
بحث معمق: إيران بلغت مبتغاها ماذا عن تحرير فلسطين؟ 3/…
ميخائيل عوض
في سورية وفلسطين تصديق على الوعد، لا تخفي الاخفاقات في العربيات الأخرى.
المذهب الشيعي والإثني عشري لا وجود له يذكر في فلسطين، ووجوده محدود جدا في سورية ولم تنشا تاريخياً مسألة أو قضية شيعية في سورية وفلسطين، وسورية تلتهب فيها المسالة الوطنية والقومية وتتقدم على الهويات الإثنية والدينية والمذهبية وفي حقبة البعث تعززت الدولة المركزية القوية بطابع اجتماعي وشبه مدنية “علمانية” وكان الأسد الأب بعبقرتيه ووطنيته قد أمن فصائل وقادة الثورة الإسلامية- الإيرانية وفصائل الشيعية السياسية التي ظلمت في العراق ولبنان وإيران، وأول من ناصر وتبنى الثورة الإسلامية ومدها بالمساعدات وأسندها في الحرب مع صدام حسين، وأقامت سورية أفضل العلاقات وأعمقها مع الثورة الإسلامية ودولتها الوليدة، وتعمقت العلاقات واتخذت أبعاد استراتيجية كفاحية صلبة، وتفاعليه في تأمين وتعظيم خيار المقاومة، وعلى رغم ما تعرضت له سورية من عقوبات وتعديات وحملات من النظم والتحالفات المعادية بسبب علاقتها بإيران والمقاومة فلم تستجب ولا بدلت أو غيرت.
بنفس الوقت لم يبهت صوتها ولا كل جهدها في العمل من أجل التضامن العربي، وتوحيد الجهد لتحقيق الغايات والمصالح العربية كأولوية لم تساوم عليها. وعندما عرضت سورية للحرب العالمية العظمى بسبب علاقتها بإيران والمقاومات، ولم تستجب لضغوط ولا لإغراءات لفكها، وقد انخرط عرب النظم والتطبيع في الحرب وتمويلها وإدارتها المباشرة، هبّت إيران وفصائل المقاومة والشيعية السياسية والعسكرية في العرب والمسلمين لإسنادها وخوض حربها بصلابة وبلا هوادة أو تردد.
فعلتها إيران على رغم أن لا شيعية سياسية أو جهادية في سورية والكتلة الشيعية محدودة جداً، ولا ينتقص من حقوق أبنائها شيء في دولة وطنية اجتماعية علمانية لا تفرقة أو امتيازات طائفية أو مذهبية أو إثنية وجهوية فيها. فليس لإيران وأذرعها فرص أو بيئات اجتماعية ترتكز إليها في سورية سوى الدولة والجيش والرئيس، ولم تتوفر لإيران وأذرعها فرص حقيقية أو بيئات ومناخات لبذل محاولات لتطيف سورية والشغل ببنيتها الاجتماعية، فحاولت في الشيعة المحدودي العدد والنفوذ، وحاولت في العلوية ومذاهبها إلا أن الدولة والقيادة كانت متحوطه وأحبطت المحاولات بقوة وبأس “ممنوع العبث بتوازنات وتشكيلات سورية الاجتماعية للقاصي والداني للصديق قبل العدو”، ومنعت إيران من التدخل في البنية الاجتماعية وفي مأسسة العلوية التي لم تعترف بها إيران كطائفه أو مذهب إسلامي، كما منعت سورية بحزم الفصائل من ممارسة الشعائر التي تستفز الغالبية من الشعب السوري من الطائفة السنية ومذاهبها. فالأموية والعباسية والأيوبية والعثمانية ما كانت لتكون لولا الشام وقيمها وتقاليدها وذكائها الجمعي والفطري.
في سورية زجت إيران بكل قدراتها وبإمكاناتها وبأذرعها العربية والعالمية وقاتلت مع الدولة وللحفاظ على سورية وموقفها وسيادتها كأنها تقاتل على أسوار طهران، إلا أنها لم تسعَ وإن سعت فلم ولن تنجح في إخضاع سورية وتحويلها إلى ذراع إيرانية، أو دولة تابعة. فلسورية دور ومكانة وبنية وذكاء اعجز الكثيرين من قبل ولن يصعب عليها اعجاز إيران وروسيا أيضاً.
فتجسدت الالتزامات الإيرانية بقضية فلسطين والمقاومة بأفضل تجلياتها وبنقاء متحررة من تهمة أنها تستهدف إسناد الكتل الشيعية بقصد التشيع، وأو بهدف تخديم مشاريعها هي على حساب العربية والمذاهب الإسلامية الأخرى.
فالدور الإيراني وأذرعها في سورية وأزمتها شهادة حق فاصلة تجزم بصدقية الوعد الإيراني والجهد لتعظيم محور المقاومة ودولة، وفي مقدمة الأهداف فلسطين والقدس والحاق الهزيمة بإسرائيل وحلفها العربي والإسلامي والأطلسي.
في فلسطين والحق يقال
بذلت إيران الغالي والنفيس، وقدمت كل ما توجب وأكثر من استطاعتها، على رغم عدم وجود كتلة شيعية ولاستحالة ظروف وفرص التشييع، بعكس الحملات الظالمة التي استهدفتها، وبدت وتبدو إيران فلسطينية وعربية في فلسطين أكثر من العرب والفلسطينيين أصحاب القضية، وتحملت إيران بسبب دعمها واسنادها وبذلها المفتوح لفلسطين وقضيتها الحروب والحصارات والتخريب والتجويع والضغوط الهائلة بمقابل الإغراءات الكثيرة ولم تبدل أو تغير أو تتغير.
في فلسطين أسقطت فرضية واتهام إيران بتصدير الثورة وبالاستثمار بالشيعية المجتمعية والسياسية والعسكرية، وتتضح حقيقة التزامها بتحرير فلسطين والقدس ساطعة بلا منغصات أو رتوش أو بهارات، وجل ما يؤخذ عليها أنها صبت دعمها واسنادها للفصائل الإسلامية وحجبتها أو لم تتحمس للأخريات، وهذه من طبائع الأمور فالثورة في إيران إسلامية وشعاراتها الجمهورية والولاية، وجهدها أنصب على الحوار الإسلامي ووحدة الأمة الإسلامية، والتقريب بين المذاهب ونصرة الصحوة الإسلامية، وتأثرها بحركة الإخوان ومنظريها يبرر حماستها لإسناد حركة حماس وتبني الجهاد الإسلامي وسعيها لتبني الفصائل والمجموعات الإسلامية.
بكل الأحوال هذه لا تعيب إيران ولا تنتقص من جهدها وبذلها بلا حساب لحماية وتدعيم وتأمين فصائل المقاومة والانتفاضات الشعبية، وتدعيم اي حراك لإسناد المقاومة وخيارها وتعظيمها، وكل ما تحقق من انتصارات وصمود وسيادة خيار المقاومة في فلسطين يعود لإيران ولسورية وفصائل محور المقاومة، فضل ودور محوري تفاعل مع شعب فلسطين المقاوم أبداً.
في العربيات الأخرى
حققت إيران مكاسب هامة من التعاون مع حركة الإخوان المسلمين خاصة في السودان وعبره امنت غزة بالتعاون الوثيق مع سورية، بينما خذلها الإخوان في تحالفهم مع أميركا والأطلسي و”إسرائيل”. وبسقوطهم في مصر وجهت صفعة قوية لهم ولإيران ورهاناتها على الصحوة الإسلامية، ولم تفلح رهانات إيران على إخوان وتشكيلات المجتمع التونسي ولا في الرهان على مجاميع الإخوان في ليبيا، وخسرت من سمعتها بتأييدها الغزو الأطلسي لليبيا وإشادتها بثوارها الإخوان والمؤتمرين بأوامر أردوغان وأمنه، كما استفادت من قطر وتركيا الإخوانيتين من دون بلوغ شعاراتها بالوحدة الإسلامية وحوار الأديان والتقريب بين المذاهب، واستمرت العلاقات مع قطر وسلطنة عمان وتركيا مجرد تبادل منافع ولم تنجح إيران باختراقات نوعية للبنى الاجتماعية، أو في القوى والكتل السياسية والمجتمعية، ولا في تغيير مواقفها من فلسطين ومن محور المقاومة وفصائله، ربما على العكس فقد أوغلت تركيا وقطر في التآمر على سورية والمقاومة في فلسطين ولبنان واليمن والعراق.
يتبع…
غداً، العراق المختبر والمقتلة