
بحث معمق؛ خطاب السيد نصرالله ارتقاء المقاومة إلى مستوى المهمة 4/3
المقاومة تستعيد جوهرها وتنتصر لثورة الكرامة وحقوق الإنسان في وجه منظومة العسف والنهب والخيانة الوطنية
السلاح للتحرير وتحقيق السيادة والقرار الحر ولفك الحصار وتأمين اللبنانيين كلهم بلا استثناء…
ميخائيل عوض
لا يستطيع أحد مهما بلغ من الغلو في العداء للمقاومة إلا الاعتراف لها بالانتصارين والتحريرين، التي أهدتهم إلى الشعب اللبناني، وسعت لتكون انجازاتها لكل اللبنانيين وللبنان.
ولا يستطيع أحد نكران أن كلفة التحريرين والانتصارين، بما في ذلك إعادة اعمار الضاحية والبقاع بعد حرب تموز قد تكلفته المقاومة ومحورها واستدرجت مساعدات بالمليارات للدولة والخزينة كثير منها ضاع مع الـ11 مليار والابراء المستحيل. كما أسهم انفاق المقاومة على بنيتها وقاعدتها الاجتماعية في تأمين دولارات للسوق تفيض عن مليار دولار سنوياً، من دون عناء أو إنتاج أو صادرات لبنانية، إنما دعم من دول المحور، فالمقاومة ومحورها وشعبها قدم التضحيات بلا حساب وبلا منّة، ولا مطالب من أحد حتى مطلب الاعتراف بما أنجزته لم تسعَ إليه، وحتى أنها لم تطلب ولم تفرض حقوق الآسرى والشهداء، ولا فرضت محاكمات عادلة للخونة وعناصر جيش لحد، وقدمت كل التسهيلات لإعادتهم واحتوائهم وحل مشكلاتهم.
إلا أن الظروف والمعطيات وخاصيات لبنان وانقساماته ونظام المحاصة اللعين، وقاعدة الوفاقية والميثاقية، والعلب الطائفية وهيمنة منظومة لصوصية مافياوية لاهم لها إلا النهب وإفقار الشعب وتلبية أوامر السفارات والخارج. ونقص وتعثر أداء المقاومة في السياسات الداخلية وخاصة إدارة الظهر للأزمات الحياتية والمعيشية، والتعايش مع المنظومة وأركانها وفسادها، وعدم انخراطها هجومياً في الجهود والنضالات الشعبية والاجتماعية لوضع حد للفساد والمفسدين وتحالفاتها وتكتيكاتها المهادنة، وفرت أسباب للتشكيك بمهمة السلاح وبجدواه، وأسهم في نجاح الحملة المستدامة على السلاح ودوره ووظيفته الجهود المنظمة والاكلاف الهائلة التي تكبدتها أميركا مباشرة، وقدم مسؤوليها اعترافات عن أرقام فلكية، كما قدمت السعودية اعتراف برقم الـ20 مليار دولار إلى 10 مليار دولار من أميركا، نقع على كلفة هائلة فعلياً استهدفت تعهير السلاح وتصويره عاملاً في صالح طائفة ومنطقة ومحور، وليس بوظيفة وطنية سيادية كيانية تحقق وتلامس مصالح وحقوق اللبنانيين جميعاً، وتؤمنهم من الفقر والجوع والحاجة، وقد ساعد في تحقيق حملة التشويه والتشكيك، تخلف ودفاعية إعلام المقاومة والمحور وضعف أدائها وتعثرها، وعدم قدرة الناطقين باسمها من تقديمها على حقيقتها، وظهر الكثير منهم مستفزاً ومتعالياً، ومعتداً بالقوة وبالسلاح، وبلغة مذهبية وطائفية، وأسهم على نحو بالغ الخطورة في نجاح الحملة على السلاح التباس موقف الحزب من حراك 17 تشرين 2019.
وفشل شارحي خطابات السيد ومغالاة الإعلامين والوسائل المحسوبين على المقاومة في تجاهل الأسباب الموضوعية والجوهرية لثورة الكرامة وحقوق الإنسان التي انفجرت في وجه منظومة اللصوصية المافياوية، التي نهبت وبددت الودائع والواردات والثروات والفرص وتاجرت بالمقاومة وانجازاتها واستثمرتها لتأمين نهبها وتسلطها، وقد ابتلي الحزب والمقاومة بمنظرين وزاعمين بالخبرة الاقتصادية والمالية وبعلوم الاجتماع أسهموا في تضليل القيادة، بالقول والاصرار على إن لبنان قادر على تأمين نفسه وتأمين بذخ المنظومة ودعم سعر الدولار، ونفيهم لخطر الانهيار ودنو موعد الأزمات، ولم تفلح مراكز البحث والدراسات على كثرتها التي مولتها المقاومة، وتكلفت عليها أرقاماً مالية كبيرة في التعرف إلى الواقع وسيناريوات الانهيار، فأدارت قيادة المقاومة وجهها وأصمّت أذنيها عن تنبيهات خبراء وقادة حلفاء قدموا المعطيات والوثائق والأرقام التي جزمت بأن البلاد إلى الإفلاس، وأن المنظومة بددت الودائع والثروات والاحتياطي، ومنهم على سبيل المثال الرئيس إميل لحود والخبير الاقتصادي إيلي يشوعي والخبير المالي غالب أبو مصلح والدكتور حسن خليل، إضافة إلى زعماء ونواب، ولم ينجح الحزب وإعلام المقاومة بالنأي بالنفس عن المنظومة وعن رموز الفساد وتبديد الأموال والفرص.
وعلى الرغم من أن حقيقة المقاومة وجوهرها ونتائج أفعالها أياً كانت طائفتها أو مذهبها أو عقيدتها، إنما هي تعبير عن كوامن ومصالح الشعب وكرامته وسيادته وتنسجم مع قيمه، وتعبر عن حقوقه. فالمقاومة بجوهرها وهدفها ليس تحرير الأرض والتراب والجبال فحسب، إنما التحرير لتحقيق مصالح البشر بالسيادة والقرار الحر والتنمية وتحصيل الحقوق والحاجات المادية والروحية. والمقاومة الإسلامية بإنجازاتها في تحرير الأرض اللبنانية وطرد المحتل الغاصب العدو الوطني للبنان واللبنانيين، أسست ووفرت الشروط الموضوعية لتأمين الحاجات الحياتية والمادية والروحية للبنانيين جميعاً، كما عززت الظروف بهزيمتها للإرهاب الذي أعلن ومارس القتل والتفجير والذبح علناً، ورفع شعارات تهجير المسيحين وإبادة الطوائف والمذاهب والجماعات التي لا تبايعه. وكان الارهاب يستهدف الجميع من دون استثناء. وبإلحاق الهزيمة به وتصفيته في لبنان ومطاردته في سورية والعراق أمّنت المقاومة الاستقرار ومنعت المذابح وسيادة التوحش في لبنان، وهذا في صالح كل اللبنانيين من دون استثناء.
وعلى رغم سطوع حقيقة أن انجازاتها تحقق المصلحة الوطنية والاجتماعية للبنان كله، وقد حرصت ألا تبدد انتصاراتها ولم تستدرج لحروب الزواريب التي أُريد لها أن تنخرط بها، وعلى رغم ما وقع عليها من ظلامة ومظلومية نجحت بالتملص منها وبددت فرص الفتنة وعلى حسابها ومن دمها ودم جمهورها، إلا أن حملات استعدائها وتصويرها على غير حقيقتها والتشكيك بسلاحها ووظيفته، نجحت إلى حد بعيد وكادت أن تحاصرها في قاعدتها الاجتماعية وتحملها مسؤولية الكارثة التي صنعتها المنظومة ونظامها، بترشيد وقيادة من السفارة الأميركية واخواتها، وبهدف واضح يتركز في استهداف المقاومة وقاعدتها الاجتماعية وخدمة للكيان الصهيوني، وعلى رغم أن المقاومة حاولت بما تملكت تأمين حاجات الأسر وتأمين سلع بأسعار أرخص من السوق، وقدمت الأموال والمساعدات والخدمات الطبية والدوائية ومدت اليد البيضاء، وحفزت كل من له قدرة على تقديم المساعدات، وبعد أن استنفذت امكاناتها وتيقنت أن الأمر أكبر وأخطر وأشد وطأة من أن يعالج بالهبات والتقديمات والأخلاقيات، وأن الأزمة في جوهرها أعمق بكثير ولا تلطفها التقديمات ما دامت المنظومة وأركانها يمسكون برقبة البلاد وإدارتها ويديرونها بما تمليه السفيرة الأميركية.
ومع بلوغ الأزمة حد الانهيار والفوضى، واتضاح الأمر جلي بأن المنظومة تسعى لمقايضة السيادة والقرار الحر والثروات والحقوق والحدود ورأس المقاومة وانجازاتها بحماية نفسها وسلطتها وحماية مصالحها وأرصدتها، تثبتت المقاومة بالملموس من الأمور في إدارة مفاوضات الترسيم والاستثمار في الثروات. وبفعل أنه لم يعد من وسيلة، أو طريق أو خطاب أو ممارسة تستطيع لجم الأزمة ووقف الانهيار الشامل الجاري، ووقف تسلط وبلطجة المنظومة ووضعها عند حد بالحسنى والنصيحة، وبلعبة تدوير الزوايا وإرضاء الحلفاء ومسايرتهم. جاء خطاب السيد نصرالله بمثابة النقلة النوعية والولادة الثانية لحزب الله في ربيعه الأربعينية، وبالإعلان أن ما كان لن يكون ولن يستمر، وبأن السلاح وجد لتحقيق غايته والمقاومة للتعبير عن جوهرها لبنانية سيادية عازمة على تحرير البحر وما في بواطنه، وتأمين شروط الاستثمار والاستخراج والتسويق للنفط والغاز، وكسر قرار الحصار الأميركي- الإسرائيلي فالسيادة وحرية القرار وتأمينهما بأهمية تحرير الأرض ولجم العدو الإسرائيلي وهزيمة الإرهاب وقد دنت اللحظة المناسبة، وباتت المهمة راهنة لا تقبل التأجيل وزمن تحقيق الانجاز والنصر الثالث والتحرير الثالث قد أزف، وتفصلنا عنه أيام وأسابيع لا أشهر ولا سنوات.
بعد المخاض العسير والسنوات الثلاث على ثورة الكرامة وحقوق الإنسان التي انفجرت بوجه النظام والمنظومة، وثبوت عجزها وعجز النظام عن تلطيف الأزمات، وحتى العجز عن إدارتها وإعلان المنظومة أن كل ما لديها في علاج السرطان الفاتك بجسم الوطن والشعب هو الخيانة الوطنية والاستسلام أمام ضغوط وتهويل الإدارة الأميركية، والرهاب من العقوبات بالتخلي عن الإرادة والسيادة والثروات والحق باستثمارها، واستجداء صندوق النقد والدول والمؤسسات الدائنة وقبول إملاءاتها وإذلالها، لم يبقَ أمام المقاومة إلا خيار المواجهة أو التسليم والاستسلام والتفريط بكل ما تحقق، وبالتضحيات الجسام، وتبديد عناصر القوة والسلاح والقدرات التي بذلت لبلوغها دماء وأعمار وأكلاف مهولة.
وبوعي استثنائي اختارت المقاومة بداية المواجهة مع الإسرائيلي والأميركي أولاً باعتبارهما عدويين خارجيين، وحربها مع الكبار قد يريحها من معركة كسر العظم مع المنظومة ورموزها وزعمائها وكتلها، إلا أن المنظومة نفسها لم تهادن المقاومة ولا غطتها ولن تغطيها في معركتها مع أميركا وإسرائيل لانتزاع الحقوق البحرية، وبادرت وتنطح أركانها للهجوم على المقاومة ومسيراتها وعلى خطاب السيد نصرالله وعلى شخصه وقيمته، ما يدفعنا إلى إسداء النصيحة للمقاومة وقيادتها بضرورة التحسب لاحتمال قد يصير راجحاً بخوض المعركة على خطين متقاطعين ومتكاملين، مع السارق الكبير إسرائيل وأميركا ومع اللصوص الصغار أركان المنظومة. فلم تكن لتتجرأ إسرائيل على التطاول وبدء الاستثمار في الحقول لولا ارتكازها واتكالها على المنظومة واختراقاتها في الدولة بل تمكنها منها.
ولم يعد من مفر أمام المقاومة من حصر الانشغال والاهتمام وخوض المعارك والحرب في الخارج، ومعه وتجاهل المنظومة ومسؤوليتها في الداخل.
ولأن المقاومة وجوهرها وطني اجتماعي قومي وعقائدي، ولها من العقول والرجال والقادة الذين صقلتهم التجربة والخبرة والممارسة، واكتسبوا المعرفة ولهم عقيدة صلبة لا تلين، وقد منّ الله عليها وعلى الأمة بقائد بوزن وقيمة السيد حسن نصرالله ووهبه القدرة والمنطق والكاريزما والمصداقية إلى الايمان والوعي والمعرفة، كان لا بد أن تتخذ قرارها الواعي والجريء والاستراتيجي، وتحزم أمرها وتكلف السيد بإشهاره إلى العلن لإكسابه قوة ونفوذ وصدقية تستمد من قيمة القائد وصفاته.
المقاومة قررت أن تكمل مسيرتها، وأن تحقق نصرها وتحريرها الثالث واستعدت لتحمل العبء والأكلاف أياً كانت، وكما كان وعدها صادقاً ودائماً تكلل بالنصر وتحقق، سيكون أيضاً في القريب العاجل جداً، فقد توفرت ونضجت الظروف والبيئات واستوجب تحقيق المهمة.
لينتصب السؤال: ما الضمانات بأن يؤدي تحرير القرار والسيادة والحدود والثروات؟ وكسر المقاطعة والشروع باستثمار النفط والغاز؟ ألا تستولي عليه المنظومة وتبدده كما فعلت مع مئات المليارات سابقاً؟ ويصير التحرير الثالث مجرد فرصة لتعويم النظام والمنظومة وتأمينها في المزيد من النهب وإفقار الشعب.
غداً، ليحقق السلاح غايته، والمقاومة جوهرها في تحصيل الحقوق وإطعام الأفواه وإنارة الليالي، وتأمين النهوض وتحقيق كرامة البشر وحاجاتهم، لا بد من تلازم حرب تحرير الثروات والسيادة مع تخليص البلاد من منظومة الفساد والهدر واللصوصية، وتطوير النظام لتفعيل وظائف الكيان لحفظه وأدامته.
السلاح يحرر ويحمي ويؤمن من جوع ويوفر شروط النهوض والبناء… فماذا عن المنظومة والنظام؟ وهل تذعن المنظومة وتقبل بأمر المقاومة النافذ؟ أم ستحاول الانقلاب وتستجيب لإملاءات شيا، وتفتعل الأزمات وتسرع الكوارث لقطع الطريق على المقاومة وإشغالها عن مهمتها وألفت من عزيمتها؟
يتبع…