
توأم الروح
كتبت د. شيرين العدوي
كم مرة شعرت فيها أنك لست مع الشخص المناسب فقررت الابتعاد؟ كم عدد الزيجات التى تمت واستمرت للحاجة إلى رفيق درب فقط؟ والسؤال الأهم كم زيجة أحس فيها الطرفان أنهما توأم روح؟ وكم زيجة انتهت بالطلاق الصامت أو غير المعلن مع استمرار الحياة حتى اللحد؟ ومن توأم الروح؟
والإجابة عن كل هذه الأسئلة ربما تكون واحدة أو مرايا متجاورة، فالحصول على توأم الروح أمر صعب للغاية، وربما يكون أمرا نادراً. فعالم النفس الشهير كارل يونغ يرى أن مفهوم توأم الروح يتجاوز بكثير المعنى الرومانسي السطحي لدى العامة، فالعثور عليه هو جزء لا يتجزأ من رحلة الفردانية «Individuation»، فهي عملية نفسية عميقة يسعى فيها الفرد إلى تحقيق تكامله النفسي والوعي بذاته الحقيقية. إنه ليس مجرد العثور على شريك مثالي، بل هو انعكاس لعملية داخلية تتكشف من خلال العلاقة مع الآخر. توأم الروح ليس مكملا. بل انعكاس للكمال، على عكس الاعتقاد السائد بأن توأم الروح هو من يكمل نقصا فينا، ويؤكد يونغ أن العلاقة الحقيقية لا تقوم على هذا الأساس. فالشخص لا يجد توأم روحه وهو نصف مكسور يبحث عن النصف الآخر ليكمله، ولكن يحدث اللقاء الحقيقي عندما يتعلم الفرد أن يكون مكتملاً وكافيا بنفسه. وتوأم الروح هو شخص نختار مشاركة اكتمالنا معه، وليس منقذا أو مكملاً لما ينقصنا. فالله الكامل لا يجمع أنصافا مكسورة. بل يجمع كائنات مكتملة ومستعدة للمشاركة، صهرت بنار التجربة، وصقلت بوعي الاكتمال.
يعتقد يونغ أن أرواحنا متصلة ببعضها البعض من خلال ما سماه اللاوعي الجمعي. هذا اللاوعي يضم أنماطا أولية مشتركة وتجارب إنسانية عميقة تتجاوز التجربة الفردية. فعندما نلتقى بتوام روحنا، فإن هذا اللقاء يثير هذا البعد العميق في داخلنا، ويوقظ ارتباطا أوليا يبدو مألوفا وغامضا في آن واحد. هذا الاتصال ليس بالضرورة واعيا أو منطقيا، بل غالباً ما يتجلى في شعور عميق بالسلام والألفة أو حتى بالتحدي، ولكن التحدي هنا ليس صراعا أو تشققا إنسانيا، وإنما يعني التحفيز للنمو والتطور.
فتوأم الروح لا يقتصر دوره على إثارة مشاعر الحب والسعادة فقط بل غالباً ما يثير الأسئلة الدفينة داخلنا ويوقظ جروحنا القديمة فيجبرنا على مواجهة الظل في أنفسنا، تلك الجوانب المظلمة التي نخجل منها أو ننكرها ونفضل إخفاءها، لكنه يساعدنا أن ندفع بها إلى السطح ونتعامل معها، بل ندمجها مع شخصيتنا الواعية لتحدث عملية التطهير لضرورة التكامل النفسي والوصول للفردانية. وهناك في رحلتنا مصادفات قد تبدو عشوائية يسميها يونغ «التزامنية» غير مرتبة تحمل واقعا لمعنى خفي يرتبط بطرق غير سببية، مع أحداث تبدو تافهة، ولكنها تترك أثرا عميقا وربما فى بعض الأحيان تظهر كعقبات، ولكنها في الحقيقة إشارات خفية تقودنا عبر مسار الحياة نحو توأم الروح. والسؤال المهم ليس هو أين نجد رفيق الروح ؟ بل هو: هل نحن مستعدون للتعرف عليه عندما يظهر؟ إن هذا يحتاج من الإنسان مستوى معينا من الاستعداد الداخلي، وفهما للإشارات العلوية الإلهية، وصبرا على الانصهار في آتون النور الصافي. فهل أنتم مستعدون؟