لبنان عالق في الاستعصاء… في حل ونص!

ميخائيل عوض

وصفت الأزمة اللبنانية بأنها غير مسبوقة ومن صنف أزمات ثلاث وقعت قبل مئة وستين سنة.

عناصر الأزمة وتوصيفها ومسبباتها معروفة بتفاصيلها، ومعروفة الجهات والسياسات التي تسببت بها عن قصد أو بلا قصد.

الكارثة المحققة، وأوجه الغرابة، أن لا أحد فكر وأبدع وأو حاول أن يقدم مخارج وحلولاً للأزمة، حتى المحاولة في  المعالجات الترقيعية غائبة عن الأذهان والممارسة، وهذه بذاتها سبب جوهري في تعميق الأزمة وفي دفع البلاد إلى حالة الاستعصاء والمزيد من تعقيد فرص إيجاد حل وأو معالجة لأي من تجليات الأزمة.

الاستعصاء في إجراء الانتخابات الرئاسية مقيم ما بقيت توازنات البرلمان الذي صيغت نتائجه على مشروع السفيرة شيا لتخليق الفوضى- الفراغ النيابي، ما لم تتعقلن واحدة من الكتل القادرة على تأمين النصاب والانتخاب، وأو فرض الحلول بقوة مصالح الخارج والقوى الفاعلة على ما اعتاد عليه اللبنانيون.

والفراغات تفرخ فراغات في شتى الدوائر والمؤسسات، والمؤسسة العسكرية التي قاربت أن تفرغ جعبتها بعد أن تراجع وزنها وحضورها بانحسار عديدها، واستحالة قيامها بمهامها وبمهمة سد فراغات الدولة والمؤسسات. تقاتل كي لا يضربها الفراغ فيقع الارتطام وتذهب البلاد إلى الفوضى العارمة والمتوحشة.

والناس تهوم على وجوهها، فتجد بالهجرة ملاذها هرباً من واقع قاس ومن ظنون سوداوية بمستقبل مظلم. لا بارقة أمل أو شعاع في نهاية النفق، وليس من جهة أو كتلة  تقوى على الحراك ولا تظهر مؤشرات جدية لاحتمالات نهوض وتشكيل قوة أو كتلة حاملة لمشروعات تغيير أو حتى ملامسة حلول ترقيعية.

الحال غير مسبوقة أيضاً فالأزمات غير المسبوقة تخط لنفسها مسارات وتطورات غير مسبوقة، وكل ما هو غير مسبوق يفترض تفكيراً وجهداً وخططاً للتعامل معه من خارج صندوق المسبوقات… إنها قاعدة تفكير وحياة مذ خلقت البشرية.

أين المفر؟ ما الاحتمالات؟ هل من مخارج وحلول؟

أسئلة تطرح نفسها ولا من يجيب.

بيد أن الحياة والعقل البشري الفردي والجمعي لا يستطيع الكمون والعطالة الدائمة، وإذا تعطل فالأيدي الخفية للجغرافيا والتاريخ وحاجات الأزمنة تفرض نفسها بهمجية ومصير من يعاندها السحق والهرس… إنها قاعدة حياة أيضاً.

التفكير من خارج الصندوق لابتداع حلول ومخارج تصطف كلها عند الحاجة الماسة لتغيير جذري للنظام وعصرنة العقد الوطني تنتقل به من الإفلاس إلى الحداثة التي تجعل له قابلية الحياة، والعقد الوطني المطلوب لا بد أن يرتكز على إعادة صياغة جوهرية لوظائف الكيان ما يوجب صياغة نظام سياسي واقتصادي واجتماعي قادر على توفير شروط الوظائف الجديدة للكيان، والكيانات ليست أبدية وبقاؤها مرهون بتجديدها عندما تعصف بها وبمحيطها وبالعالم حقبة إعادة الصياغات والهيكلة كالحالة الجارية على كل صعيد.

اضف أن الشروط الموضوعية لإنتاج رؤية وكتلة تغييرية ليست ناضحة وليس في الأفق ما ينتجها.

بانتظار أن تقرر الجغرافية والأزمنة حاجاتها وتفرض نفسها ولو عنوة لا بد من اجتراح محاولات قد تفيد وتسهم في تغيير المسارات.

من الحلول الممكنة، أو أقله الواجب اختبارها:

1-  كي لا تدوم حالة الاستعصاء وتؤدي وظيفتها في سوق البلاد إلى الفوضى والتوحش لا بد من جهد يتركز على الخروج من استراتيجية الإدارة بالفراغات إلى سلوك سبيل الإدارة بالمرحلة الانتقالية، أسوة بما فعلته وتفعله الشعوب والدول الحية في ظروف كهذه.

فالإدارة الموقتة لا تقتل الديب ولا تفني الغنم هي أقرب لتقطيع الوقت حتى تنضج ظروف الإقليم والعالم ويبتدع أو يفرض حلاً.

ما الضرر من توافق على رئيس جمهورية ورئيس حكومة وحكومة وبرنامج يستهدف الإحاطة بالأزمة ووقف زحف الكوارث لسنتين.

فالمراحل الانتقالية أفضل الوصفات عندما تستحيل إمكانية التغيير، وتقطع على حالة التآكل والانهيار وتعميق العجز، وبعد نفاذ المرحلة الانتقالية تعود الحياة إلى الانتظام والتوازنات إلى الفاعلية والتعبير عن نفسها ومصالحها وتحفظ حقوق كل الفرقاء وفرصهم، وتؤمن البلاد في الوقت الإقليمي والدولي المستقطع، إلى أن ترسو المعادلات والهيكليات الجديدة ليصير للبنان وأزمته حواضن ومحفزات لسلوك حقبة الاستقرار وتفعيل المؤسسات وانتظامها.

في الانتقالية لن يخسر أحد رهاناته ولا فرصته ولا عناصر حضوره وقوته بل يتمكن من زيادتها ومراكمة الفرص والقوة، وعند انتهائها يكون لكل حادث حديث أما الفوضى والفراغ، فحالة لا تضمن نتائجها وقد تعصف بالجميع وفرصهم، وفي لبنان ستعصف بالكيان والنظام والتشكيلة برمتها، وسيكون الكل خاسرين جراءها وليس من مظلة على رأس أحد مهما توهم وراهن.

2-  ما لم يدرك الفاعلون خطر الفراغ والفوضى وأن يتثبتوا من جدوى الانتقالية، قد يكون المخرج بانتخابات نيابية مبكرة، فعجز البرلمان عن إنتاج مخرج بانتخاب رئيس يستوجب العودة إلى الشعب مصدر السلطات وأي انتخابات مبكرة ستتوافر فيها فرصة تعديل التوازنات وتغيير في التكتلات، ما يوفر عناصر للخروج من الأزمة والحفاظ على البرلمان والمؤسسات وامتلاك فرص لمعالجة الأزمة عبر المسالك والطرق الدستورية بديلاً للفراغ والفوضى، فالمؤتمر التأسيسي أو ضياع الكيان.

3-  وإذا بدت الانتخابات النيابية المبكرة مستحيلة بفعل طبيعة البرلمان والتكتلات وتقاطع مصالحها لإبقاء الأمر الراهن، فمن الممكن التفكير بانتخابات رئاسية مباشرة من الشعب فتصاغ الحلول من خارج صندوق المجلس النيابي المشلول والعاجز لتوازناته.

4-  وبكل الأحوال إذا تعطلت كل الحلول، فقد يكمن الحل في تفعيل دور البرلمان بذريعة تشريع الضرورة وقد سلكها النواب، لضرورات أدنى أهمية. فالضرورة والقصوى منها تقتضي جلسات متصلة لإعادة قراءة اتفاق الطائف، واستصدار التشريعات والقوانين الواجبة لاستكمال التطبيق ما دام الكل متمسكاً بالطائف ولا يقبل تعديلات عليه. فأقل الواجب يقتضي استكمال تطبيق الطائف وبنوده لا سيما في:

– قانون اللامركزية الإدارية الموسعة.

– إنجاز قانون وانتخاب مجلس الشيوخ.

– إنجاز قانون انتخاب المجلس النيابي على أساس غير طائفي وإعادة صياغة الدوائر الانتخابية، بحيث توفر عدالة التمثيل والحفاظ على التنوع والمشاركة.

– ووضع الأسس والمقدمات القانونية للشروع في تشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية.

ما الضرر من السعي لفرض دور للبرلمان وجعله منبر ومنصة الحوار الوطني وسوقه إلى تقرير ما يلزم للخروج من الأزمة العاصفة وغير المسبوقة؟ أليست أفضل من انتظار اتفاق الخارج لفرض حل ولو بالقوة القسرية؟ ولماذا لا يسعى الفاعلون لانتشال البرلمان من  الشلل والتعطيل، وتعطيل البلاد قد يستمر حتى نفاد ولاية المجلس؟ وماذا بعد نفادها؟ فالصبح قريب والزمن يجري بسرعة فرط صوتية.

البلاد في أزمة غير مسبوقة والاستعصاء قائم وأيامه جارية والفراغ والفوضى مسار حكمي إذا استمر الأمر على ما هو عليه.

وليس ما يعيب اللبنانيين من ابتداع مخارج وحلول والأفضل أن تكون دستورية وعبر المؤسسات ولو بتجاوز نصوص عفا عليها الزمن، فالمبادرة والسعي والمحاولة أفضل من الانتظار والرهان على الفراغ غير المضمونة نتائجه لأحد مهما علا كعبه وامتلك من عناصر القوة والسطوة.

الأزمات غير المسبوقة تستوجب تفكيراً وحلولاً من خارج الصندوق وغير مسبوقة.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى