هل تكون العقوبات البديلة بوابة للحل السياسي – 3

بقلم محمد حسن العرادي- البحرين

سألني أحد المتابعين لمقالاتي ضمن هذه السلسلة عن المبررات التي أسوقها للفصل بين السجناء السياسيين والسجناء الجنائيين من حيث تطبيق العقوبات البديلة والسجون المفتوحة، وقد جعلني تساءله أنتبه لأهمية التأكيد على أن الفئتين المذكورتين من السجناء هم مواطنون بالدرجة الأولى، وأنهم جميعاً يستحقون الحصول على فرصة ثانية وبداية جديدة، وأن جميعهم لديهم أسر وعوائل وأصدقاء ومحبين يشتاقون إليهم، وأن من حقهم جميعاً الفرح بالإفراج عنهم، وأن الدولة تنظر لهم كأبنائها الذين عليها العمل على استيعابهم واحتضانهم واحتوائهم، بل والتفاهم معهم والتوصل وإياهم إلى حالة من المصالحة والتسويات، مهما بدت الأسباب التي أودت بهم إلى السجن مختلفة.

فإذا كان السياسيون منهم قد إختلفوا مع الدولة في الرؤى التي يحملونها حول شكل الإصلاح السياسي ومستوى الحريات التي يجب أن يتمتع بها المواطنون، ولجأوا إلى أساليب اعتبرت الدولة بعضها خارج عن المألوف ومخالف بل ومجّرم بحكم القانون، فإن السجناء الجنائيين تعاملوا مع المجتمع ومؤسسات الدولة من زاوية الإنصاف والعدالة الاجتماعية وتوفير المستويات المعيشية الملائمة، وربما لجأوا إلى المخالفة لأنهم لم يجدوا ما يسد جوعهم أو يكفي حاجتهم، أو دفع الطمع والجشع بعضهم لإرتكاب الأفعال التي يجرمها القانون نتيجة فهم مغلوط لدور الدولة في الرعاية وتوفير الحماية والرعاية الاجتماعية، فتعرضوا للعقاب الذي يقره القانون أيضاً، وفي الحالتين فإنهم في نظر الدولة قد إرتكبوا ما يستوجب السجن.

ولأن واجب الدولة هو أن تنظر لأبنائها من منظور إصلاحي يستوعبهم جميعاً ويعالج الاختلالات السياسية والاجتماعية، فإنها لجأت للبحث عن الحلول الإستثنائية التي تستطيع من خلالها إجراء المراجعات اللازمة لتقويم الأحكام الصادرة بحق هؤلاء وأولئك، من هنا جاءت فكرة العقوبات البديلة والسجون المفتوحة، التي توازن في نظر الدولة بين الحزم والرحمة وبين الضبط والربط والتسامح والتسويات، الأمر الذي دفع الدولة إلى ممارسة كل هذه المرونة التي يوفرها قانون العقوبات البديلة والسجون المفتوحة لإغلاق هذا الملف المؤذي للجميع.

وإذا كنا جميعاً نطمح لأن تتوسع الدولة في تطبيق العقوبات البديلة على المحكومين فتنهي ملفاتهم بأقل ما يمكن من خسائر ومعاناة، فإننا ندرك أهمية مراعاة بعض الفوارق بين السجناء، ونعتقد بأن الدولة قادرة على مراعاتها والإلتفات إليها، بل والتعامل معها بطريقة إستثنائية لإغلاق كل ما من شأنه أن يفاقم أو يطيل فترة المعاناة للعدد الأكبر من السجناء المحكومين بتهم سياسية أو الصدام مع الدولة سواء كان هذا الصدام لينا أو عنيفاً، الأمر الذي يجعلنا نطالب بالإسراع في إغلاق الملف السياسي المرتبط بأزمة فبراير 2011، خاصة ونحن على أعتاب الذكرى الخامسة عشر لذلك الحدث الذي أقلق المجتمع البحريني بكافة فئاته ومكوناته، ولنا أن نأخذ بعين الإعتبار بعض الفوارق كالتالي:

