
هل أطلقت جنين رصاصة الرحمة على المبادرة العربية؟
كتب محمد حسن العرادي
ظاهرة تستحق الوقوف عندها والتفكير فيها ملياً، فلقد رسّخت جنين مبادئ ومرتكزات جديدة للثورة الفلسطينية، واثبتت أن المعادلات السياسية التي بنيت على القرارات الأممية والعلاقات الدولية خلال الفترة السابقة، يمكن أن تتغير، بل يجب أن تتغير، بعد أن أثبتت جنين ومخيمها الصامد في وجه آلة الحرب الصهيونية أن مقاومة الاحتلال لا تزال ممكنة وشرف عظيم، حتى لو كان المقاومين محاصرين في مساحة لا تتجاوز نصف كم مربع، كما حدث خلال الجولة الأخيرة من العدوان الصهيوني.
جنين … هذه المدينة الصامدة ومخيمها المقاوم، لم تلتفت إلى التوازنات الإقليمية والمعاهدات والمبادرات العربية والدولية، لم تنشغل بحسابات الحرب الكونية التي تخوضها روسيا ضد أمريكا وأوربا والنظام العالمي الظالم المستبد على أرض اوكرانيا، ولم تلتفت لاختلالات موازين القوى وما يمتلكه الكيان الصهيوني من أسلحة وجيوش وتكنولوجيا حربية.
جنين … اتخذت قرار المواجهة والصمود والتضحية دفاعاً عن الوطن الذي يوشك أن يضيع ويتلاشى في أروقة المبادرات العربية ودهاليز القرارات الدولية، تلك التي تبتزها أميركا وتفرغها من مضامينها حماية لربيبتها وولايتها 51 المزروعة فوق أرض فلسطين، جنين اتخذت قراراتها الثورية الحاسمة وأطلقت رصاصة الرحمة على مبادرة السلام العربية، فعن أي سلام لا تزال الدول العربية تتحدث بعد أكثر من عشرين عاماً انتهكت فيها دولة الاحتلال كل القيم الانسانية وداست على جميع الشرائع السماوية والقرارات الدولية.
جنين … قررت وإعتبرت قرارها نافذاً، من دون الحاجة إلى الاستئناس برأي جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي وكافة المنظمات الاممية، ودون أن تلتفت إلى اتفاقيات التطييع بدءاً من كامب ديفيد مروراً بأوسلو ووادي عربة وصولاً إلى الاتفاقيات الابراهيمية المشبوهة التي فرضتها أميركا أخيراً على بعض الدول العربية، بل نظرت إليها من الأعلى وتجاوزتها وكأنها لم تكن ولن تكون، كانت الرصاصات التي يضعها المقاومون في مخازن أسلحتهم الرشاشة لها صدى غامر، وحين لعلع صوت الرصاص في شوارع وطرقات وأزقة مخيم جنين، كان المقاومون يعزفون سمفونية التحدي والصمود منفردين ومتفردين.
رصاص جنين … كان متجلياً وهو يشّيع أجساد الشهداء ويحتضن دماء الجرحى وهم يدافعون عن العزة والكرامة المتبقية لهذه الأمة العربية الصامتة الممتدة من البحر إلى البحر، كان الرصاص يغسل العار ويزيل آثار الهزيمة والانكسار عن التاريخ العربي المُستباح من قبل أميركا ومن يقفون إلى جانب الكيان الصهيوني، لغة الرصاص كانت تتكلم بحروف عربية ناصعة الوضوح تقول للمهزومين والمأزومين احملوا عاركم وارحلوا، فنحن هنا باقون كالجدار الأخير الذي يحمي الأمة من الانهيار ، فألف تحية وإحترام إلى سرايا القدس وجميع الكتائب والفصائل المقاومة التي اشعرتنا أن هذه الامة لا تزال حية.