المحبطون والمتشككون بجبهات الإسناد ربما محقون. ولكن؟
كتب ميخائيل عوض
مذ بدأت جبهات الإسناد وبرغم وضوح قرارها وخطتها وإعلانها كجبهة اسناد واشغال وسعيها لتكون الحرب استنزاف وطويلة وجولات.
تعرضت لتشكيك بمدى الجدوى منها ثم طالت الحرب ودفعت المقاومات وقاعدتها الاجتماعية خسائر كبيرة، وما زالت مستمرة.
وبرغم انجازاتها والكثير منها يعتبر في مناهج ومدارس الحروب والجيوش وتحولات الواقع وموازين القوة انجازات مؤسسة واستراتيجية. إلا أنها لم تردع نتنياهو ولم توقف حرب إبادة وتدمير غزة، بل زاد نتنياهو من غية وارهابه وبدأ مذبحة الضفة الغربية، ويطلق مع وزرائه التهديدات والتحذيرات لغزو لبنان وتسرب خطط خيالية لاحتمالات اجتياح إسرائيل لجنوب وغرب سوريا وصولاً إلى البقاع وجبل لبنان، ويصدقها الساذجون ويبنون عليها خيالات وأوهام ويروجونها.
الحال، أن التشاؤم والتشكيك بجدوى جبهات الإسناد وجديتها وخاصة في لبنان والجولان تتسع دائرته عمودياً وافقياً وتصيب كتلة واسعة من بيئة المقاومة وجمهورها. بينما المعادين للمقاومة ينفخون بها لمحاولات زيادة الشرخ وتحويل التشاؤم والتشكيك إلى حالة عامة ضاغطة تؤثر على استمرار الجبهات وفاعليتها.
على العموم، قاعدة الشك هي المفاتيح الذهبية للمعرفة والثقة في الفلسفة وفي الأديان وفي العلوم قاطبة وفي شؤون الحياة وشجونها.
فالشك ليس مرذولاً. والتشاؤم صفة مرافقة للإنسان. وبالنسبة إلى الحروب وخاصة الحروب العربية الإسرائيلية، فللشك أسس وتاريخ وقواعد تفكير يستند فيها إلى تجربة ثمينة وباهضة الكلفة وطويلة زمنيا، فلطالما امتلك العرب والمسلمون عناصر القوة وحققوا انتصارات سرعان ما فرطوا بها وخرجوا بخفي حنين.
والعلاقة غير الودية تاريخياً بين الشعوب ووسائل الإعلام والسياسيين والإعلاميين والأنظمة من الأسباب الدافعة للتشاؤم والشك وفي زمن العالم الافتراضي، ووسائط التواصل وتنطح الكل لاعتماد صفة الخبير الاستراتيجي وإلقاء الكلام على عواهنه، بينما مجريات الواقع والأحداث تشق مساراتها على مزاجها وتوازناتها تصبح حالات الشك والإحباط مفهومة تماماً ومنتج ذهني للعالم الافتراضي.
في الواقع وأحداثه وتطوراته أمور تعزز الشك وتزيد في حالات التشاؤم والرهاب منها كمثل:
– قبل الطوفان العجائبية كانت لهجة وتصريحات وخطب قادة المقاومة نارية هجومية تعتد وتستعرض عناصر القوة، وتبشر بزمن التحرير والزحف إلى القدس والعبور وانهاء الكيان الصهيوني، وانقلبت اللغة بعد الطوفان برغم أنها جاءت في سياق المناخات التي رسمها قادة المقاومة وخطبهم النارية، وأكدت على القوة والمبادرة والقدرة وكشفت حجم خواء إسرائيل وجيشها وقدراتها وأسقطت تقانتها وما قيل عن تفوقها وهيمنتها.
– المنطقي أن المهتمين وصناع الرأي والقطاعات الشعبية الواسعة لم تفهم كلام السيد حسن نصرالله الواضح والمكرر بقوله: العين على الميدان فهو صاحب القرار. وتأكيده دوماً أن الأيام والليالي والميدان بيننا وبينكم. وقوله: عددكم بدد وأيامكم عدد. ويضحك كثيراً من يضحك أخيراً… ما ترون لا ما تسمعون.
فالغالبية المطلقة يسمعون ولا يرون ولا يدققون ولا هم مهتمون وربما لا يعرفون لغة الميدان ونتائجها فالأسهل لهم سماع الكلام والتأثر به وليس التفكير بالأفعال ونتائجها وسياقاتها والذين يفترض انهم معنيون بفهم لغة الميدان مشغولون بالبهرجة واللايكات واعجابات وسائط التواصل.
– جبهة العراق التي بدأت عاصفة واعدة كثيفة ووصفها السيد حسن نصرالله بالمحورية، وأعلن أن أميركا هي العدو ومن يقود الحرب، وأشاد بها أبو عبيدة، وعلى أثر إعلانات عن وحدتها مع جبهة اليمن وتنسيق العمليات تراجعت فعاليتها وتوقفت الإعلانات اليمنية- العراقية، وخمدت بعد أن وجهت القوات الأميركية ضربة كبيرة طالت 72 موقعاً، وبعد قصف غرفة العمليات العراقية- اليمنية المشتركة بجرف الصخر. وكأنها خرجت من المواجه. وسربت معلومات عن تفاهمات إيرانية أميركية أدت إلى تجميدها.
– اليمن وقد كان مفاجأة الحرب ودرة محور المقاومة وجبهاته وأبلى نوعياً وحقق إنجازات فرط استراتيجية وربح حرب البحار والممرات في وجه أميركا والاطلسي. تراجعت فعاليته بعد الاعتداء الإسرائيلي الصاعق على الحديدة وإعلانات القائد الحوثي عن المرحلة الرابعة والخامسة. وكانت تقتصر على حشود مليونية في الشوارع كل يوم جمعة وخطب نارية، واستهداف سفن تجارية تمردت على إنذارات الحوثي وفرضه الحصار على الموانئ الإسرائيلية، وقد ثبت بالوجه الشرعي أن تراجعها كان مؤقتاً ولاستكمال العدة والجاهزية، وجاء صاروخ تل أبيب الفرط صوتي يبدد التشاؤم والتشكيك والتهكم ويمثل مؤشراً على ما تعده الجبهات ومدى جديتها وجدواها. ويجيب على سؤال، لماذا إطالة الحرب والتأني بالتصعيد؟ وهل الجبهات مجدية أم لا؟
– برغم أن الرد الإيراني على قصف القنصلية في دمشق كان محترفاً وانيقاً ونوعياً اشتبكت فيه إيران مع إسرائيل والأطلسي وحلفه العربي، واستعرضت عضلاتها، إلا أن تأخير الرد على اغتيال هنية في بيت المرشد والمس بشرف إيران وعلى إثر حادث الرئيس رئيسي وانتخاب إصلاحي لرئاستها، وما يصدر من تصريحات متناقضة ترسم إشارات استفهام عن الرد وعن إيران وتثار الكثير من التسريبات والتحليلات عن تفاوض أميركي- إيراني وعن احتمالات تسوية تحقق مصالح إيران على حساب إسناد غزة والانخراط بالحرب، ودفعها للعصف والذرائع كثيرة وفي أخطرها الحؤول من دون تحقيق رغبة نتنياهو بتوريط أميركا والأطلسي، والتحذير من الاستدراج لحرب قد تدمر إيران وتفقدها مكاسب الثورة، على ذمة القائلين، برغم أن السيد حسن نصرالله بدد تلك المقولات وأعلن ان انخراط أميركا وإسرائيل بحرب عاصفة مستبعدة، وعندما تكون إسرائيل وأميركا جاهزون فلا يحتاجون إلى ذرائع.
المناخ العام ودرجة التشكيك والضخ ضد إيران والحال القائمة تشجع التشاؤم والتشكيك وليس معني الجمع بالتفكير والبحث واستنباط الاحتمالات من باطن الأحداث والتطورات ومسارات الميدان، ومن الغوص في خاصيات العقل الإيراني فالذبح بالقطنة أصبح مسلكاً عاماً للمحور وفصائله،ةكما قال السيد حسن نصرالله.
– لسان وإعلام وإعلامي وخبراء المحور مقصرون وكثير منهم مشغول عن التوضيح والشرح والحوار والتفاعل والاقناع. وغالبهم مهوبرون رفعوا سقف التوقعات بالرد كثيراً، على غير ما قاله السيد حسن وكرره مراراً وتكراراً.
– نجح نتنياهو في الاستثمار بعناصر القوة الباقية لإسرائيل وجيشها فضربت الاغتيالات في كل مكان في سورية ولبنان وطهران، وأخيراً تفجير البيجر وأجهزة الإتصال كعملية متقنة ومكلفة للمقاومة.
كما استخدم قوته الثانية الباقية المتمثلة بذراع الجيش الطويلة واستخدمها بكثافة وعصف كما في الحديدة ومصياف السورية.
ولسبب لم يسع المحور وجبهاته إلى كسر القوتين الباقيتين برغم توفر الإمكانات والشروط.
تلك أسباب وظروف وبيئات مع شدة المعاناة والأزمات ومناظر تجريف وتدمير وإبادة غزة والضفة والتطاول على سورية، وتفجير البيجر والأجهزة والحملات الإعلامية وزخمها تجيز ظهور حالات تشاؤم وإحباط وتشكيك.
ماذا عن لغة الميدان وعن الليالي والأيام بين المقاومة وإسرائيل وعالمها؟ وماذا تقول النتائج والتحولات الجارية والمرتقبة.
الأيام الجارية من أيلول وذيله مبلول إلى تشرين تستعجل زمن العصف والزلازل… فأين ومتى تضرب؟
ورد المقاومة على تفجير البيجر والأجهزة لا بد أن يكون نوعياً وكاسراً فتنكشف إسرائيل وجيشها على أعطابها البنيوية والتكوينية، وعجزها عن خوض الحرب والانتصار بها برغم وصفها بالحرب الوجودية.
زمن العصف أزف.
وعند الامتحان يكرم المرء أو يهان.