مفاوضات واشنطن ـ طهران لم تصل إلى مسقط من العدم!

كتب جورج شاهين *

نجح الرئيس الأميركي دونالد ترامب في إلهاء العالم بحروبه الاقتصادية والجمركية، قبل أن يكشف عمّا حققته المفاوضات النووية مع إيران. وهو من قَصَد أن يشهد رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو في اعتباره «شريكه الأول»، إعلانه عن إنجازاته النووية.

على وقع سلسلة المفاجآت التي أطلقها ترامب تتّجه الأنظار إلى سلطنة عمان اليوم لمعرفة أولى المؤشرات التي يمكن أن تنضح بها المفاوضات الأميركية ـ الإيرانية، بعدما تمّ رفعها إلى أعلى المراتب الديبلوماسية، وسط معلومات تسرّبت من قنوات رفيعة قالت إنّ شيئاً كبيراً قد تحقق، وآن أوان الكشف عنه، ترجمةً لتفاهمات تنبئ بقرب ولادة نسخة من اتفاق جديد على الملف النووي الإيراني بديلاً من اتفاق تموز 2015 بعد 10 سنوات على ولادته و7 أخرى على تجميده.

وبعيداً من مسلسل الروايات والتحليلات التي أُطلقت في الأيام الأحيرة على أكثر من مستوى محلي وإقليمي ودولي، وراوحت بين التأكيد انّ من يتوقع او يراهن على خطوات متقدّمة على طريق المفاوضات الأميركية ـ الإيرانية، سيتعّرض لصدمة كبيرة، في مقابل من يلمح إلى انّ اللحظة قد حانت للكشف عن مجموعة من التفاهمات التي تمّ التوصل إليها بين الطرفين بعيداً من عيون الحلفاء والخصوم على حدّ سواء، وهو ما يؤدي إلى تفسير حجم الصدمة التي أصيب بها نتنياهو في لقائه الأخيرمع ترامب في واشنطن.

وفي تفسير أولي لمجموعة ترجيحات مداولة بنيت على كثير من الرغبات والأمنيات التي عبّر عنها المنقسمون بين النقيضين، قالت تقارير ديبلوماسية إنّ غالبيتها بُنيت قياساً على مواقف ومصالح اصحابها ومطلقيها. فالسنوات القليلة الماضية التي رعى فيها الرئيس الأميركي الاسبق جو بايدن المفاوضات المتعددة الجنسية مع إيران، لم تفض إلى أي نتيجة إيجابية، ليس لسبب سوى انّ طهران لا ترغب في إقفال أي من أشكال الخلافات مع واشنطن مع غير من جمّد الاتفاق وألغى المكتسبات التي يمكن ان تجنيها بدءاً من السنة الجارية، بإطلاق برامجها الصاروخية. فمن يعود إلى بنود ذلك التفاهم الذي أُنجز منتصف تموز 2015 كان في نهاية عهد باراك اوباما، قبل أن تشاركه دول اخرى من مجموعة الـ (5+1) التي غلّفته بغشاء أممي رقيق نزعه ترامب بشحطة قلم عام 2018، معبّراً عن رفضه ما سمّاه مجموعة التنازلات التي قدّمها أوباما وإدارته الديموقراطية للإيرانيين.

ولمن يعود إلى تلك اللحظة يدرك ان ترامب وادارته الجمهورية كانا يدركان ما تحقق على مستوى الإنجازات النووية الإيرانية، وانّ المخاوف لم تكن ناجمة عن حجم التخصيب، فقد كانت بعيدة كل البعد من بلوغ المرحلة التي يمكن إيران أن تمتلك فيها القنبلة النووية، وانّ التقارير الاستخبارية التي أُعدّت في تلك الأيام لم تلحظ خطراً نووياً بمقدار ما بنت مخاوفها على بعض البنود التي تضمّنها الاتفاق والتي تطلق يد الإيرانيين في ملف الصواريخ البالستية العابرة للقارات في خلال عشر سنوات، وهي مهلة كانت ستنتهي في تموز المقبل، وهو أمر لم يتقبله ترامب اعتقاداً منه أنه ليس هناك من منافس في انتخابات العام 2020، وأنّه لا بدّ من إقفال مصدر القلق الذي عبّر عنه بقرار اتخذه من جانب واحد في منتصف ولايته السابقة، إلى ان يقضي الله امراً كان مفعولاً.

ولما جاءت إدارة بايدن بقي ترامب على موقفه من ضرورة نسف الاتفاق النووي الإيراني من اساسه، وعدم اقتصاره على ما يمكن ان تنتجه المواقع النووية الإيرانية من أعمال التخصيب، وخصوصاً بعدما جاءت الاغتيالات لتطاول مؤسسي البرنامج الى ان بلغت في بداية عهد بايدن رأس «أبو القنبلة النووية الإيرانية» محسن فخري زادة قرب طهران في 28 تشرين الثاني 2020، في عملية معقّدة لم تُفك رموزها بعد، وهو ما زاد من التعقيدات التي واجهت إدارة بايدن في تحقيق اي تقدّم على هذا المستوى. ولما عاد ترامب إلى البيت الابيض لم يعلق اي اهمية على ما حققته الادارة السابقة من تقدّم في المفاوضات التي توزعت بين فيينا وسلطنة عمان وعواصم مختلفة لا تخطر على بال أحد، كما تسرّب من تقرير ديبلوماسي نهاية الصيف الماضي.

على هذه الخلفيات، رفع ترامب لهجة الاتهامات لسلفه في بداية المعركة الانتخابية الرئاسية الاخيرة قبل ان تنتقل المواجهة مع نائبته كامالا هاريس مستنداً في معركته لرفع مستوى المواجهة مع الديموقراطيين وقصورهم عن إدارة ملف بهذه الاهمية وفقدان القدرة على مواجهة هذه العقدة، فكانت لهجته عالية منذ اللحظة الاولى للاستثمار في حروب غزة ولبنان واليمن وتوجيه اي انجاز يمكن تحقيقه، وكأنّه يمهد للوصول الى ايران بأسرع ما يتوقعه احد. ذلك انّ الادارة السابقة تجاهلت نصائح عدة قالت بأنّه سيكون من الأسهل لإنهاء الحروب مع اذرعها ان اصيبت طهران مباشرة او احست بأنّ المخاطر اقتربت من اراضيها، مستثمراً في نموذج الضربات الإسرائيلية التي استهدفتها في خريف العام الماضي ولم تردّ عليها حتى اللحظة.

وليس خافياً على احد، انّ 100 طائرة إسرائيلية نفّذت تلك العملية، وعادت سالمة الى قواعدها بعدما اطاحت بكل القواعد العسكرية المضادة للطائرات في طريق توجّهها وعودتها من وإلى الاراضي الايرانية واليها عبر أجواء العراق وسوريا. وما زاد من صلابة موقف ترامب كان قطع طريق طهران – بغداد – دمشق فبيروت بإسقاط نظام الرئيس بشار الأسد والغارات الإسرائيلية التي اقفلت المعابر الحدودية بين سوريا ولبنان، ما زاد من حجم الضغوط على ايران، محيداً تل أبيب عن العمليات العسكرية التي باشرها ضدّ اليمن لينفرد بالمواجهة الاخيرة مع طهران فكانت اقصر الطرق لإستدراجها الى المفاوضات في شكلها المتوقع اليوم في سلطنة عمان.

ومن دون الغرق في كثير من التفاصيل التي تناولتها تقارير ديبلوماسية، فقد أشار بعضها الى ان ما انجزه التعاون بين الآلتين الديبلوماسية والعسكرية الاميركيتين قاد الى الانجاز الذي أراده ترامب في بداية عهده، بعدما الهى العالم ببرامجه الاقتصادية والعقارية والجمركية ومسلسل العقوبات التي استهدفت دولاً عدة لإبعاد الانظار عمّا حققه في مفاوضاته النووية مع ايران، الى ان بلغت النتيجة المتقدّمة التي لم يكن يتوقعها اقرب الحلفاء لواشنطن، فيما كان ترامب وفريقه الضيّق ينتظر تلك اللحظة ويحصي دقائقها الى ان دعا فيها شريكه الأكبر نتنياهو في مرحلة من المراحل ليكون الشاهد الأول على هذا الانجاز.

وفي انتظار ما ستشهده مسقط بدءاً من اليوم، لا يتوقع التقرير الديبلوماسي تأخيراً في إعلان المبادئ الاساسية التي تحققت للتوسع لاحقاً في ما سيتضمنه الاتفاق، بعدما رفعت إيران من تمثيلها الديبلوماسي على مستوى وزير خارجيتها، بمعزل عمّا سيكون مصير الحلفاء في غزة واليمن وسوريا ولبنان والبحرين. فأسطورة وضع اليد على عواصم عربية عدة انتهت، وما هي الّا اسابيع او اشهر حتى تظهر النتائج تباعاً على مسرح «محور الممانعة» الواسع، مصحوبة بإنكار ايران لمسؤوليتها عمّا أصابه من انهيارات كانت بنداً غير معلن من بنود الاتفاق النووي الإيراني وثماره.

* المصدر: الجمهورية

أجواء برس

“أجواء” مجموعة من الإعلام العربي المحترف الملتزم بكلمة حرّة من دون مواربة، نجتمع على صدق التعبير والخبر الصحيح من مصدره، نعبّر عن رأينا ونحترم رأي الآخرين ضمن حدود أخلاقيات المهنة. “أجواء” الصحافة والإعلام، حقيقة الواقع في جريدة إلكترونية. نسعى لنكون مع الجميع في كل المواقف، من الحدث وما وراءه، على مدار الساعة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى