بايدن يحقق نصراً سياسياً كبيراً ممهداً الطريق لتحول كبير

أتى الرئيس جو بايدن الى الرئاسة بأجندة تشريعية طموحة، متسلحاً بخبرة سنوات طويلة قضاها عضواً في مجلس الشيوخ، يعقد الاتفاقات التشريعية مع زملائه من حزبه الديمقراطي ومن الحزب الجمهوري.وعندما كان يشغل منصب نائب الرئيس في عهد الرئيس باراك أوباما كان الرئيس يعتمد عليه في عقد الاتصالات والمفاوضات مع أعضاء الكونغرس.

وأدت الصراعات السياسية والانقسام بين الجمهوريين والديمقراطيين في الكونغرس بالإضافة إلى وجود أولويات أخرى عند الرؤساء السابقين إلى تعطيل الاتفاق على حزمة إنفاق على البنية التحتية لسنوات طويلة.

وقد شهدت الولايات المتحدة الأميركية ضعف متعدد في منشآت البنية التحتية في الطرق والجسور والموانئ وشبكة الانترنت وغير ذلك من مفاصل هذه البنية تعاني من مشاكل عديدة بسبب قدمها وعدم الانفاق بصورة كافية على تجديدها وتوسيعها وفقا للمستوى المتوقع قياسا بالاقتصاد الأميركي الذي لا يزال الأكبر في العالم.

وها هو الرئيس جو بايدن يتقدم خطوة مهمة على طريق تحقيق بعض بنود تلك الأجندة مع موافقة غالبية كبيرة في مجلس الشيوخ على مشروع قانون الانفاق على البنى التحتية الذي تبلغ قيمته 1.2 ترليون دولار.

يتضمن المشروع بنودا عديدة لاصلاح وتجديد البنية التحتية منها تخصيص 110 مليارات دولار لاصلاح الطرق والجسور و65 مليار لشبكة السكك الحديد و65 مليار لشبكة توزيع الطاقة الكهرباية و55 ملياراً لشبكة توزيع المياه وغير ذلك.

ينقسم مجلس الشيوخ وفق توزيع القوى السياسة الحالية إلى خمسين عضواً من الحزب الديمقراطي وخمسين من الحزب الجمهوري. وقد حظي مشروع القانون بدعم كل الأعضاء الديمقراطيين بالإضافة الى عدد كبير نسبيا من الجمهوريين إذ أيده تسعة عشر منهم.

وهذا الأمر مهم من الناحية السياسية اذ يبدو بايدن قادراً على تحقيق تعهده بالعمل مع الحزبين وليس الاعتماد فقط على حزبه.

وظل بعض الجمهوريين على موقفهم المتحفظ والمعارض الذي يتهم بايدن والديمقراطيين بانهم يستغلون غطاء المطالبات بإصلاح البنى التحتية وإدامتها لتمرير اجندتهم المتمثلة بتضمين القانون بنوداً تتضمن الانفاق على برامج التحول نحو استخدام الطاقة البديلة و مكافحة التغير المناخي والانفاق على برامج الرعاية الاجتماعية على حساب الفئات المحافظة المؤيدة للحزب الجمهوري المتضررة من تلك التغييرات الاقتصادية.

لكن الأمر لم يحسم بعد فقد انتقل مشروع القانون الى مجلس النواب ليواجه هناك إشكالية مختلفة. الغالبية الديمقراطية هناك صغيرة و ليس من المتوقع ان يحظى المشروع بتأييد كبير بين صفوف الجمهوريين الا أن التحدي الأكبر له سيأتي من قبل حزب بايدن الديمقراطي نفسه ولكن من الجناح اليساري في الحزب.

رموز هذا الجناح غير راضين عن المبلغ الذي تم تخصيصه حتى الآن للانفاق على أولويات الحزب الديمقراطي. فالقانون بصيغة الحالية يمثل تسوية بين مقترح بايدن الأولي الذي كان يهدف إلى تخصيص مبلغ أكبر للانفاق على برامج مختلفة وهو الامر الذي ما كان ليحظى بأي دعم في صفوف الجمهوريين.

