تحذيرات من تأثير الاحترار العالمي في زيادة الجفاف قد يستمر حتى 2030
أجواء برس
يتحضّر الجنوب الغربي للولايات المتحدة الأميركية لموجة من الجفاف الشديد وسط تحذيرات من تأثير الاحترار العالمي في زيادة شدة الجفاف وشح المياه لملايين البشر نتيجة زيادة درجات الحرارة بمقدار درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل الصناعة.
فيما لقد أظهرت دراسة جديدة نشرت في الـ14 من فبراير/شباط الجاري في دورية “نيتشر كلايمت تشينج” (Nature Climate Change) أن ارتفاع درجة حرارة الأرض قد جعل الجفاف في الجنوب الغربي من الولايات المتحدة أكثر حدة بنسبة 40% منذ عام 800 بعد الميلاد.
كما يتوقع فريق الدراسة من جامعة كولومبيا (Columbia University) وجامعة كاليفورنيا (University of California) الأميركيتين أن تستمر موجة الجفاف هذه حتى عام 2030.
رطوبة التربة في أدنى مستوياتها
اما ووفق تقرير نشر في موقع “ساينس ألرت” (Science Alert) يرى براد أودال -عالم المناخ في جامعة ولاية كولورادو- أن رطوبة التربة تعدّ مؤشرا مهما لتقييم الجفاف، كما أنها “الخزان الذي يعتمد عليه استمرار الحياة”.
إلا أن الهواء الحار والجاف يمتص الرطوبة من التربة ويؤدي إلى جفافها ما لم يغذّها ماء المطر والثلوج. وقد أظهرت الأبحاث الحديثة أن الأنهار والجداول تتدفق تدفقا أقل في السنوات التي تنخفض فيها رطوبة التربة، وهو ما تسبب بمشكلة للمزارعين في المناطق التي تتغذى بماء نهر كولورادو والمجاري المائية الأخرى عبر الغرب، التي شهدت تضاؤلا ملحوظا في معدلات التدفق في السنوات الأخيرة.
كما أراد بارك وليامز، عالم المناخ بجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس، وفريقه فهم مدى شدة الجفاف الحالي مقارنة بالأحداث الماضية في جميع أنحاء الجنوب الغربي ابتداء من شمال المكسيك وصولا إلى أيداهو. وبحلول عام 2020 نشر فريق وليامز دراسة تقصّت الجفاف الإقليمي على مدى 1200 عام بناء على سجل من البيانات اعتمدت اعتمادا رئيسا على تحليل أنماط نمو الأشجار هناك.
كماعدّ الباحثون الأشجار أرشيفا يسجل التغيرات التاريخية في درجات الحرارة وهطل الأمطار وغيرها من المعلومات المتعلقة بالمناخ. وذلك لأن الأشجار تتكيف مع الطقس والمناخ في حلقاتها، فتكون طبقات من الخشب الجديد ذي سماكة أكبر في السنوات التي تكون فيها الرطوبة وفيرة، وبالمقابل تكون الحلقات رفيعة وصغيرة الحجم في سنوات الجفاف والحرارة الشديدة.
خريطة لرطوبة التربة
اما في عام 2020 تمكن الفريق من إنشاء خريطة لرطوبة التربة وذلك عقب قراءة حلقات أكثر من 1500 شجرة في جميع أنحاء غرب الولايات المتحدة. وأفاد وليامز وزملاؤه بحدوث 40 حالة جفاف بين عامي 800 و2018، 4 منها كانت شديدة بشكل استثنائي، ووقعت الأولى في أواخر القرن الثامن، والثانية في منتصف القرن الـ11، والثالثة في القرن الـ13، أما الجفاف الرابع الكبير فقد امتد في الفترة ما بين 1575 إلى 1593.
بينما وفق تقرير نشر على موقع “ناشونال جيوغرافك” (National Geographic ) فإن عامي 2020 و2021 قد سجلا القيم الأعلى للجفاف، إذ شهد صيف عام 2021 موجات حرارة غير مسبوقة امتصت أي أثر للرطوبة من التربة لدرجة أن العديد من المزارعين لم يتمكنوا من ري محاصيلهم بالقدر المطلوب من المياه.
وهكذا تسببت مستويات المياه الضئيلة على طول نهر كولورادو بفرض تخفيضات إلزامية على كمية المياه التي يمكن أن تخصص لولايات مثل أريزونا ونيفادا.
اما وفي دراستهم الأخيرة، أضاف وليامز وزملاؤه هذه السنوات الأخيرة إلى تحليلهم، وتبين أن الجفاف الحالي هو الأشد على الإطلاق إلا أنه لا يعدّ الأطول حتى الآن وذلك على اعتبار أن العديد من موجات الجفاف الضخمة السابقة قد استمرت أوقاتا أطول.
تفاقم موجات الجفاف الشديد
حيث وجد الباحثون أن تغير المناخ جعل الغلاف الجوي أكثر سخونة وجفافا، وأسفر عما يقارب 42% من جفاف التربة في الفترة ما بين 2000-2021، مما يجعل 2021 وحده أكثر جفافا بنسبة 20% عما كان متوقعا من دون تأثير التغير المناخي.
كما وتشير التقديرات إلى أن تغير المناخ قد تسبب في نحو نصف الخسائر المتعلقة بمعدلات تدفق نهر كولورادو في السنوات الأخيرة، وهو تأثير ضخم له عواقب جدية في العالم. ونلحظ حاليا إعادة التفاوض على كمية المياه المتاحة للولايات التي تعتمد على نهر كولورادو وإعادة تقييم خطط المياه الخاصة بها.
فيما ذكر موقع “ناشونال جيوغرافيك” أن درجات الحرارة العالمية قد ارتفعت بنحو 1.1 درجة مئوية منذ أواخر القرن الـ19 حتى الآن، ومن المتوقع أن ترتفع أكثر في العقود المقبلة ما لم تقم الحكومات بتخفيضات سريعة وحاسمة لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
متى ينتهي الجفاف؟
كما تكمن المشكلة في أن المناخ السائد حاليا أكثر سخونة مما سبق ويترافق أيضا مع موجات جفاف كبيرة ومستمرة على مدار سنوات عديدة، وهكذا سيكون من الصعب تعويض نقص رطوبة التربة الناجم عن أكثر من 20 عاما من الجفاف.
فيما يقول وليامز “من غير المرجح كسر الجمود الناتج عن جفاف بهذا الحجم في عام واحد صادف أن تساقطت فيه الأمطار بمعدلات جيدة”، وأضاف “سيستغرق الأمر بضع سنوات ذات رطوبة عالية لتعويض ذلك النقص”.
ولتقييم احتمال خروج المنطقة من موجة الجفاف تلك في السنوات القليلة المقبلة، فحص فريق الدراسة الأنماط الرطبة والجافة في فترة زمنية تقدر بـ40 عاما على طول سجلهم الزمني البالغ 1200 عام، ثم أسقطوا تلك الأنماط التاريخية على الوضع الحالي لتقدير احتمالات استمرار الجفاف عاما آخر أو عامين أو أكثر.
كما وخلص الباحثون إلى أنه -في غياب تغير المناخ- فإن هناك احتمالا كبيرا يبلغ 94% بأن الجفاف سيستمر حتى عام 2023، وباحتمال 33% سيستمر الجفاف حتى عام 2030.
اما ووفق تقرير نشره موقع “فرانس24” فقد توقعت مسودة تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (Intergovernmental Panel on Climate Change- IPCC)، المكونة من 4 آلاف صفحة عن التأثيرات المناخية، أن يعاني 800 مليون إلى 3 مليارات شخص من نقص المياه على المدى البعيد بسبب الجفاف الناجم عن الاحترار العالمي بمقدار درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل الصناعة.