
العدالة الاجتماعية بين احتلال المباني والإيجارات المنتهية الصلاحية
رنا ترّو درزي
العدالة الاجتماعية مطلب كل انسان حر يفتخر بوطنه وبأرضه .. ولكي تتحقق هذا العدالة لا بدّ أن تبدأ من مسكن لائق يعيش فيه المواطن ليعزز فكرة الانتماء قولا وفعلا ويؤسس عائلة تشترك وباقي العائلات اللبنانية بتكوين مجتمع لبناني أصيل.. ولا شك أن هذا المجتمع سيكون مفتوحا لاستقبال جماعات أخرى ومن جنسيات وطوائف أخرى.. فهي طبيعة تكوين البلدان التي تندمج فيها شعوب أخرى بحثا عن العمل والاستقرار أو هربا من الكوارث والحروب ..
من هنا بات السكن يشكل أولوية انسانية وحقوقية وطريقا حقيقيا لتحقيق العدالة الاجتماعية والانسانية.. الا أنه تحول أيضا الى اشكالية خطيرة جدا وخاصة في لبنان الغائب عن تطبيق القوانين واتخاذ الاجراءات الحاسمة بحق كل المخلين بالامن السكني والمتعدين على القانون والمحتلين لابنية باسم الايجارات المنتهية الصلاحية او المختبئين ابدا في ابنية ومجمعات سكنية هربا من الحروب والاقتتال في بلدانهم..
من هنا، ينبغي التنويه بتمتع احترام “العدالة الاجتماعية” بقيمة دستورية. فإذا كان الدستور اللبناني قد نص صراحة على كون “النظام الاقتصادي حراً يكفل المبادرة الفردية والملكية الخاصة”، (الفقرة (و) من مقدمة الدستور)، فمن الجدير بالاهتمام التأكيد على إلزامه المشترع بتأمين العدالة الاجتماعية. مقابل حرية التعاقد، التملك وتبادل الأموال، لا بد من التأكيد على موجب احترام مستلزمات السلام الاجتماعي. لسلطان المال والأسواق حدود ترسمها الكرامة الإنسانية.
ربما يكون السكن من أهم المجالات للمساهمة في تحقيق الكرامة الانسانية والعدالة الاجتماعية إلى جانب التنمية.. وبالتالي لا بد من ايجاد حلول سريعة لموضوع الاجارات القديمة واحتلال الابنية السكنية من اللاجئين السوريين الذين يرفضون الخروج من المباني التي استأجروها رغم انتهاء مدة الاجار.
وهنا، في لبنان ، غالبًا ما تترافق انتهاكات الحق في السكن مع الإفلات من العقاب. ومن أسباب ذلك أن السكن قلما يُعتَبَر، على المستوى المحلي، حقًّا من حقوق الإنسان. ويكمن العامل الأساسي لضمان السكن اللائق في إعمال هذا الحق من خلال سياسات وبرامج حكومية ملائمة، بما في ذلك استراتيجيات الإسكان الوطنية.
فعمليات الإخلاء والتشرد التي نتحدث عنها سبق لمنظمات الامم المتحدة ان تحدثت عنها انطلاقا من الحق في السكن اللائق، و إعمال الحق في السكن اللائق لا تقويضه. كما تحدثت عن المساواة وعدم التمييز بعد أن أمسى السكن في مدننا باهظ الثمن لا يمكن الجميع تحمّل كلفته. ففي لبنان كما وفي العديد من البلدان، تواجه النساء، والأقليّات الدينية والإثنية، والشعوب الأصلية، والأشخاص ذوو الإعاقة، والمهاجرون واللاجئون التمييز بسبب السكن أو يعيشون في ظروف مزرية جدًا. ويَحرم الفصل المكاني العديد من المقيمين من الوصول العادل إلى الخدمات العامة والتعليم والنقل والفرص الأخرى. وغالبًا ما تكون الإدارات المحلية في طليعة النضال من أجل السكن ويمكن أن تؤدي دورًا أساسيًا في حماية الحق في السكن اللائق وإعماله. الا ان الادارات المحلية في لبنان كما السلطة المركزية لم يستطيعوا ايجاد البدائل والحلول وما زالت الفوضى العمرانية والسكنية والعشوائية في التعاطي مع هذه الاشكالية سيدة الموقف.
فمشكلة التشرد والمستوطنات العشوائية للاجئين السوريين مثلا تشكل قنبلة موقوتة بالنسبة للامن الاجتماعي وتحقيق العدالة الاجتماعية ..
وبكل موضوعية لا بد من القول ان هناك اكثر من مليون شخص في مستوطنات عشوائية* أو مساكن غير لائقة في لبنان ، ولا يتمتّعون إلاّ بإمكانية وصول محدودة إلى الخدمات الأساسية مثل المياه وخدمات الصرف الصحي والكهرباء، وغالبًا ما يواجهون تهديدًا بالإخلاء القسري. والتشرد* وهذا ايضا من أخطر انتهاكات الحق في السكن اللائق.
في النتيجة لا بد من حماية حق المستأجرين القدامى بالسكن وحق الملاك ببدل ايجار عادل عبر تطبيق قانون الايجارات الجديد وانشاء الصناديق التي يلحظها. كما تأمين حوافز اضافية على القروض السكنية المدعومة للشباب والشابات وخاصةً للأبنية الخضراء. بالاضافة الى تحفيز إنشاء الوحدات السكنية الصغيرة المخصصة للإيجار أو الإيجار التمويلي مع إعطاء الأهمية لتكييف المساحات مع الأهداف الاقتصادية والاجتماعية.
اخيرا لا بد من ايجاد حل نهائي لمشكلة النازحين السوريين عبر التواصل الدبلوماسي بين الحكومة اللبنانية والسورية وباشراف هيئات الامم المتحدة الخاصة باللاجئين.