
الإمام علي عنوان العدالة والشفافية في الإسلام
بقلم محمد حسن العرادي – البحرين
عندما انتقل الرسول الأكرم (ص) إلى الرفيق الأعلى بعد حِجة الوداع التي نصب فيها الإمام علي بن أبي طالب وصياً وخليفة للمسلمين في موقع غدير خم، أمر المسلمين (رجالاً ونساء) بالسلام عليه بإمرة المسلمين، حتى قال أحد كبار الصحابة (بخٍ بخٍ لك ياعلي أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة)، لم يداخل الإمام علي الغرور ولم يترفع على بقية المسلمين، ولم يعتبر أن تلك الأوامر واجبة التنفيذ، مبرراً له لشن حروبٍ داخلية وأهلية تفت من عضد الدولة الإسلامية الفتية، بل فضل المصلحة العامة على الوصول الى موقع السلطة.
وهكذا أصبح يوم الغدير عيداً يحتفل به المسلمون الشيعة بإسم عيد الولاية، شاهداً على الحكمة والعدالة الإنسانية التي يتصف بها الإمام علي، وحين اختار أهل الحل والعقد المشاركين في تفاهمات سقيفة بني ساعدة، الذهاب إلى نظام الشورى منطلقين من الآية (وأمرهم شورى بينهم) ، سايرهم الإمام علي وتخلى طوعاً عن الخلافة السياسية رغم قناعته بأحقيته فيها، وحتى حينما سلم بما توافق عليه أغلبية المسلمين وتقبل ما أجمعوا عليه، أصبح مستشاراً سياسياً وشرعياً قريباً من رأس الحكم ، بل ودفع بأبناءه الإمامان الحسن والحسين وإخوتهم للمشاركة في الفتوحات الإسلامية، ولم يخرج على الناس شاهراً سيفه لاسترجاع الخلافة، كما أنه لم يسعى للتحريض والتآمر على الخلفاء الراشدين الذين اختارهم المسلمين قبله.
لكنه بقي ناصحاً للخلفاء الراشدين ومشاركاً معهم في تقويم إعوجاج بعض الأحكام والمواقف خاصة تلك التي تتعلق بمظالم وإحتياجات الناس، ونُقل عن القُرطبي وإبن حزم أن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب (رض) قال للإمام علي «مازلت كاشف كل كرب وموضح كل حكم»، وقال له يوماً «لا أبقاني ألله بعدك يا علي»، ويدل قول عمر هنا على اعتزازه بقضاء الإمام علي بن أبي طالب عندما قال له «لا أبقاني الله لمعضلة ليس لها أبو الحسن»، كما كان الإمام علي مدافعاً عن الخليفة الثالث عثمان بن عفان (رض) عندما ثار عليه المسلمين فيما عرف بالفتنة الكبرى، حتى أنه أرسل الإمامان الحسن والحسين لحمايته من ثورة المتمردين.
وبعد إنتظار دام 25 عاماً تنقلت فيه الخلافة بين ثلاثة من الخلفاء الراشدين، عادت الخلافة إلى الإمام علي عام 35 هجرية فلم يفكر في الإنتقام أو الإستئثار ، ولم يمنح أبناءه أو أهل بيته والمقربين منه مميزات خاصة بهم، بل كان من الزاهدين في الخلافة إذ يقول في إحدى خطبه (يا دنيا إليك عني، أبي تعرضت أم إلي تشوقت؟ لاحان حينك، هيهات غُري غيري، لا حاجة لي فيك، قد طلقتك ثلاثاً لا رجعة فيها، فعيشك قصير، وخطرك يسير، وأملك حقير، آه من قلة الزاد، وطول الطريق، وبُعد السفر، وعظم المورد، وخشونة المضجع)، وهو بذلك يضرب أروع الأمثلة في الحكمة والزهد والورع والنزاهة.
ويذكر التاريخ أن عقيل بن أبي طالب شقيق الإمام علي وكان ضريراً وفقيراً محتاجاً إلى مساعدة أكثر من العطاء المخصص إليه من بيت المال بسبب كثرة أبناءه، لكن الإمام علي رفض أن يحابيه ويفضله على غيره فقال في ذلك بإحدى خطبه “.. واللَّه لَقَدْ رَأَيْتُ عَقِيلًا وقَدْ أَمْلَقَ حَتَّى اسْتَمَاحَنِي مِنْ بُرِّكُمْ صَاعاً ورَأَيْتُ صِبْيَانَه شُعْثَ الشُّعُورِ غُبْرَ الأَلْوَانِ مِنْ فَقْرِهِمْ – كَأَنَّمَا سُوِّدَتْ وُجُوهُهُمْ بِالْعِظْلِمِ – وعَاوَدَنِي مُؤَكِّداً وكَرَّرَ عَلَيَّ الْقَوْلَ مُرَدِّداً – فَأَصْغَيْتُ إِلَيْه سَمْعِي فَظَنَّ أَنِّي أَبِيعُه دِينِي وأَتَّبِعُ قِيَادَه مُفَارِقاً طَرِيقَتِي – فَأَحْمَيْتُ لَه حَدِيدَةً ثُمَّ أَدْنَيْتُهَا مِنْ جِسْمِه لِيَعْتَبِرَ بِهَا – فَضَجَّ ضَجِيجَ ذِي دَنَفٍ مِنْ أَلَمِهَا وكَادَ أَنْ يَحْتَرِقَ مِنْ مِيسَمِهَا فَقُلْتُ لَه: ثَكِلَتْكَ الثَّوَاكِلُ يَا عَقِيلُ أَتَئِنُّ مِنْ حَدِيدَةٍ أَحْمَاهَا إِنْسَانُهَا لِلَعِبِه وتَجُرُّنِي إِلَى نَارٍ سَجَرَهَا جَبَّارُهَا لِغَضَبِه أَتَئِنُّ مِنَ الأَذَى ولَا أَئِنُّ مِنْ لَظَى ..”.
هكذا حكم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بين الناس بالعدل والسواسية، ولم يحابي حبيباً أو قريباً حتى ولو كان شقيقه من أمه وأبيه، فهل يتعلم المسؤولين الذين يتسلمون المسؤلية في مختلف المواقع من عدالة علي بن أبي طالب وحكمته ، بدل أن يقربون أبنائهم ومعارفهم ويغدقون عليهم من العطايا والأموال، ما يفسدون به المجتمع ويعززون به المحسوبيات ويبنون به منظومات الفساد الذي استشرى في العديد من المؤسسات حتى بات خطراً يهدد المجتمع.