عشرات آلاف الأصناف تكرّس إبداع المطبخ اللبناني!

عندما يُذكر المطبخ اللبناني، يُذكر معه فن الطهي الراقي، الذي يجمع بين اللذة والصحة، وبين الأصالة والابتكار. فهو ليس مجرد مجموعة من الأطباق، بل حكاية ترويها نكهات عريقة تناقلتها الأجيال، تمتدّ من أطباق المشاوي المتبّلة بدقة، إلى المازات الشهية والمخبوزات الطازجة. لم يكن هذا المطبخ يوماً مجرد عنصر من عناصر الهوية اللبنانية، بل أصبح سفيراً عالمياً يجوب المطابخ الراقية والمطاعم الفاخرة في مختلف أنحاء العالم.

 

وفي ظل الأزمات الاقتصادية والسياسية التي شهدها لبنان منذ عام 2019، وصولاً إلى الحرب “الإسرائيلية” الأخيرة التي استمرت شهرين من الاشتباكات والقصف المكثّف على الأراضي اللبنانية، لم يُهزم هذا القطاع الحيوي.

فعلى الرغم من الدمار والإنهاك الذي خلّفته الحرب، استطاعت المطاعم والمقاهي اللبنانية النهوض من تحت الرماد، لتعيد رسم المشهد الاقتصادي وكأن شيئاً لم يكن. وقد جاء انتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل الحكومة ليعزز مناخ الاستقرار النسبي، ما أعطى دفعة قوية للقطاع السياحي والمطاعم، لتستعيد بريقها في فترة قياسية.

نقابة في مستوى المسؤولية!

من جهة أخرى، لطالما كانت نقابة أصحاب المطاعم و “الباتيسري” الداعم الأساسي لهذا القطاع، إدراكاً منها لدوره المحوري في الاقتصاد اللبناني، حيث يعتمد أكثر من 90% من اقتصاد البلاد بشكل مباشر أو غير مباشر على هذا المجال، سواء من خلال المطاعم التقليدية أو المطابخ الفاخرة أو حتى قطاع الضيافة.

كما أنها عملت دائماً على الحفاظ على معايير الجودة والسلامة العامة، مما جعل المطاعم اللبنانية وجهة مفضلة للسياح والمقيمين على حدّ سواء.

الشاورما اللبنانية “عالمية”!

وبينما كان القطاع يخطو خطواته الأولى نحو التعافي، جاء تكريم جديد ليؤكد مكانته العالمية: الشاورما اللبنانية تحصد لقب أفضل سندويش في العالم. فقد اختار موقع TasteAtlas الشهير الشاورما اللبنانية، لتتصدر قائمة أفضل 100 ساندويش في العالم، بعد حصولها على تقييم 4.6 من أصل 5، متفوقةً على جميع أنواع الساندويشات العالمية، ومتجاوزة حتى الدونر التركية التي حلّت في المركز الثالث.

 

من جهته، يقول نائب رئيس نقابة اصحاب المطاعم والملاهي و”الباتيسري” السيد خالد نزهة، لـ “الديار”، تعليقًا على تربع لبنان على عرش أفضل سندويش شاورما في العالم: “تفوق اللبنانيين لا يقتصر على الشاورما فحسب، بل يتجلى في مختلف الأصناف التي يبدع بها المطبخ اللبناني، إذ يتميّز بتنوعه الفريد في المنطقة والعالم.

فمن لا يستمتع بالمازة اللبنانية الصحية ، التي تحرص معظم المطاعم على تقديمها للذوّاقة والزبائن عمومًا، نظرًا لأهميتها وتعدد أصنافها التي تصل إلى نحو 50 طبقًا مختلفًا؟ المطبخ اللبناني ليس مجرد مجموعة من الأطباق، بل هو انعكاس لتراث غني، يجمع بين النكهة والجودة والهوية الثقافية، ما يجعل اللبناني رائداً في الكثير من الأصناف، وليس في الشاورما وحدها”.

ويكشف عن جانب مهم جداً في القطاع المطعمي، حيث يشير إلى أن “لكل منطقة في لبنان مطبخها الخاص، مما يعزز التنوع الفريد لهذا التراث”. ويقول: “في الجنوب، البقاع، الشمال، والعاصمة بيروت، لكل منطقة بصمتها الخاصة في عالم الطهو، حيث تشتهر بأطباق مميزة تعبّر عن هويتها. على سبيل المثال، نجد الصفيحة البعلبكية التي تتميز بطعم خاص، والكبة الزغرتاوية والنبطية والزحلاوية، حيث تختلف طريقة تحضير كل منها عن الأخرى. وهناك أيضا أطباق أصيلة مثل “الفراكة” و”الكبة بالجبن”، مما يعكس غنى المطبخ اللبناني وتنوعه الواسع”.

 

أيقونة عالمية

ويضيف “المطبخ اللبناني لا يتفرد فقط بتنوعه، بل أيضا بقيمة مكوناته الغذائية والصحية، حيث يعتمد على مواد طازجة وطبيعية، بدءاً من الحبوب والخضراوات، إلى زيت الزيتون والتوابل الشرقية الفريدة”.

ويؤكد نزهة ان “الإبداع اللبناني لا يقتصر على الطعم، بل يمتد إلى كل مراحل التحضير، من اختيار المكونات، مرورا بطريقة الإعداد، وصولا إلى تقديم الطبق الذي يجمع بين اللذة، الفوائد الصحية والجمالية في التزيين. فمن منا لا يعشق الحمص اللبناني الذي أصبح أيقونة عالمية تعكس أصالة المطبخ اللبناني”؟

وينوّه نزهة في الختام الى ان “المطبخ اللبناني لا يعد فقط مصدر فخر للبنانيين فحسب، بل أصبح اليوم أحد أبرز ممثلي الثقافة اللبنانية على الساحة العالمية، حيث يمتاز بتنوعه الكبير وجودته الاستثنائية، التي جعلته يحقق شهرة واسعة خارج حدود لبنان. من الشاورما الشهيرة إلى المازة الصحية المدهشة، يقدّم المطبخ اللبناني طيفا واسعا من الأطباق التي تجمع بين الطعم الشهي والفائدة الصحية. هذا الامتياز لا يقتصر فقط على الأصناف التقليدية، بل يمتد ليشمل طريقة التحضير، التي تعتمد على المواد الطازجة والصحية، إضافة إلى الأساليب الإبداعية في التنسيق والتقديم”.

في الخلاصة، إن المطبخ اللبناني اليوم يتجاوز حدود لبنان، ليكون علامة ثقافية وتجارية مميزة. فقد استطاع تصدير مذاقه الفريد إلى الأسواق الأوروبية والعالمية والعربية. وتنتشر المطاعم اللبنانية الآن في العديد من البلدان، مما يعكس النجاح الكبير لهذا المطبخ في جذب الأذواق العالمية. كما أن العديد من المنتجات اللبنانية الشهيرة، مثل الحمص والفلافل، أصبحت

جزءا من حياة الناس في مختلف أنحاء العالم. وبالتالي، لا يظهر المطبخ اللبناني فقط المذاق الرائع، بل يدل أيضا على الهوية اللبنانية بثرائها وتنوعها.

تأتي هذه النجاحات العالمية كنتيجة طبيعية لإصرار نقابة أصحاب المطاعم والباتيسري على دعم هذا القطاع الحيوي، الذي يعد أحد الأعمدة الأساسية للاقتصاد اللبناني. في ظل الظروف الصعبة التي مر بها لبنان، استمر هذا القطاع في الصمود والتطور، ليحقق لبنان اليوم مكانة مرموقة في عالم الطهو. إن تميز المطبخ اللبناني، بمكوناته الصحية وأطباقه المتنوعة، هو شهادة حية على قدرة هذا القطاع على التكيف والازدهار حتى في أصعب الأوقات، كما يبين أيضا استدامة العلامات اللبنانية في استحواذ مكانة عالمية تليق بإبداعها وتفردها.

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى