الخليج العربي… بحيرة سلام وتعايش

بقلم محمد حسن العرادي – البحرين

منذ أن انتصرت الثورة الإسلامية في إيران فبراير 1979 ونتج عنها تأسيس الجمهورية الإسلامية في ايران، بدأت أمريكا تحاصرها وتحشد الأساطيل الحربية والقواعد العسكرية ضدها، انتقاماً لسقوط الشاه محمد رضا بهلوي عميلها ووكيلها في المنطقة، وحتى تضمن عدم استقرار النظام الجديد وظفت كافة وسائطها وتقنيتها الإعلامية لشيطنتها واستهدافها واحاطتها بالشكوك والعدوانية، تارة عبر اثارة الخلافات الدينية مع دول الجوار وأخرى عبر تاجيج الصراع الجغرافي والسياسي، متخذة من مواقف إيران المعادية للكيان الصهيوني حجة لإستهدافها ومعاداتها، وهكذا تستمر أميركا في الادعاء بأن ايران هي السبب الرئيسي لعدم إستقرار منطقة الشرق الأوسط، خاصة بعدما قامت إيران بدعم حركات المقاومة الإسلامية في فلسطين ولبنان لمقارعة الاحتلال الصهيوني الغاشم، الأمر الذي فاقم الأزمة بين أمريكا الواقعة تحت سطوة اللوبي الصهيوني وإيران المعادية للكيان، وقد جعل منها ذلك الواجهة الأكثر وضوحاً لهذا الصراع الوجودي بين قوة إسلامية إقليمية صاعدة، وقوة دولية إمبريالية متوحشة بلغت الذروة وآن لها أن تسير على طريق الأفول كغيرها من الإمبراطوريات التي سادت ثم بادت.

ودون ريب فإن ملابسات الإدعاءات الإيرانية في تبعية البحرين لها بشكل متكرر، قد أضفت على المنطقة الكثير من أجواء الاحتقان والتوتر فترة من الزمن، وتسبب ذلك في تعقيد العلاقات العربية الايرانية، وقد آن لهذا الملف أن يغلق إلى الأبد بشكل يلبي مصالح أهالي المنطقة، فالمواطنين البحرينيون قالوا كلمتهم الحاسمة في موضوع إستقلال البحرين والاعتزاز بها كدولة ذات سيادة كاملة، لهذا أصبحت هذه الادعاءات ماضٍ وانتهى الى الأبد، ولم يتبقى سوى معالجة الخلاف العربي الايراني على الجزر الثلاث (أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى) بالحوار أو القبول باحالة الملف إلى المحكمة الدولية، ودون شك فإن هذين الملفين السياسيين كانا من مخلفات الإرث الاستعماري البريطاني في المنطقة القائم على سياسة (فرق تسد ) وزرع الفتن، حيث دأبت بريطانيا على زرع المشاكل الحدودية العالقة في كافة المناطق التي إستعمرتها، وهي سياسة اتبعتها المملكة المتحدة لضمان استمرار حاجة تلك المستعمرات القديمة لها ولنفوذها السياسي وتواجدها العسكري، كما فعلت في فلسطين المحتلة حين قررت إنهاء الانتداب عليها مايو 1948 بعد أن زرعت “اسرائيل” على أرضها ورعتها حتى ضمنت لها الهيمنة واليد العليا.

وها نحن نعاني الأمرين من إستمرار نزيف الدم والأموال والسيادة بسبب إصرار أمريكا ومن خلفها “إسرائيل” على إشعال مياه الخليج العربي وإشغال شعوبه ودوله بالحروب والدمار والتوتر العسكري، فهذه المنطقة لم تعرف الهدوء والسلام منذ أن أشعل الأمريكان فتيل الفتنة العرقية والمذهبية بين العراق وإيران ما أدى إلى اندلاع حرب شعواء طاحنة دامت ثماني سنوات حرقت الأخضر واليابس ودمرت إقتصاد البلدين الجارين المسلمين، واسفرت عن مئات الآلاف من القتلى والجرحى، تلك الحرب العبثية التي شنها العراق في 22 أيلول سبتمبر 1980 واستمرت حتى 7 كانون الأول ديسمبر 1988، ثم جاء الاجتياح العراقي الغاشم لدولة الكويت الشقيقة في 2 أغسطس 1990، وما نتج عنه من حشود أمريكية ودولية لتحرير الكويت، الأمر الذي وضع المنطقة تحت رحمة القواعد الأمريكية العسكرية منذ ذلك الحين وإلى الآن، ثم قاد إلى شن حرب أميركية مدمرة ضد العراق بحجة (أكذوبة) إمتلاكه أسلحة الدمار الشامل، أسقطت حكومته في 8 أبريل 2003 وقضت على كل مقدراته وإمكاناته وصادرت ثرواته وسيادته.

ولم تكتف أميركا بذلك بل واصلت زعزعة الاستقرار والأمن والسلام في المنطقة فأنشأت داعش وأخواتها من التنظيمات الإرهابية خلفاً لتنظيم القاعدة ودعمتها بالمال والسلاح والعتاد لتشعل فتيل الحروب الفئوية التي أسالت الدماء وحولت الشعوب إلى شراذم من طوائف تتربص ببعضها البعض، وأطلقت العنان لعمليات القتل والتصفيات الطائفية والمذهبية، واستهدفت خصوصاً الأقليات والإثنيات التي تشكل جزءً من فسيفساء المجتمعات العربية منذ مئات السنين، ومرة أخرى تستغل أمريكا سياستها الخبيثة (الفوضى الخلاقة) التي ابتكرتها ورعتها وأشعلتها خدمة (لإسرائيل) من خلال عسكرة المنطقة وتفكيك دولها وخاصة عندما أطلقت ثوراتها الملونة البائسة او (ما سمي بالربيع العربي) مع نهاية العام 2010 لتدمر ما بقي من قوة الجيوش والأنظمة العربية، وقاد ذلك إلى اضعاف مصر وزعزعة مكانتها الكبرى وإثقال كاهلها بالديون، وتفكيك ليبيا وضياع سوريا وإشغال تونس والجزائر بمشكلاتها الداخلية والعمل على تقسيم اليمن بعد اسقاط حكومته المركزية، فضلاً عن تقسيم السودان و إشعال الحروب الأهلية بين مكوناته، وهكذا ابتليت بقية الدول العربية بانكساراتها ولملمة جراحاتها ولازالت.

إنها الفتنة الأميركية التي إنطلقت لتفتيت المنطقة وتفكيكها واضعاف دولها حتى تصبح “إسرائيل” السيد الأوحد خدمة للمصالح الصهيوأميركية الاستعمارية، واليوم يتم التحشيد لإشغال دول الخليج العربي من جديد، من خلال تشديد الحصار ضد إيران والتهديد باستهدافها عسكريا، من أجل أن تشتعل مياه الخليج العربي وتزداد العداوات بين ضفتيه الشرقية والغربية خدمة لمصالح “اسرائيل” التي لن تكتفي بفرض سيادتها السياسية والعسكرية على دول وشعوب المنطقة، بل ستباشر في تحقيق حلمها التلمودي الخبيث بإقامة “إسرائيل” الكبرى من النيل إلى الفرات، ودون شك فإن إيران الآن تشكل العقبة الأكبر وحائط الصد أمام تحقيق هذا الحلم الصهيوني، الأمر الذي يفرض البحث عن حلول ومبادرات تسحب فتيل الحرب الأمريكية الايرانية، والإستعاضة عنها بتقوية العلاقات العربية الايرانية.

المطلوب الآن من إيران وكافة الحكومات العربية المبادرة إلى سحب الذرائع الأميركية التي تسعى إلى إشعال المزيد من الحروب في المنطقة، والعمل على تحويل الخليج العربي الى بحيرة سلام وتعايش بين شعوب المنطقة، وتكريس المحبة والوئام والانشغال برؤى التنمية المستدامة التي تؤمن المستقبل الآمن لأبنائهم، بعيداً عن الانخراط في المشروع الأميركي الصهيوني الشيطاني الذي يعمل ليل نهار على تدمير الانجازات الحضارية الكبيرة التي حققتها دول المنطقة، وما الإعلان عن إستهداف المشروع النووي الإيراني سوى الذريعة الشيطانية لتحقيق هذا التدمير الشامل، وهنا يجب القول بأن على إيران الالتزام بدعم استقرار دول المنطقة ووقف أي اجراءات تزعزع الإستقرار في الدول العربية المجاورة، كما أن المطلوب من دول المنطقة الدخول في حوارات مباشرة لترسيخ التفاهم والعمل المشترك بين ضفتي الخليج العربي، وتعزيز العلاقات التاريخية بينها فمتى يتحقق هذا الحلم.

أجواء برس

“أجواء” مجموعة من الإعلام العربي المحترف الملتزم بكلمة حرّة من دون مواربة، نجتمع على صدق التعبير والخبر الصحيح من مصدره، نعبّر عن رأينا ونحترم رأي الآخرين ضمن حدود أخلاقيات المهنة. “أجواء” الصحافة والإعلام، حقيقة الواقع في جريدة إلكترونية. نسعى لنكون مع الجميع في كل المواقف، من الحدث وما وراءه، على مدار الساعة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى