رضا عنتر.. “عنتر” الملاعب الذي أرضى الجماهير

علي خريس
لطالما تغنى الشعب اللبناني بالعديد من الأساطير التي مرّت على هذا البلد الصغير منذ عصور مضت، فمن منا لم يسمع عن أسطورة طائر “الفينيق”، ومن منا لم يسمع بقصة أليسار ملكة صور التي هاجرت قرطاج في تونس، الى الامير فخر الدين وصولا الى الفيلسوف والأديب جبران خليل جبران.
هذه طينة من العمالقة تركت ورائها آثار وانجازات ما زالت في عقول اللبنانيين حتى يومنا هذا.

وفي كرة القدم اللبنانية، ما زالت صور العديد من اللاعبين تدغدغ عقول وقلوب شعبا عشق أسماء ولم ينساها حتى الآن، فمن يستطيع أن ينسى جمال الخطيب وأهدافه في ملعب الصفاء، ومن يستطيع أن ينسى غسان أبو دياب القائد الفذ، والغزال الأسمر جمال طه وصولا إلى فادي علوش وحسن أيوب مرورا بوارطان غازاريان انتهاء بالأسطورة موسى حجيج وغيرهم العديد من النجوم التي تزداد أسمائهم رونقا وألقا كلما ذكرناهم.

أحد النجوم التي سنتكلّم عنها لاعب فرض نفسه بقوة على الساحتين المحلية والعالمية وكان قائدا بكل ما للكلمة من معنى. انه رضا عنتر لاعب المنتخب اللبناني ونادي التضامن صور.

من التضامن الى هامبورغ

كانت بداية رضا في عالم الساحرة المستديرة مع نادي التضامن صور الجنوبي، حيث لعب أول مباراة له في موسم 1997-1998، وبقي مع الفريق الجنوبي حتى عام 2001 وبالرغم من صغر سنه، إلا أن تألق رضا وجمالية أهدافه وانضباطه التكتيكي داخل أرض الملعب جعلت عيون المدربين ومدراء الأعمال تشخص نحوه، لينتقل إلى نادي هامبورغ الألماني بعقد إعارة لعام واحد قابل للتجديد أواخر العام 2001.
في موسمه الأول مع النادي الألماني، لعب رضا 6 مباريات وسجل هدفا وحيدا طيلة الموسم وكان أول هدف للاعب لبناني في عالم الاحتراف، أمام نادي نورومبيرغ ضمن الجولة 25 من بطولة الدوري، في الدقيقة 85 من المباراة التي انتهت بفوز هامبورغ بثلاثة أهداف لهدف وحيد، وقد تحدث رضا عن ذلك الهدف حيث أكد أن الفرحة كانت كبيرة جدا ولم يتمكن من تمالك نفسه، فخلع قميصه مما دفع الحكم إلى رفغ البطاقة الصفراء في وجهه.

وفي الموسم التالي، بقي رضا مع هامبورغ بعقد إعارة جديد، حيث كانت فرصته أكبر في اللعب وإثبات نفسه في وسط ميدان الفريق الألماني، فلعب 23 مباراة وسجل هدفا وحيدا قبل أن تبعده الإصابة في كاحله عن الملاعب لفترة طويلة نسبيا.
بعد الإصابة في الكاحل، فضلت إدارة النادي التعاقد مع اللاعب الياباني تاكاهارا صاحب الخبرة الكبيرة، بالإضافة إلى الربح المادي الكبير التي جناه النادي في السوق الياباني بفعل بيع قمصان الساموراي الجديد، لينتقل عنتر إلى نادي فرايبورغ الصاعد حديثا إلى دوري الدرجة الأولى الألماني في آب/أغسطس من العام 2003.


التألق في فرايبورغ

فرض رضا نفسه بقوة في التشكيلة الأساسية للمدرب فولكر فينك منذ بداية الموسم، وبالرغم من معاناة الفريق ومشاكله العديدة إلا أن رضا كان الملهم والأمل الجديد بالنسبة لعشاق النادي الألماني، فأنقذ الفريق في العديد من المباريات خصوصا في موسمه الأول معهم، حيث سجل 7 أهداف في بطولة الدوري.
وفي مجموع عام لعب عنتر 98 مباراة مع فرايبورغ في كافة البطولات المحلية، سجل خلالها 27 هدفا، أبرزها الهاتريك في مرمى بوخوم في موسمه الأول في المباراة التي انتهت بفوز فريقه بأربعة أهداف مقابل هدفين، بالإضافة إلى هدفه الرأسي الرائع في مرمى شالكه ضمن المرحلة الأخيرة من بطولة الذهاب لموسم 2004-2005، كذلك هدفه الرائع في مرمى كايزرسلاوترن في موسم 2005-2004 والذي اختير هدف الشهر بحسب الإعلام الألماني.

هدف الشهر
https://youtu.be
/2DgoCmorVrY

وقد احتل فرايبورغ المركز الرابع عشر في أول موسم له في الأولى مع لاعبه اللبناني، لكن المشاكل عادت من جديد مطلع الموسم الجديد، فكان دوري موسم 2005 كالكابوس على الفريق الألماني، بالرغم من جهود رضا وزملائه واستبسالهم داخل الميدان، إلى أن الفريق حلّ في المركز الأخير وهبط إلى الدرجة الثانية وتمت إقالة المدرب.
وبالرغم من توقيع الفريق لعقد جديد مع المدافع اللبناني يوسف محمد، إلى أن الفريق لم ينجح في الصعود إلى الدرجة الأولى لأسباب عديدة، أبرزها التخبط الإداري والمادي، مما دفع رضا إلى ترك الفريق أواخر العام 2007.

نجومية في كولن
كان كولن يعاني الأمرين في دوري الدرجة الثانية الألماني، كما أن خط وسط الفريق كان ضعيفا جدا وبحاجة إلى لاعب قائد مشاكس يلعب بقوة وإصرار، فما كان للنادي إلى أن وقّع عقدا مع رضا عنتر بهدف العودة من جديد إلى دوري الدرجة الأولى.
ومع كولن، لعب رضا في موسمه الأول 2007-2008 46 مباراة سجل خلالها 7 أهداف أمام بوخوم وماينز وأوفيمباخ، بالإضافة إلى هدف الموسم بالنسبة للفريق الألماني بأقدام الفتى اللبناني في مرمى ويسبارن في أول موسم له مع الفريق في 23 آذار 2008. لينجح مع المدافع اللبناني يوسف محمد الذي كان قد وقع أيضا مع كولن منتقلا من فرايبورغ في قيادة الفريق إلى الدرجة الأولى بعد ثلاث سنوات من الهبوط بحلولهم في المركز الثاني برصيد 60 نقطة.

هدف الموسم

وتعتبر التجربة الإحترافية لرضا مع كولن هي الأفضل في مسيرته، كون رضا قد اكتسب الخبرة الكبيرة والفكر الكروي المميز الذي أهله ليصبح أحد أبرز اللاعبين على الساحة الآسيوية.
بعد صعود الفريق إلى الدرجة الأولى لعب رضا في الموسم الجديد15 مباريات لم ينجح في تسجيل أي هدف خلالها، فكانت المشاكل بينه وبين إدارة الفريق تزداد حدتها بسبب رغبته في زيادة الراتب الشهري بعد أن كان أحد أهم عوامل الصعود إلى الدرجة الأولى، بالإضافة إلى تفضيل المدرب كريستوف دوم للعديد من اللاعبين على رضا عنتر، لتصل المفاوضات إلى طريق مسدود وجاء العرض الصيني ليوقع رضا لشاوندوغ ليونينغ في أوائل آذار 2009.

الصين تُغري القائد
هذا ما عنونته الصحف الصينية صباح اليوم الأول من توقيع رضا لنادي شاوندوغ ليونينغ، حيث عمّت الأفراح كامل مقاطعة تيشان، فاللاعب اللبناني تاريخه يسبقه، وخبرته الكبيرة ضرورية في الدوري الصيني، وقد صرح أنذاك رضا عن سعادته الكبيرة بالحضور إلى الصين واعدا مشجعي الفريق بالظفر ببطولة الدوري بعد فترة وجيزة.
وعد رضا فوفى بوعده، بعد موسم ونصف من حضوره إلى الصين نجح في تحقيق لقب بطولة الدوري مع شاوندوغ كما لعب في بطولة دوري أبطال آسيا.
وقد لعب رضا مع الفريق الصيني 128 مباراة سجل خلالها 36 هدفا، وبقي معه من سنة 2009 حتى 2013. قبل ان ينضم سنة 2014 الى جيانغزو، مساهما” في خمسة اهداف في 29 مباراة. تلاه توقيعه لعقد جديد مع هانغزو في الموسم التالي، حيث لعب في 27 مباراة سجل خلالها هدف وحيد.

العودة الى صور
من يعرف رضا عنتر جيدا يدرك تماما انه عندما يعد يفي، ففي تصريح سنة 2003، وفي اوج عطائه في عالم الاحتراف، وعد رضا عنتر بالعودة يوما الى صفوف التضامن صور، وهذا ما حصل بالفعل، حيث انضم للفريق الجنوبي موسم 2017، ولعب 16 مباراة سجل خلالها ستة اهداف. ليختم مسيرته مع ناديه الام.

المنتخب.. افراح واتراح
لم تكن مسيرة رضا مع المنتخب الوطني مسيرة سهلة، فمعاناة المنتخب ليست وليدة صدفة أو ظرف زمني، إنما هي معاناة كبيرة منذ سنوات، فلولا انتفاضة الكرة اللبنانية بقيادة رضا وفرسان الأرز كان المنتخب اللبناني ما زال يعاني الكثير.
فعنتر منذ صعود نجمه، لعب مع المنتخبات الوطنية من شباب إلى أولمبي وصولا إلى المنتخب الأول، وقد تحدث عن أسوء لحظاته مع المنتخب الوطني، تلك اللحظة حين أعلن الحكم  نهاية مباراة لبنان وتايلاند ضمن المرحلة الثالثة من دوري المجموعات في كأس آسيا-لبنان 2000 بالتعادل الإيجابي 1-1 بين المنتخبين وبالتالي خروج لبنان من الدور الأول في البطولة التي استضافها لبنان بكامل قوته من شعب إلى دولة، لكن سرعان ما أكد رضا أن البطولة كانت درسا كبيرا بالنسبة له خدمته في كامل تجربته الإحترافية.

لعب عنتر مع المنتخب اللبناني ما بين 2000 إلى 2003 21 مباراة دولية سجل خلالها 12 هدفا، كان أبرزها أمام الفيليبين وتايلاند في تصفيات كأس العالم 2002. أما في تصفيات مونديال 2006، فقد لعب رضا في 4 مباريات، نجح في التسجيل أمام جزر المالديف في المالديف في المباراة التي انتهت لبنانية 5-2، كما سجل إيابا في بيروت في المباراة التي انتهت بثلاثية نظيفة لمنتخب الأرز، كما سجل الهدف الثاني للمنتخب في المرمى الفييتنامي في المباراة التي انتهت لبنانية بهدفين نظيفين.
وقد سجل رضا عنتر هدف المنتخب الأول في مرمى الهند ضمن الدور التمهيدي للتصفيات الآسيوية المؤهلة إلى مونديال جنوب أفريقيا 2010 في المباراة التي انتهت 4-1 للبنان.
ولعل تألق عنتر لبنان قد وصل لذروته مع المنتخب الوطني في التصفيات المؤهلة إلى مونديال البرازيل 2014، حيث أصبح الحلم حقيقة، وبالعزيمة والإصرار كاد ان حمل لبنان لتحقيق الحلم الكبير، فكان البداية أمام الإمارات في الدور الثالث للتصفيات، بهدف رأسي في المباراة التي فاز بها لبنان بثلاثة أهداف لهدف، بالإضافة إلى هدفه في مرمى إيران ضمن الدور الحاسم للتصفيات بكرة رأسية هزت الشباك الإيرانية وهزت معها كامل لبنان من شماله حتى جنوبه، هزت شعباً هتف باسم القائد، وهو الذي يملك 78 مباراة دولية سجل خلالها 20 هدفا متربعا على عرش صدارة الهدافين الدوليين.

رضا عنتر، هذا الفتى اللبناني الذي حمل على أكتافه أمل شعب كاملا ملّ الحروب والويلات ويبحث عن متنفسه الوحيد داخل الساحرة المستديرة مسيرته تتحدث عنه، تنصفه، تباركه، تثبت انه كان من اعمدة الكرة اللبنانية، رضا جماهيرها وعنتر ملاعبها.

أجواء برس

“أجواء” مجموعة من الإعلام العربي المحترف الملتزم بكلمة حرّة من دون مواربة، نجتمع على صدق التعبير والخبر الصحيح من مصدره، نعبّر عن رأينا ونحترم رأي الآخرين ضمن حدود أخلاقيات المهنة. “أجواء” الصحافة والإعلام، حقيقة الواقع في جريدة إلكترونية. نسعى لنكون مع الجميع في كل المواقف، من الحدث وما وراءه، على مدار الساعة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى