هوكشتاين وخط الـ29… المنظومة غير مؤتمنة

المقاومة وحدها تحفظ السيادة وتستعيد الثروات... أو تخسر ويضيع لبنان؟

ميخائيل عوض

أهدت المقاومة انتصارين وتحريرين والسيادة غير المنقوصة في البر وأمنت حماية لبنان وعززت مكانته للشعب والجيش وغلفتها بمقولة الثلاثية الذهبية.

دنت معركة تحرير البحر والثروات وحماية السماء لتكتمل ثلاثية السيادة وتحصيل الحقوق وتثبيت مكانة لبنان وفرادته، وتعزيز دوره في إعادة تشكيل العرب والشرق، فكيف ستتصرف المقاومة؟ وهل تحقق ما في الأرض كذلك في البحر والجو؟

أما المنظومة، التي لم تحقق انجازاً وأحداً منذ تأسس الكيان وأمنت نفسها بدستور التحاص والتمييز الأشد عنصرية في تاريخ البشرية، فلم تحقق انجازاً وأحداً ولا سجلت على نفسها موقفاً وأحداً، أو ممارسة وطنية سيادية حريصة على لبنان الشعب والكيان والحقوق.

جل ما فعلته المنظومة، حروب أهلية، وحروب في الطوائف والأحياء، وتسعير التناقضات الثانوية لتأمين مصالحها، واستدامتها بحروب القنابل الصوتية والدخانية، ونجحت على نحو غير مسبوق في تاريخ البشرية بنهب الدولة ووارداتها وماض وحاضر اللبنانيين، فنصبت على الودائع المصرفية واستولت على حقوق المتقاعدين والنقابات والبلديات والطلاب والشباب، ولم تبخل في عمليات النهب المنظم، ودوماً بتسعير التناقضات الثانوية والاحتماء بالعلب الطائفية والمذهبية والاستزلام.

ونجحت في إدارة أزمة الانهيار والفوضى والتجويع، وعمقتها ونهبت أيضاً الاحتياطي الالزامي، وعينها على التحاص ونهب الثروة النفطية والغازية، ولن تدخر جهداً أو فرصة للتفريط بالحقوق والسيادة البحرية والثروات، ولن تحاول حمايتها في السماء كما تعهداتها التاريخية مع الحماة والسفارات، فالجيش ممنوع من امتلاك السلاح اللازم لتأمين الحماية ودأبها إطلاق النيران الكثيفة والكاذبة على سلاح المقاومة وما حققته.

إلا أن الحياة والتطورات تفرض نفسها ويمكر التاريخ، وتفرض الحاجات ضروراتها بقوتها ولعناصرها عنوة ومن لا يستجيب يحكم على نفسه بالإعدام والرحيل إلى الماضي ومزابله.

الأزمة بلغت ذروتها، والانهيار جار على قدم وساق ودولة المنظومة ومؤسساتها قاب قوسين من الانهيار الطوعي والذاتي تحت عبء الأزمة والعجز عن تأمين الرواتب والمستلزمات، والإضراب المكتوم لموظفي الدولة تزداد معطياته وتتراكم أثاره وتتكاثر عناصره الحافزة…

بارقة أمل وحيدة، لا غير ولا وعد أو رهان في الأفق يمكن أن يستبدلها أو يجاوزها أهمية للإحاطة بالأزمة ومعالجتها تتجسد بالشروع فوراً باستثمار النفط والغاز وانتزاع نصر وتحرير ثالث.النفط والغاز ثروة تكرم بها الله والطبيعة لا أحد أو شيء آخر، وحتى هذه لم تسلم من مناورات وصفقات المنظومة الفاسدة، وبلغت لصوصيتها أنها لم تحاول، ولا سعت ولا سهلت الاكتشاف والاستثمار وعلقتها لعقود على التحاص وأوامر السيد الأميركي.

والسيد الأميركي ليس له عناصر قوة أو ضبط بعد هزيمة إسرائيل وهزائمه وانحسار تأثيره إلا مفاتيح المنظومة ورموزها وممثليها الممسوكين من رقابهم بأموالهم ومصالحهم المتوطنة في الغرب. والمنظومة كعاداتها وبطبيعتها لا هم لها إلا ثرواتها وما نهبت.

تخون وتستسلم وتؤمن طوعاً المصالح الإسرائيلية وتقبل بحماس الاشتراطات والإملاءات الأميركية لتأمين مصالحها هي لا الطوائف ولا الشعب.

فالرهان على المنظومة وأركانها لإدارة مفاوضات تستعيد الحقوق اللبنانية، إنما هو رهان خائب وكذا وضع المسالة بيد الأمم المتحدة والمجتمع الدولي. وفي سوابق القرارات الدولية شهادات وحقائق مؤكدة وجازمة ولولا المقاومة وتضحياتها ورجالها ما عاد الجنوب ولا تأمنت السيادة على البر.

أما تفعيل الثلاثية الذهبية، فأمرها مرهون بإصبع السيد نصرالله والأصابع على الزناد ولا شيء آخر. فالمؤسسة العسكرية مأزومة وعاجزة وجائعة وخاضعة لتفاهمات وأوامر المنظومة كمؤسسة تنفيذية على ما جاهر به قائدها اليوم، ولو أنها ما زالت المؤسسة الوحيدة في دولة المنظومة التي يحترمها الناس ويأملون بها والمؤتمنة مع المقاومة وعلى حفظ السلم الأهلي والاستقرار، والشعب في حالة ضياع وهلامية تأخذه حملة من هنا وتحشيد من هناك، ولم تتبلور قوة حاملة لحقوقه ومشروعه، وليس غير المقاومة من يمثل آماله وتطلعاته ورهاناته.

المقاومة وحدها بيت القصيد وعدة الرهان والمخلص، وقد توفرت لها في حرب الترسيم، وتحرير الحدود المائية والثروات الغازية والنفطية فرصتها التاريخية وظروفها غير المسبوقة لتجسد بقراراتها، الوحدة الوطنية التي لم تتجلَ يوما بقدر تجلياتها اليوم وفي مسألة الترسيم والحقوق بالثروات وحمايتها. فالجيش قرر، وخبراؤه مشهود لهم وطبيعته وولائه وقسمه يلزمه ويجعله في تحديد إحداثيات وخطوط الترسيم الأكثر صدقاً وحرصاً ووطنية وسيادية، فالتمسك بخط الجيش وإحداثياته وخطوطه يجسد ويفعل الثلاثية الذهبية ويكسب المقاومة المزيد من المصداقية والموثوقية ويعزز اللحمة والوحدة الوطنية.

في الانتصارين والتحريرين أهدت المقاومة انجازاتها لثلاثية افتراضية وعناصرها كامنة في معركة الترسيم والاستكشاف والاستثمار، وتتجسد واقعاً وقوة حق صلبة وتكتسب قيمتها الذهبية.

فحرب الترسيم لا مفاوضاتها التي يديرها إسرائيلي بثوب أميركي تحقق السيادة وتستعاد الحقوق وتتجسد الثلاثية عناصر مادية نوعية تحمي السيادة وتتشكل كتلة تاريخية حاملة لمشروع الخلاص والانقاذ الوطني لمنع الكارثة وتوحش الفوضى.

هوكشتاين، سيناور ويطلق وعود ببذل جهد لتأمين الغاز المصري والكهرباء الأردنية بتمويل ديون من صندق النقد، وبتأمين فيول عراقي بديون لتأمين ساعات تغذية لا تزبد ولا تغني عن جوع وفاقة…

المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين، فسبق إن أوهمت شيا اللبنانيين بذات الوعود وبالممارسةـ كانت جزرة وبيدها الأخرى عصا- فمقابل السماح للبنان بالاستدانة من صندوق النقد لتأمين ساعات من الكهرباء، يجب عليه أن يفرط بالسيادة وبالحقوق التي تشغل الكهرباء لأربعة وعشرين ساعة يومياً، وتؤمن لبنان لاحتواء الأزمة ومعالجتها فأين مصلحة لبنان- والمقاومة والثلاثية بقبول الخديعة المكشوفة كذبتها والمجربة طرائقها.

أركان المنظومة يحتفون بالمفاوض الإسرائيلي ويهرجون ويمرحون بوعوده الفارغة، ليس لأنهم لا يعرفون الحقيقة بل لتأمين مصالحهم هم ولحماية ما نهبوا، ولإعطاء سيدهم مكسباً لتسويق وهم الضغوط والتهديدات الأميركية، وكان فعلاً وعمليا تملك أميركا أوراق للضغط والاملاءات.

سيصورون اتفاقاً ينتقص من سيادة لبنان وحقوقه بإهداء حقل كاريش لإسرائيل انجازاً ونصراً يضمنان حق لبنان بحقل قانا- وليس في قانا حقلاً إنما احتمال لحقل، فيفرط لبنان بعصافير بيده بمقابل عصفور على الشجرة… وكأنه انجاز نوعي للمنظومة على دارج أكاذيبها وحملاتها الترويجية، وتجربتها في الكذب والنهب.

هوكشتاين في لبنان محتفى به ليس لأنه سيبذل جهد أو يمارس ضغوط على إسرائيل لتحرير السيادة والحقوق اللبنانية، إنما للاستقواء به على الداخل وعلى المقاومة ولتبديد فرصة لبنان التاريخية بوحدته الوطنية، وبفرصة المقاومة على تجسيدها وتلميع الثلاثية الذهبية في لحظة تاريخية مؤاتيه ومناسبة وكل عناصرها وافرة، ولا يجب التفريط بها تحت أي عنوان وأي ذريعة.

الفرصة وظروفها النوعية أعلنها السيد حسن نصرالله بلا لبس أو ابهام وتتجسد عناصرها بالتالي؛

1- نقاط وإحداثيات وخط الجيش هو حق لبنان وسيادته والجيش وخبرائه محط ثقة اللبنانيين والمؤسسة مكلفة بطبيعتها ومهامها حماية السيادة وتأمينها وتبني المقاومة لخط وإحداثيات الجيش تفعيل وتكامل وتشارك وتعويم للثلاثية الذهبية.

2- كلاهما المقاومة والجيش يمثلان الجهة التي حمت وتحمي السيادة والاستقرار والأقرب إلى تأمين وتلبية حاجات الشعب والأكثر خسارة في الفوضى وانهيار الدولة، وكلاهما يدركان أن النفط والغاز والسيادة هي الضمانة وسبيل الخروج من الأزمة لا صندوق النقد ولا تحكم المنظومة وتفريطها بالحقوق لتأمين محاصتها ومصالحها على حسابهما وعلى حساب الشعب والكيان المهدد بالزوال.

3- المقاومة تعرف واشهرت أن ميزان القوى عموماً وفي ملف السيادة وحفظها والنفط والغاز مختل جوهريا لصالح لبنان والجيش يعرف ذألك تماما، والمنطقي إلا تفرط المقاومة بالظرف واللحظة كرمال عيون المنظومة وكذبة الميثاقية ولتأمين صفقات ومحاصات المنظومة على حساب تضحيات المقاومة وطبيعتها والتزاماتها وعلى حساب الجيش وتضحياته ومستقبله ومستقبل لبنان.

4- لأول مرة يتوحد اللبنانيون واغلبيتهم الساحقة على خط الـ29 والسيادة والحقوق وتالياً من غير المنطقي، ولا المبرر أن تفرط المقاومة بهذه الفرصة التاريخية وغير المسبوقة كرمال عيون تفاهمات أو تحالفات أو ثنائيات بعد كل ما جرى وما وقع من غدر  بالمقاومة والتزاماتها ومكانتها.

5- المنظومة بمقايضتها حقل كاريش بحقل قانا وبتمسكها بخط 23 تبيع لبنان وسيادته وجيشه وفرصه للخلاص، وتتأمر على المقاومة وتحضر لها وعليها انقلاب خطير لتدفيعها ثمن التحريرين والانتصارين، وتتقصد عن سبق وعي وتصور واملاء أميركي بإفقادها الاجماع الوطني، تمهيدا للتشكيك بجدوى سلاحها والتطاول على طبيعتها والتزاماتها وتصويرها مجرد اداة واستطالة إيرانية تقول ولا تفعل ما يفيد لبنان ويحرر بحره وثرواته.

6- مهدت المنظومة والسفارات وستفعل بقوة حملات إعلامية وترويجية هائلة لإشاعة فرية، أن تعاقدا، واتفاقا جرى تحت الطاولة بين الفرنسي والإيراني على تقاسم النفط والثروات بمنح إسرائيل حقل كاريش بمقابل اعطاء فرصة لإيران بحقول أخرى، وبهذه أن صحت أو تلكأت المقاومة وبررت قبولها حدود ترسيم هوكشتاين والمنظومة تكون كمن أطلق الرصاص بصدره واسقط نفسه بالضربة القاضية، فليس عاديا ولا بريئا أن مجموعات السفارة الأميركية وحلفائها كانوا الاعلى صوتا والأكثر حراكا دفاعا عن خط ٢٩ وهذه تبطن كمين قاتل للمقاومة أن تخلت عنه لأي سبب أو ذريعة، ولن تكون مقنعة حجة الوفاق والوفاقية والميثاقية وإطلاق يد المنظومة ومفاوضيها للتنازلات والتحاص.

7- المقاومة حجة قوية جداً تكمن في ترسيم الجيش وإحداثياته وخطوطه، وحجة أقوى بأن إسرائيل مغتصبة لفلسطين وأن ترسيم 1923 كان مع فلسطين، وأن الساحل اللبناني- الفلسطيني بحقل كاريش وامتداداته الفلسطينية كان في قرار الأمم المتحدة لتقسيم فلسطين، والاعتراف بالكيان الصهيوني 1948 فلسطينياً ومن حصة الفلسطينيين وليس من قرارات دولية تعترف بحدود لإسرائيل وبدولة إسرائيل التي لم يحدد دستورها حدوداً بحرية أو برية لها، تأكيداً لعدوانيتها فليس من ذريعة للترسيم مع إسرائيل قبل أن ترسم حدودها دستورياً ويعترف بها العالم والأمم المتحدة، وهذه ذريعة متينة في  التفاوض وفي هيئات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تكسب لبنان حقوقا ومشروعيات، وتزيد بإعادة طرح الحقوق الفلسطينية المغتصبة وهذه في صلب طبيعة ومهام واستراتيجيات المقاومة ومبرراتها.

8- في كل الأحوال، فتفعيل مقولة السارق من السارق كالوارث عن ابيه، يمكن للبنان والمقاومة اعتمادها وميزان القوى في صالحنا كما يؤكد السيد حسن نصرالله في كل اطلالته منذ انتصار أيار 2000 حتى الساعة، وبإزاء عدو غاصب احتل لبنان ودمره وللبنان حقوق وتعويضات يجب استحضارها والمطالبة بها، و ليس فقط بجزء من كاريش، بل به كله وأبعد. فاستعادة لحقوق لبنان به ولحقوق فلسطين وللتعويض عما الحقته إسرائيل من دمار وما نهبته من لبنان يمكن الشروع في أثارتها وتكريسها كحق واجب الإنقاذ، وقاعدة التعويض حق أممي ثابت ابتزت به إسرائيل أوروبا وألمانيا، وتبتز وابتزت به أميركا العراق وتبتز العالم، وعندما يميل ميزان القوى لصالح المقاومة وفي حرب يدها العليا فيها لماذا لا نطالب ونفعل هذا الحق في وجه إسرائيل؟ وهوكشتاين ومنظومة الفساد والخيانة والتفريط؟

الخلاصة وباختصار شديد، كل ظروف وشروط وبيئات الانتصار في حرب الترسيم والسيادة البحرية وحماية واستثمار الثروات، تمهيداً  لفرض السيادة في السماء موفورة وعناصرها مؤمنه والقدرات كافية.

الظروف والشروط والبيئات كلها وافرة للشروع في احتواء الأزمة، ووقف كارثة الفوضى والتوحش والمقاومة والجيش أكثر المعنيون بها.

كل المعطيات والتحولات في البيئات وموازين القوى مؤمنه لانتزاع ام الانتصارات واعظمها…

هل تفرط المقاومة وقد تجسدت كل عناصر تفعيل الثلاثية الذهبية بالفرصة؟

ما قاله السيد حسن نصرالله في اطلالته الفريدة وتخصيصها فقط للحديث عن الترسيم والحدود والثروات، وإعلانه تشكيل جهاز خاص مؤتمن تشي،  وتحذير السفينة وإسرائيل بأنه لا احتمال أن تفرط المقاومة بالفرصة، ولن تمر عليها مناورات المفاوضين، وهوكشتاين ببذل جهود لتمرير الغاز المصري والكهرباء الأردنية بديون من صندوق النقد، بينما غازنا ونفطنا اثمن وأوفر وعنصر سيادي وتحرري…

إنه زمن الانتصارات والحد الفاصل بين الحقب والمراحل والمشروعيات…

ننتظر بأمل أن تسقط مؤامرات التفريط واستهداف المقاومة وشرعيتها من بوابة الترسيم واستثمار الثروات وصيانة السيادة البحرية…

والثالثة ثابتة، وثالث الانتصارات والتحرير راهن وماثل أمأمنا والرجاء إلا تفوت الفرصة وتضيع الحقوق.

أجواء برس

“أجواء” مجموعة من الإعلام العربي المحترف الملتزم بكلمة حرّة من دون مواربة، نجتمع على صدق التعبير والخبر الصحيح من مصدره، نعبّر عن رأينا ونحترم رأي الآخرين ضمن حدود أخلاقيات المهنة. “أجواء” الصحافة والإعلام، حقيقة الواقع في جريدة إلكترونية. نسعى لنكون مع الجميع في كل المواقف، من الحدث وما وراءه، على مدار الساعة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى