بطولات وإبداعاً جنين… لا تعفي غزة والمحور

ميخائيل عوض

أبدعت جنين في مقاومتها وفي ارتقاء قدراتها وبلوغها حقبة التحول من العمل الفردي والعمليات البسيطة إلى الجهد العسكري المنظم والجماعي، ومن استخدام السلاح الفردي والارباكي كعبوات الأكواع إلى امتلاك السلاح الفتاك عبوات متقنة وتزن 40 كيلو تفجر عن بعد، إلى القدرة على التخفي وإتقان الكمائن المحكمة، واستدراج العدو الإيقاع به برغم إمكاناته وقدراته الهائلة وتفوقه الفلكي، وهذا تحول نوعي في تنظيم وإدارة حرب المقاومة، ما دفع بالكثيرين عن حق تشبيهها بتطورات قدرات المقاومة الإسلامية في لبنان وفي غزة وتحولها إلى قوة منظمة هجومية وترتقي.

ليس بجديد على جنين ومخيمها تسطير البطولات والإبداعات إرباك العدو وإيقاعه بكمائن قاتلة وتكبيده خسائر وكسر معنوياته فهذه عادات وتقاليد جبلت عليها جنين ومخيمها ومدن ومخيمات الضفة الغربية وعموم الشعب الفلسطيني.

الجديد والمفاجئ لكثير من الأوساط والقوى المتابعة والفصائل هو حجم التناقض، بينما يجري في غزة ومع فصائل والمحور، وما جرى في جنين لهذا وقعت الصاعقة على الرؤوس الباردة.

الجاري في غزة ومع فصائل ودول بالمحور محاولات حثيثة لتأمين الكيان الموقت بهدنة طويلة، بفرية الأعمار والتفاهم على استثمار غاز بحر غزة، وتقديم مغريات مصرية وقطرية والإمارات لحماس وحكومتها وبوعود جعل غزة هونكونغ لا هانوي، واللافت أن مناخات التهدئة والترقيد وخديعة غزة بالوعود جارية على قدم وساق، وقد انطلت وقد تنطلي على حماس أو بعضها وعلى بعض الفصائل والقطاعات، والأخطر أن معركة ثأر الأحرار كانت شاهدة على تلكؤ وتخلف حماس عن دخول المعركة، وبررت آنذاك بتكتيك توزيع الأدوار، غير أن تداول أخبار التفاوض على تحييد غزة يعيد البحث في المسألة ويطرح السؤال، هل كان تكتيكاً أم بداية افتراق؟

وعلى خط إيران كان لافتاً التسريبات عن قرب اتفاق نووي والإفراج عن أموال بمقابل إطلاق سجناء. كما على خط سورية كثرت التحليلات والتسريبات عن دور روسي مصري- صيني- سعودي لمحاولات إعادة التفاوض بخصوص الجولان والاتفاق والتطبيع…

من إنجازات وإبداعات جنين أيضاً أنها اعادت تسليط الضوء على تكتيك الخديعة الذي تجيده إسرائيل وأميركا، وطالما استخدمته ولم يتنبه له العرب وجوهره مفاوضات وتطمين وخديجة لفصائل وتحييد لجبهات، بهدف الانقضاض على جبهة تعتبرها إسرائيل الأهم والأخطر، ثم يأتي دور الأخريات، فبينما تجري عملية توهيم غزة وإيران، وربما سورية، بالوعود والاتفاق أكمل الكيان استعداداته ويصعد ضرباته في الضفة ويرتكب المذابح بالمقاومة وقاعدتها الاجتماعية، وكانت الاستعدادات لاقتحام جنين والمخيم علنية يجاهر بها وزراء نتنياهو العنصريون والمتعصبون وقد أعدت حكومتهم قرارتها وتكليفاتها لتأمين الاستيطان وإنشاء ميليشيات صهيوني لإحكام السيطرة على الضفة الثائرة.

رب حدث -صدفة يسقط مخططات ومغامرات، ويعيد نظم التحولات والتطورات، ويكشف عن الجديد، فحدث أسر جندين إسرائيليين في الجنوب 2006، استعجل الحرب التي كانت إسرائيل قد اكملت الإعداد لها، لتفاجئ بها المقاومة، فأفشلت عملية الأسر واستعجال الحرب قبل أوانها الإسرائيلي، وأدت إلى تظهير حجم التحولات التي كانت كامنة، وعسى عملية جنين يكون لها نفس المفاعيل.

بطولات جنين وإبداعاتها عرت الخطة الإسرائيلية- الأميركية والوسطاء، وأضاءت على ما يبيت للضفة وال48، فهل تتعظ الفصائل والدول وتجاري جنين وأفعالها الاعجازية؟ أم حقاً هي كانت تخادع المفاوضين لتأمين الضفة بالسلاح والمتفجرات، والأكثر أهمية من السلاح الذي يقال إن الضفة وفصائلها باتت تملكها، كالصواريخ وصناعتها وصناعة الانفاق و سلاح الدفاع الجوي المحمول على الكتف؟

إضافة إلى ما تقدم حققت بطولات وإبداعات جنين مكاسب وقررت تطورات نوعية منها،

– إن الضفة وفلسطين 48 باتت مسرح وجبهة الاشتباكات المحورية وتقرير المسارات ولا طريق لها إلا تطوير الأداء والسلاح والإدارة، وصولاً إلى التحرير الكامل. فهنا الاشتباك مباشر وفي القلب وليس على الأطراف أو الجبهات، وهنا شعب تحت الاحتلال والمظلومية جرب كل شيء، ولم يعد له إلا السلاح لا يفاوض ولا يساوم ولا يستسلم وتستحيل إمكانية قهره أو إبادته أو تهجيره.

– تعززت واقعات تقدم الجهاد الإسلامي لقيادة المقاومة من غزة وفي الضفة وال48 والجهاد لا تساوم ولا تفاوض ولا تغريها غزة هونكونغ ولا تنشغل بتمويل حكومة أجهزة وسلطات متعايشة مع الاحتلال، ولا تطلب هدن طويلة أو مؤقتة.

– تثبت بما لا يدع مجالا للشك أن خيار الضفة وال48 المقاومة لا سبيل آخر، ولتحقيق الغاية تبذل الأرواح والدماء بلا حساب وتتصاعد الروح الثورية الراديكالية، وتجري عمليات التقويم والتعلم وتأمين الاحتياجات، واكتساب المهارات وتعويض القادة والشهداء، وتتوسع بؤر المقاومة وتنتشر كبقع الزيت وتتشكل الفصائل من الطراز والطابع الجديد بروح شبابية متعلمة ومتوثبة ومتمردة على تقاليد المنظمات والفصائل، ومتحررة من عقد الهزائم وصراعات الأجنحة والفصائل والعقائد، بقلوب مؤتلفه وسواعد متحدة على الهدف والوسيلة والطريق تقاتل. وهذه التطورات بالغة الأهمية فقد تشكل، وأعلن عن أكثر من 25 فصيل في الضفة ومخيماتها، وتنفذ يومياً أكثر من 30 عملية عسكرية واشتباك، إضافة إلى الحشود والاختبارات والعمليات الفردية كالطعن والدهس ورشق الجنود والمستوطنين…

فلسطين ال48 والضفة قررت وحزمت أمرها، فلا سبيل أو طريق إلا المقاومة ولا يكفي المحور وجبهاته وفصائله الانتظار والإسناد والتأمين على اهمية الأمر، بل لابد من تفعيل وحدة الساحات ورفع مناسب وحدة الجبهات فاكر الله قد أزف زمن تنفيذه.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى