
“الذكاء الاصطناعي”.. وجهة دول الخليج للتفوق بعالم التكنولوجيا
عمِلت دول مجلس التعاون الخليجي الست، خلال السنوات الماضية، على تعزيز تقنيات الذكاء الاصطناعي واستغلالها في مختلف المجالات، لتدخل بذلك من أعظم أبواب الطفرة التكنولوجية التي يشهدها العالم.
وتساهم هذه التقنيات التي تدخل في مجالات الصحة والصناعة والتعليم والخدمات والتجارة والمعاملات المالية وغيرها، في اختصار كثير من الجهد والوقت والأموال، إضافة إلى تعزيز الإنتاج وإخراجه بجودة أفضل.
وتعوّل أي دولة تدخل في هذا المجال على أن يسهم في تعزيز اقتصادها وإدخالها في قوائم الدول العظمى اقتصادياً خلال العقود المقبلة.
وكشفت دراسة حديثة أجراها باحثون من جامعتي “أوكسفورد” البريطانية و”ييل” الأمريكية، أن هناك احتمالاً بنسبة 50% بأن يتفوق الذكاء الاصطناعي على الذكاء البشري بجميع المجالات في غضون 45 عاماً.
كما من المتوقع أن يكون قادراً على تولي الوظائف البشرية كافة في غضون 120 عاماً.
وشددت الدراسة على أن الذكاء الاصطناعي يحسِّن قدراته بسرعة، ويثبت ذاته على نحو متزايد في المجالات التي يسيطر عليها الإنسان تاريخياً. كما تتوقع الدراسة أن تحل تكنولوجيا القيادة الذاتية محل الملايين من سائقي سيارات الأجرة، حول العالم.
ووفق الدراسة، يتوقع كثير من الخبراء أنه في غضون قرن من الزمان سيكون الذكاء الاصطناعي قادراً على فعل أي شيء بإمكان الإنسان القيام به.
تقدم مهم ولكن!
هذا التوجه الكبير لدول الخليج العربي نحو استغلال الذكاء الصناعي، يعتبره الخبير في أمن تكنولوجيا المعلومات، رائد سمور، “مهماً ويساعد هذه الدول على تنمية اقتصادها بشكل كبير”.
وقال “سمور” في حديثه لـ”الخليج أونلاين”: إن “الذكاء الاصطناعي بات يدخل في كل مجالات الحياة الآن، مثل قيادة الطائرات والسيارات وتحليل المعلومات والرد على الناس في مواقع التواصل الاجتماعي، إضافة إلى استخداماته في قطاعات الصحة والعمليات الجراحية”.
وأضاف: “موضوع الذكاء الاصطناعي له وجه إيجابي، فإذا استُخدم بطريقة صحيحة يمكن أن يوفر الوقت والجهد وأموالاً كثيرة، حتى فيما يتعلق بالحفاظ على البيئة فإنه سيعمل على ذلك، ويمكننا من خلاله تجنُّب وقوع أي أخطاء خلال العمل”.
وتابع قائلاً: “أما إذا استُخدم بطريقة سلبية، بمعنى أن يقتصر استخدامه على تقليص أعداد العمال واستبدالهم بمنظومات الذكاء الاصطناعي، فإن هذا سينعكس سلباً على اقتصادات الدول وسيزيد أعداد البطالة”.
وحول استخدامات الذكاء الاصطناعي في منطقة الخليج العربي، قال سمور: إنَّ “بدء الدول العربية ومنطقة الخليج بشكل خاص، في استخدام منتجات منظومة الذكاء الاصطناعي شيء إيجابي ومهم رغم أننا في مرحلة البدايات”، مبيناً أن “الدول التي تستخدم هذه المنظومة سينعكس على اقتصادها ودورها في العالم بشكل إيجابي كبير في المستقبل”.
من جانبه، يقول ماجد بن سعيد المرعشي، أستاذ الذكاء الاصطناعي المشارك في جامعة جدة: إن “الذكاء الاصطناعي سيسهم في إحداث تحوُّل كبير في نمط الحياة الحديثة، عن طريق إعادة تشكيل وسائل النقل والصحة والعلوم وسوق المال وربما يصل لإعداد الجيوش كذلك”.
واعتبر “المرعشي”، في حديث لـ”الخليج أونلاين”، أن “الذكاء الاصطناعي سيزاحم البشر في أعمالهم مستقبلاً، وهناك شركات كبرى بالفعل تخلَّت عن موظفيها”
وتوقع أن تشهد المنطقة انتشاراً كبيراً لتقنيات الذكاء الاصطناعي خلال السنوات المقبلة، “لتتمكن من المنافسة في الأسواق العالمية التي لا ترحم أحداً”.
قطر
وبالعودة إلى اهتمام دول الخليج بعالم التقنية؛ فقد كانت قطر من أبرز الدول التي انتبهت إلى أهمية الذكاء الاصطناعي وعملت على تدشين مشاريع قوية فيه.
في مارس 2021، وافق مجلس الوزراء القطري على مشروع قرار يقضي بإنشاء لجنة لوضع آليات متابعة وتنفيذ استراتيجية قطر للذكاء الاصطناعي.
وتختص اللجنة بعدة اختصاصات؛ منها: وضع آليات متابعة وتنفيذ استراتيجية قطر للذكاء الاصطناعي، بالتنسيق مع الوزارات والجهات المعنية في الدولة، نحو تحقيق أهداف الاستراتيجية.
وتعمل الاستراتيجية على تسخير الذكاء الاصطناعي لتأمين مستقبل قطر الاقتصادي والاستراتيجي، وفق رؤية “قطر 2030″، وإعداد المجتمع لكي يتبنى بفعاليةٍ تقنيةً للذكاء الاصطناعي متوافقة مع الاحتياجات والتقاليد المحلية.
وتم بناء استراتيجية قطر الوطنية في مجال الذكاء الاصطناعي على 6 ركائز؛ هي: التعليم، والوصول إلى البيانات، والعمالة، والأعمال التجارية، والبحوث، والأخلاقيات.
وتقدمت قطر في مؤشر التصنيف العالمي لمؤشر الذكاء الاصطناعي باحتلالها المرتبة الـ29، وبنسبة نمو بلغت 37% عما كانت عليه في التصنيف الأخير.
السعودية
وفي السعودية، لا تتوقف المساعي على تطوير الذكاء الصناعي أيضاً، وقد أعلنت الرياض في أغسطس الماضي، عن استهدافها إنشاء 400 شركة في مجال الذكاء الصناعي والمساهمة في جلب استثمارات بهذا المجال خلال السنوات الـ10 القادمة تقدَّر بـ80 مليار ريال (نحو 21 مليار دولار).
كما كشفت المملكة، نهاية العام الماضي، عزمها على إنفاق ما يقارب 20 مليار دولار خلال السنوات الـ10 المقبلة، على تطوير تقنيات الذكاء الصناعي والتقنيات التكنولوجية.
يقول رئيس الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي، عبد الله بن شرف الغامدي، في تصريحات له على هامش قمة “مجموعة العشرين”، آنذاك، إن هنالك حصة للاستثمار الأجنبي، وأخرى للاستثمار السعودي.
ولفت إلى انطلاق الاستراتيجية الوطنية السعودية للذكاء الاصطناعي، في أكتوبر 2020، وتشتمل على مسار متكامل لتشجيع الاستثمار بالذكاء الاصطناعي.
وأشار إلى أنه بحلول عام 2024 ستستخدم 70% من المؤسسات في المملكة البُنية التحتية المعتمدة على الذكاء الاصطناعي والخدمات الذكية للسحابة لتفعيل الذكاء الاصطناعي.
كما تستخدم أكثر من 50% من المؤسسات خدمات الذكاء الاصطناعي المستضافة؛ لتعزيز محافظ تطبيقاتها بحلول عام 2023، وفق الغامدي.
الإمارات
تتبنى دولة الإمارات استراتيجية للذكاء الاصطناعي “2031”، والتي أطلقت في 2017 كأول مشروع ضخم ضمن مئوية الإمارات 2071 تعتمد بها على العلم الرقمي للوصول إلى مستقبل يواكب التغيرات الجارية من خلال مسار تكنولوجي تسعى من ورائه لأن تكون الأولى والأفضل في العالم.
وتبوأت الإمارات المرتبة الأولى عربياً كواحدة من أفضل دول العالم في مؤشر “التنافسية الرقمية” لعام 2020، والصادر مؤخراً عن مركز التنافسية العالمي، التابع للمعهد الدولي للتنمية الإدارية بمدينة لوزان السويسرية.
وجاءت الإمارات في المرتبة الـ14 عالمياً، في الترتيب العام، متقدمة على دول مثل أستراليا والصين وألمانيا وفرنسا واليابان وبلجيكا.
وأفاد تقرير مركز التنافسية العالمي التابع للمعهد الدولي للتنمية الإدارية في سويسرا، بأن القفزة الكبيرة التي حققتها أبوظبي على سلم تنافسية المدن الذكية تعود لنجاحها في تبني التقنيات الذكية لتحسين حياة سكانها.
وأطلقت الإمارات، في أغسطس الماضي، البرنامج الوطني للذكاء الاصطناعي بالشراكة مع الجامعات والجهات الحكومية.
ويستهدف البرنامج تعزيز وعي الطلاب والشباب بأحدث التطورات في مجال الذكاء الاصطناعي، وأثر ذلك على مستقبل البشرية، وتعريفهم بأهم الجامعات والمؤسسات الأكاديمية التي توفر لهم تخصصات مختلفة في هذا المجال الحيوي، والجهات الحكومية ومؤسسات القطاع الخاص التي تقدم منحاً وتسهيلات دراسية في هذا القطاع الحيوي.
الكويت
في يناير 2021، أفادت صحيفة “الأنباء” الكويتية، بأن الأمانة العامة للمجلس الأعلى للتخطيط والتنمية تسعى لوضع منظومة متكاملة لإعداد ومتابعة الخطة الخمسية للدولة ودراسات الجدوى الخاصة بمشاريع الخطة ضمن مشروعات الخطة الإنمائية.
وأشارت الصحيفة إلى أن الكويت تهدف إلى استخدام الذكاء الاصطناعي، لتقييم أداء المشروع واتخاذ قرارات صحيحة على الفور لتغذيتها في مرحلة إدارة المشروع ومرحلة الإعداد لخطة التنمية الوطنية، فضلاً عن توفير التدريب ونقل المعرفة لمستخدمي النظام فيما يتعلق باستخدام النظام وصيانته.
البحرين
أطلقت مملكة البحرين، للمرة الأولى في تاريخها، عام 2019، أكاديمية للذكاء الاصطناعي، بكلية البحرين التقنية، في خطوة تهدف إلى توفير منصة لتعزيز قدرات الابتكار والإبداع في مجال الذكاء الاصطناعي.
وتوفر الأكاديمية الجديدة منهجاً متكاملاً يحتوي على مسارات تقنية عدة؛ من ضمنها تخصصات الذكاء الاصطناعي وعلم البيانات وتحليلها وأساسيات التعلم العميق للآلات.
ونظمت البحرين، في مارس 2021، أول مؤتمر بحريني دولي للذكاء الاصطناعي في القضاء، بعنوان “محاكم 4.0”.
وقال رئيس المؤتمر د. جاسم حاجي، في تصريحات صحفية آنذاك: إن “هذا المؤتمر يعتبر أول مؤتمر دولي للذكاء الاصطناعي في القضاء يُعقد بدول مجلس التعاون الخليجي”، مؤكداً أن “استخدام الذكاء الاصطناعي في القضاء سيؤدي إلى تحسين كفاءة قاعات المحاكم”.
كما وقَّع البرنامج الوطني للذكاء الاصطناعي بالإمارات، ومركز ناصر للتأهيل والتدريب المهني بالبحرين، في يونيو الماضي، اتفاقية تعاون لتعزيز الشراكة في تنمية مهارات الذكاء الاصطناعي والاقتصاد الرقمي.
عُمان
في 6 أكتوبر 2021، أطلقت شركة “عُمان داتا بارك” خدمة الذكاء الاصطناعي السحابي، مما سيسهم في تحسين إنتاجية القطاعات الاقتصادية ودفع الاقتصاد الوطني إلى التحول التقني، وذلك برعاية وكيل وزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات العماني علي بن عامر الشيذاني.
وستعمل شركة “عُمان داتا بارك” ضمن الخدمة الجديدة، على نمو الخيارات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي في السلطنة؛ لتوفير فرص جديدة باستخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي الرائدة عالمياً.
وجاء إطلاق خدمة الذكاء الاصطناعي السحابي، التي تعدّ الأولى من نوعها في السلطنة؛ تماشياً مع جهود السلطنة لمواكبة التطورات التقنية المتوافقة مع متطلبات الثورة الصناعية الرابعة.
وتسعى السلطنة من وراء ذلك إلى الاستفادة من استخدامات الذكاء الاصطناعي في مختلف المجالات الاقتصادية والطبية والخدمات المصرفية والمالية والصناعية ومجالات النقل والدعم اللوجيستي وغيرها من المجالات والقطاعات المختلفة.