إلا أن بايدن والديمقراطيين تعهدوا بتضمين تلك البنود في مشروع الموازنة السنوية العامة الذي لا يحتاج وفقا للنظام الأميركي الى تأييد غالبية كبيرة في الكونغرس لذلك لا يتطلب موافقة الجمهوريين. لذلك ربط قادة الجناح اليساري للحزب الديمقراطي في مجلس النواب موافقتهم على قانون البنى التحتية بإقرار قانون الموازنة السنوية العامة الذي يستعد مجلس الشيوخ لمناقشته.

والمشروع هو الآخر يمثل حزمة انفاق كبيرة بقيمة 3.5 ترليون دولار.

ويتضمن مشروع قانون الموازنة تخصيص مبالغ كبيرة على برامج الرعاية الاجتماعية مثل شمول الأطفال بالتعليم المجاني بدأ من عمر الثلاث سنوات، و توفير التعليم المجاني المتوسط للشباب لمدة عامين بعد الدراسة الثانوية العامة. كما ويتضمن انفاقا كبيرا على تحويل مؤسسات عديدة نحو الطاقة البديلة و إجراءات أخرى تهدف لمحاربة التغير المناخي.

ويتضمن أيضا تمويل برامج منح الجنسية الأميركية للمهاجرين المؤهلين للحصول عليها.

اما الجمهوريون، حتى الذين وافقوا على قانون البنى التحتية منهم، فينظرون بقلق لحزم الانفاق الكبرى التي ستعني في مجملها خسارة سياسية كبيرة لهم وتقدما لخصومهم من وجهة نظر قطاعات شعبية واسعة من ذوي الدخل المحدود من المرجح ان تستفيد من ذلك الانفاق.

لكن الجمهوريون يحذرون أيضاً من أن الانفاق بهذه الطريقة سيعني حاجة الحكومة الى زيادة الضرائب وهو أمر تعهدوا بمعارضته. اما الطريق الاخر للتمويل فهو الاقتراض ورفع درجة الدين العام الأميركي وهو امر يعارضه الجمهوريون أيضا.

كما ويحذر الجمهوريون أيضا من الوقوع في فخ التضخم النقدي وهو الخطر الاقتصادي التقليدي الأكبر الذي يواجه أي عملية توسع في الانفاق الحكومي.

وقد تصاعد التضخم فعلاً في الأشهر الماضية إلا أن الإدارة الأميركية تقول بأن هذا امر مؤقت. كما تقول إدارة بايدن أن حزم الانفاق لن تزيد التضخم لانها تتضمن إجراءات كابحة له كما أن الانفاق لن يكون سريعا بل سيمتد لسنوات قادمة.

وكان مجلس الشيوخ قد اقر في مارس- اذار الماضي حزمة انفاق كبرى بلغت حوالي ترليوني دولار للتعامل مع أزمة كوفيد 19 الا انها تضمنت أيضا انفاقا في مجالات الرعاية الاجتماعية والمعونات وغيرها من أولويات الحزب الديمقراطي.

وفي حال لو تم إقرار قانون البنى التحتية وقانون الموازنة العامة خلال الأسابيع القادمة فيعني هذا أن إدارة بايدن ستحظى باموال هائلة وغير مسبوقة للانفاق على مشاريعها واولوياتها وهو الامر الذي قد يضع بايدن في منزله تاريخية شبيهة بالرئيس فرانكلين روزفلت الذي غيرت خططه المالية التي عُرفت بـ “الصفقة الجديدة” وجه الولايات المتحدة بتشييدها مشاريع عملاقة في مجال البنى التحتية في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي.

كما أن برامج الرعاية الاجتماعية التي تمولها إدارة بايدن شبيهة بما قام به الرئيس ليندون جونسون في ستينيات القرن الماضي التي أقامت دولة الرعاية الاجتماعية بصيغتها الحالية في الولايات المتحدة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى