التحضير لإنتخابات البحرين 2026 – 3
بقلم محمد حسن العرادي – البحرين
هناك نوع من البشر يسعون دائماً لتفصيل الأشياء وفق مقاسهم واتجاه مصالحهم، يعملون على تلميع هذه المقاسات مهما كانت ضيقة والترويج لها باعتبارها الأنسب والأفضل للوطن، بينما هي في الحقيقة أدوات تخنق الوطن وتكبل المواطنين وتقيدهم، ومن بين هؤلاء من يروج إلى أن الحرية والديمقراطية مصطلحات ومبادئ لا تناسب مجتمعنا، لكنها تناسب هؤلاء الذين يرغبون في إحتكار الهامش المتاح من المشاركة في القرار السياسي.
لذلك يقدمون أنفسهم كشركاء حصريين في كافة مؤسسات الدولة المعينة منها والمنتخبة، ولا يريدون أن يزاحمهم أحد في هذه المواقع، وفي سبيل تحقيق هذا الاحتكار يشجعون على إستمرار الأزمات الإقتصادية والسياسية والأمنية، وينّظرون ويطبلون لتصنيف المواطنين بين الموالون المخلصون والمعارضون المرتبطون بالخارج، أيا كان هذا الخارج قريباً أو بعيداً، فالآخر بالنسبة لهم مقسم بين إخوان مسلمون أو تيار سلفي، منتمون للتيار الولائي أو التيار الشيرازي، شيوعيون ويساريون، بعثيون وقوميون، وجميع هذه التصنيفات معادية للدولة كما يروج الطبالون.
وفي حقيقة الأمر فإن الإنتماءات الفكرية والسياسية لا تلغي الإنتماء الوطني بل ربما تعزز منه وتجعله عقيدة راسخة، كما أنها لا تجعل من أصحابها عملاء للخارج أو مرتهنين لقراراته وتوجيهاته، بل إنها تعمل على تعميق الولاء والارتباط بالوطن والدفاع عنه وحفظه من الأخطار، من جهة اخرى يجب علينا أن نعرف بأن الأفكار لا يمكن حبسها ومحاصرتها خلف الحدود والقضبان و الإقصاء، خاصة مع هذا الفضاء المفتوح عبر وسائل التواصل الإجتماعي والإعلامي والتكنولوجي، الذي يتغذى على سيلٍ واسع من المعلومات والبيانات المنقولة عبر البث والمواقع الإلكترونية التي لا يمكن حجبها أو إغلاقها، فهذا العالم الإفتراضي يتجدد ويتبدل كل دقيقية وثانية ولا يمكن للأجهزة الرسمية متابعته والسيطرة عليه مهما حاولت،واستخدمت من وسائل رصد وتجسس حديثة، ما يجعل منع تسرب وانتقال وانتشار الأفكار المختلفة في غاية الصعوبة والتكلفة الباهضة إن لم يكن مستحيلاً ومستعصياً.
إن التعايش مع الأفكار الجديدة و المتباينة مع السائد والتأقلم مع الأطروحات والنظريات السياسية المختلفة وإدماجها في الحياة العامة وإستيعابها في النسيج الوطني وأروقة الدولة أقل كلفة وأكثر إيجابية من محاربتها وملاحقتها ومنعها ومعاقبة من يتبنونها، أو الزج بهم في السجون والمعتقلات، وفي أقل الأحوال حرمانهم من المشاركة في الحياة السياسية العامة من خلال إستصدار القوانين والقرارات والأحكام التي تجّرمهم وتعتبرهم منبوذون وخارجون عن بيت الطاعة الرسمي، خاصة أن الافكار يمكن أن تنتشر وتترعرع بشكل أسرع تحت الأرض وفي ظل القمع، الذي يمكن أن يشكل بيئة حاضنة وقضية مظلومية يمكن تسويقها وترويجها على الكثير من المتعاطفين، وفي هذه الحالة تكون خطورتها أكثر، والسيطرة عليها أصعب مهما كانت الأجهزة الأمنية قوية ومنظمة.
من جهة أخرى فإن بلادنا التي تبنت التعايش السلمي وقبلت بالتعددية السياسبة والدينية، أحق من غيرها في الإستفادة من الرؤية الحكيمة التي أرسى معالمها ووضع أسسها وقواعدها جلالة الملك المعظم يوم جاء بالمشروع الإصلاحي، وهل هناك من هو أحق من أبناء البلد في تبني هذه الأفكار النيرة وتطبيقها، والإسترشاد بها في تكوين وتسيير التيارات والأطر السياسية والفكرية التي يؤمنون بها، ويعملون من خلالها بصورة علنية ملتزمة بالقوانين والتشريعات الناظمة، بما في ذلك حرية إنتخاب قياداتها وإداريوها والتعامل معهم وفق ما يحقق مصلحة البلاد ويحميها.
لقد جربت بلادنا تأسيس العديد من الجمعيات السياسية (بعضها كرتوني) التي أنشئت مع بدء العملية السياسية، لكن أغلبها منيت بالفشل الذريع وتحولت إلى مجرد كليشات براقة وفارغة المضمون لا تستطيع تقديم رؤية أو إستقطاب مريدين ومؤيدين، خاصة وأن أغلبها بدون عمق تاريخي أو عقيدة أيدلوجية أو رؤية سياسية حقيقية، بينما بقيت تلك التيارات السياسية والفكرية العقائدية التاريخية، حتى بعد حلها أو التضييق عليها، فعالة وقابلة للنمو والتمدد، لذلك فإن الوقت قد حان لإعادة النظر في طريقة التعامل مع التيارات السياسية والفكرية العقائدية والقبول بها شريكاً سياسياً تحت سقف القانون، ودعم مشاركتها في الحياة العامة وأولها الإنتخابات ومؤسسات العمل المدني، وللحديث صلة.