أولا ً:السجناء السياسيين:
1- لقد قضى هؤلاء السجناء أكثر من 12 عاماً معاً، وهم يعتمدون على بعضهم البعض ويتبادلون الثقة فيما بينهم.
2- توطدت العلاقة فيما بين هؤلاء السجناء وأصبحوا يشكلون نسيجاً مجتمعياً متماسكاً فيما بينهم ريما أكثر قوة من علاقاتهم الأسرية.
3- شكل السجناء السياسيين مجتمعاً خاصاً بهم داخل السجن أو خارجه، وأصبح لكثير منهم إهتمامات مشتركة.
4- تتماثل المعاناة التي يعيشها السجناء السياسيين، بما يجعلهم يستمرون في التلاقي وتنظيم الفعاليات المشتركة.
5- خسر السجناء الكثير من مكتسباتهم الحياتية والمهنية، وأصبحوا غير قادرين على تعويض ما فاتهم.
6- ينظر الكثير من السجناء السياسيين بشك وريبة ويعتقدون بأن المجتمع تخلى عنهم وأن تضحياتهم قد ذهبت سدى.
7- يتعامل الكثير من السجناء السياسيين مع الدولة بغضب وردات فعل مختلفة.
8- يرى العديد من السجناء السياسيين أن كل ما يحصلون عليه بعد خروجهم من السجن لا يعوض ما خسروه، وأنه لا يشكل إلا جزءاً يسيراً من حقوقهم المسلوبة.
9- يعتبر الكثير من السجناء السياسيين بأن قبولهم بالعقوبات البديلة هو نوع من التنازل لإغلاق ملف الأزمة، لكنهم ينظرون لها بشك وريبة.
10- يعاني السجناء السياسيين من الحرمان والمعوقات التي تنكد حياتهم المعيشية ويساهم ذلك في توتيرهم.

ثانياً: السجناء الجنائيين:
1- لكل واحد من هؤلاء قصة مختلفة لا ترتبط بالضرورة مع بقية السجناء.
2- ليس هناك ما يجمع السجناء الجنائيين كالروابط الفكرية أو السياسية.
3- بعض السجناء الجنائيين اعتادوا طريق الإجرام كما اعتادوا دخول السجون.
4- يعتبر السجناء الجنائيين خروجهم بالعقوبات البديلة فرصة لهم للفكاك من الحبس والعودة لمزاولة أعمالهم.
5- أغلب المحكومين الجنائيين يقضون فترات سجن قليلة مقارنة بالسجناء السياسيين.
6- أقر أغلب السجناء الجنائيين بإرتكاب الجرائم والتهم الموجهة لهم نتيجة إثبات حالات التلبس والجرم المشهد.
7- يعود أغلب السجناء الجنائيين إلى حياتهم الطبيعية بمجرد خروجهم من السجن وربما إلى وظائفهم أيضا.
8- تنتهي حالات الملاحقة والمتابعة الأمنية لأغلب السجناء الجنائيين بمجرد خروجهم من السجن
9- السجناء الجنائيين يعودون لأسرهم ويندمجون فيها بسهولة ويسر.
10- لا يقدم السجناء الجنائيين أنفسهم كضحايا للاختلاف السياسي أو الظلم المجتمعي.

وعليه فإن التعاطي مع كلا الفئتين يجب أن يراعي هذه الفروقات وغيرها أثناء تطبيق العقوبات البديلة أو السجون المفتوحة، ويعمل على إستيعاب كل منهم بالشكل الذي يناسب حالته، ووضعه ودوره الاجتماعي، خاصة وأن مطالب الفئتين تختلف كلية عن بعضها البعض، كما أن تعاطي المجتمع يختلف بالنسبة للفئتين.

هناء حاج

صحافية لبنانية منذ العام 1985 ولغاية اليوم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى