
يوم الأربعاء الأسود في عراد – 1
بقلم محمد حسن العرادي – البحرين
بينما كانت عقارب الساعة تقترب من 7:45 مساء يوم الأربعاء 12 فبراير 2025، كانت أجواء قرية عراد تسير بهدوء كالمعتاد في مثل هذه الأوقات الشتوية من شهر فبراير/ شباط مع قليلٍ من البرودة التي تسري داخل الجسد فتترك ارتعاشة خفيفة منعشة، مع قليلٍ من زخات المطر التي أخذت تبلل الطرقات والشوارع والمارة، وكأنها تغسل هذا الجو الموبوء بكثير من الغبار والجراثيم العالقة في ذراته، كانت الإستعدادات للاحتفال بمولد الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف في الليلة التي تسبق النصف من شعبان (الناصفة الشعبانية) على قدم وساق، وشعور جميل من الفرحة والبهجة ينتشر في أجواء القرية فيسكن نفوس المواطنين أملاً بغدٍ جميل ومستقبل أفضل، كانت الأضواء المنبعثة من مصابيح الطرقات والبيوت تنعكس على الطرقات المبتلة بماء المطر فترسم أقواس قزح صغيرة متناثرة في زوايا المكان، وتشكيلات جميلة من الزينة الملونة المثبتة على واجهات المنازل المصفوفة على جوانب الأرصفة المتوزعة على جوانب الشوارع الصغيرة، تمتزج مع بعض أبواق السيارات العابرة فتكسر الصمت بضجيج المحركات النافثة للدخان والملوثات.
وبينما كان سكان هذه القرية من المواطنين والمقيمين مشغولون بأنفسهم وتفاصيل حياتهم البسيطة، إذا بصوت دوي إنفجار كبير يهز أرجاء القرية ويدخل الفزع والخوف والاضطراب إلى قلوب الجميع، لحظات من الهلع والارتجاجات التي أصابت كل شيء في القرية وما جاورها من أحياء سكنية في مدينة عراد، حتى أن صوت الانفجار تجاوز الحدود فوصل إلى المدن المجاورة في الحد والمحرق والبسيتين، دوي لم يعتاده الأهالي، رغم أن القرية على مرمى حجر من مطار البحرين الدولي، حيث هدير الطائرات المختلفة الأحجام والأوزان يهز المنطقة طوال الوقت وهي تهبط أو تغادر من على مدرج المطار، لكن دوي الإنفجار هذه المرة كان أكبر وأشد ضجيجاً وإزعاجاً.
على الفور تحولت شوارع وطرقات مدينة عراد إلى هادر بشري غطى المكان يتلفت ذات اليمن والشمال بحثاً عن مصدر هذا الانفجار الكبير، أطفال ورجال ونساء وشيوخ وشباب يخرجون من بيوتهم ومحلاتهم في مشهد لم نعتده من قبل، كل واحد منهم يتحرك بأسرع ما يستطيع ليعرف ماحدث، هرج ومرج وجري وتسارع خطى، كانت كلها تتجه إلى الزاوية الشرقية الشمالية من جامع الإمام علي أمير المؤمنين، شمال حسينية الحاج عباس العرادي، لم يتوقع أحد ماحدث، لكن غريزة البقاء دفعت الجميع إلى التوافد لتلك الناحية القريبة من الشارع العام (شارع رقم 29) الذي يخترق مدينة عراد ويفصل بين قريتها وأحياء الإسكان فيها بحثاً عن الأمان.
عندما وصلنا إلى حيث مركز الانفجار كان المشهد رهيباً، شعر الجميع وكأن جزءاً مما حدث في غزة هاشم أو جنوب لبنان والضاحية الجنوبية لبيروت من دمار ونسف للبيوت والبنى التحتية وتدمير للسيارات قد نُقل إلى قرية عراد على الهواء مباشرة، مشهدٍ رهيب حقيقي جسده ذلك الانفجار، بيت من طابقين سقط في لحظة بشكل شبه كامل، وكأن صاروخاً موجهاً أصاب أساساته فأطاح بها إلى الأرض فوراً، وأصبح بعض جدرانه متعلقة ببعض أسياخ الحديد المهترئة التي لا زالت تقاوم رافضة التخلي عن هذه الأحجار الاسمنتية التي رافقتها طيلة أكثر من أربعة عقود، بعض الجدران المنهارة إستندت على ما بقي صامداً من الجدران الأخرى، وكأنها تحتضنها وتودعها قبل أن تلفظ أنفاسها الأخيرة.
يا إلهي لقد إنهار هذا البيت الذي أعرفه جيداً من أيام الصبا والشباب، هنا كان بيت عمي الحاج جعفر رحمه الله، حيث كنا نسرح ونمرح مع أبناء عمنا الأحبة وأقراننا من أبناء القرية بداخله وبين غرفه البسيطة، قبل أن تفرقنا التزامات الحياة وشواغلها، وقبل أن ينتقل كل منا إلى مسكنه الخاص مع أسرته الجديدة، داخل أو خارج القرية، وقفت مشدوها وأنا أنظر إلى الغبار يتطاير من الركام المتكوم داخل حدود المنزل، بعض الدخان كان لايزال ينبعث من بين الأحجار والقواعد الاسمنتية، أسئلة كثيرة بدت تتداعى بشكل سريع، وتبحث عن أجوبة تشفي الغليل، وبينما أنا كذلك لمحت أبناء عمي وبعض أحفادهم يحومون في محيط منزلهم المدمر، تعلوا وجوههم الحسرة والألم على ذكريات بنوها وعاشوا معها في هذا البيت الذي استحال الى عدم وركام في ثوان معدوده، يساورهم القلق والهواجس على من كانوا يقطنون هناك من بعض العمالة الوافدة، ومن كانوا متواجدين بداخل المحلات الموجودة أسفل المبنى من عاملين وزبائن.
وشيئا فشيئا بدأت تتضح ملامح المأساة الكارثة المفجعة التي لم يسبق لها مثيل في مملكة البحرين، الكارثة تفصح عن فصول تراجيدية مؤلمة، فلقد تبين بأن أحد المحلات (صالون حلاقة رجالي) كان لحظة الانفجار مضاءً ويعمل كالمعتاد في ذلك الوقت من المساء لتقديم خدماته للسكان، وقيل إن بداخله حلاق آسيوي وعدد من الزبائن الذين جاؤا لقدرهم المحتوم، بدأ اللغط يزداد ومعه يرتفع منسوب الخوف على من هم بداخل الصالون، خاصة بعد أن تأكدنا أن جميع العمال الساكنين في المبنى في الدور العلوي كانوا خارجه وقت الانفجار، ماذا حدث بعد ذلك، للقصة بقية ..