراكز النفوذ للأسرة والسعودية والوهابية واستعاد أموال في حملته على الفساد، ولبى طموحات الشباب وحاجاتهم والنساء ونقل السعودية من الماضي السحيق إلى العصر،  وأطلق مشاريعه الطموحة جداً، وقرر أن الأموال يجب أن تنفق في السعودية وليس في أميركا وأوروبا، ولا تجميعها في المصارف والاستثمارات لتبدد بشحطة قلم أميركي أو بإفلاس كل عناصره كانت واضحة ومعروفة لمن يفعل العقل والبحث.

توجه شرقاً وأمن نفسه ومملكته، وأدار الضهر لأميركا يوم استولى عليها الديموقراطيين الذين ناصبوه العداء وعملوا على عزله وحاولوا سحقه. وحزم أمره شرقاً بعد إن خسر الرهان على انتصار ترامب في الانتخابات النصفية، ونوع من العلاقات ومن السلاح والتبادلات الاقتصادية، ولم يعد يضع بيضه في سلة واحدة.

لماذا لا يستطيع بن سلمان أخذ مسافة عن أميركا وترتيب أوضاع دولته الوازنة في النفط والمال والقدرات في واقع عربي بائس وإسلامي عاجز ومتوتر وقد خرجت تركيا من ميزان القوى الاقليمية الوازنة وإسرائيل مأزومة إلى حد احتمالات حربها الأهلية، ومصر منشغلة عن وظيفة استعادة عروبتها ومكانتها وسورية مدمرة والعراق في غيبوبة قد تطول كثيراً، وهي العواصم الحوامل لمشروع عربي عصري يشد أواصر العالم الإسلامي والثالث ويتحول إلى قوة عالمية لو فعلت العواصم قدراتها كما فعلت الناصرية في دول عدم الانحياز، ولم يكن الزمن والتوازنات ناضجة كما هي اليوم، فلماذا لا يستثمر ويعيد إنتاج دور وازن للسعودية يلبي الحاجات التاريخية والمهام التي تخلف عنها من يستطيع، ومن كان بمثابة القوة الركنية في إنهاض العرب والمسلمين؟ فأين قدرات بغداد ودمشق والقاهرة؟ ومن قال إن الفرصة والزمن ينتظر طويلاً؟

لماذا لا يفكر بن سلمان بإنهاء حرب اليمن بعد أن حققت مبتغاها عنده وكلفت وتكلف السعودية ثروات طائلة، وبات الإماراتي والإيرانية أكثر المستفيدين. وبدأت أميركا وأوروبا ترسخ نفوذها وتنهب الثروات، بينما السعودي يتحمل الأوزار والمسؤوليات، وماذا يخسر بان يعيد العلاقة مع سورية، وان يؤمن لبنان ، ويطفا الجمر في العراق، فما الذي حققته السعودية لأربعة وأربعين سنة من معادات إيران وافتعال وتمويل حروب أميركا وإسرائيل العربية والإسلامية، وتمويل مصانع السلاح والمصارف الأميركية المتعثرة والموازنة الأميركية المثقوبة بالديون والفساد والبيروقراطية.

افتراض أن قيادة السعودية مع بن سلمان متخلفة وقاصرة وعاجزة عن التفكير والتأسيس لدور اقليمي مستقبلي لها، والمساهمة بإملاء فراغ الانسحاب الأميركي والأطلسي تفكير عقيم وعقائدي وثأري ومتقادم.

وماذا تخسر إيران وأو السعودية من المصالحة وتبريد الساحات والتفكير بعلاقات الجيرة والتفاعل والمصالح المشتركة؟

فإيران رابح رابح، بعد أن صمدت وقاتلت وتحولت إلى قوة مرهوبة ومعترف لها بمكانتها ووزنها، فالتصالح مع السعودية يلبي طموحاتها، وينسجم مع شعاراتها وجهودها التي بذلتها لوقف الحروب واستهدافها ظلما وبلا ذرائع أو أسباب.

من يخسر؟ ولماذا؟

أميركا تخسر كثيراً، والأهم أنها ستفقد السيطرة على سوق النفط والغاز، وينتهي عصر البترو دولار، وستفقد أسباب وذرائع وجودها العسكري والأمني ونشر قواعدها وأساطيلها في المنطقة لاحتلالها وابتزازها والتحكم بقراراتها ومصالحها، وافتعال الحروب، والفوضى وبتراجع الدور والهيمنة الأميركية من الاقليم سيسهم بتسارع انحسارها ويعطي دفعا للدول الوازنة للتحرر من هيمنتها وتغيير أشرعتها، ومع انحسار أميركا وتراجع قدراتها ونفوذها ستأخذ معها أوروبا والأطلسي وحلفائها، ومن بين أهم الخاسرين إسرائيل التي صعقت بالخبر وخرجت منها أصوات تنعي خططها واستراتيجياتها وانهيار مشاريعها وخطوط الدفاع الاقليمية التي حاولت إحاطة نفسها فيها.

فقد مثل الإتفاق الإيراني- السعودي ومن منصة بكين ضربة قاصمة لإسرائيل ونفوذها ومستقبلها ودورها في العرب والاقليم، معطوفا على أزماتها المتفجرة وظهور علامات عجزها في مواجهة الثورة المسلحة الجارية في فلسطين التاريخية، ومن غير المستبعد ان تشهد الأيام والأسابيع المقبلة تطورات عاصفة قد تفرض جولة عنف مفتوحة على احتمالات الحرب الكبيرة التي ابلغ السيد حسن نصرالله ضيوفه بحتميتها، وبقرب موعدها وبالتعامل معها على أنها الحرب الكبرى التي ستحرر فلسطين من البحر إلى النهر.

روسيا في حربها الأوكرانية مستفيد وكاسب، فكل وأي خطوة او عمل تتقلص بنتيجته السيطرة الأميركية في أي مكان هو نتيجة ومكسب كبير لروسيا يستعجل نصرها ويقلص قدرات أميركا والاطلسي على إسناد الأوكراني واستمرار التحرش بروسيا واستنزافها وفرض الحصار عليها.

ماذا عن مستقبل العلاقات السعودية الأميركية؟ وكيف سترد أميركا لتعطيل الإتفاق وإبقاء السعودية تحت الأمرة؟ وماذا عن حرب تدمير الاقليم بتكلف إسرائيل الانتحار فيها؟

غداً، ماذا عن التطبيع بين السعودية وإسرائيل وموقف إيران منه؟

٠٠٠/ يتبع

 

أجواء برس

“أجواء” مجموعة من الإعلام العربي المحترف الملتزم بكلمة حرّة من دون مواربة، نجتمع على صدق التعبير والخبر الصحيح من مصدره، نعبّر عن رأينا ونحترم رأي الآخرين ضمن حدود أخلاقيات المهنة. “أجواء” الصحافة والإعلام، حقيقة الواقع في جريدة إلكترونية. نسعى لنكون مع الجميع في كل المواقف، من الحدث وما وراءه، على مدار الساعة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى