حوار حاسم… بين الأكبر والقاسم

بقلم محمد حسن العرادي- البحرين

ولد علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب المعروف بـعلي الأكبر، في المدينة المنورة سنة 11 شعبان عام 33 هـ، الموافق 30 نوفمبر 662م، وأستشهد في كربلاء 10 محرم 61 هـ الموافق 10 أكتوبر 680م عن عمر ناهز 28 سنة، وكان شبيهًا بجده الرسول محمد (ص). وهو أوّل شهيد من بني هاشم، ودفن إلى جوار أبيه الإمام الحسين بن علي في الروضة الحسينية، أما القاسم بن الحسن بن علي بن أبي طالب الهاشمي القرشي فقد ولد في 14 شعبان الموافق 2 أكتوبر 667 م بالمدينة المنورة، واستشهد مدافعاً عن عمه الإمام الحسين في 10 محرم 61 هـ، الموافق 10 أكتوبر 680 م عن عمر ناهز 13 سنة، وله عدة مواقف بطولية، خاصة حين سأله عمه الإمام الحسين ليلة عاشوراء كيف ترى الموت يا قاسم، فقال في حبك ياعم أحلى من العسل، وقد كان جسوراً شجاعاً رغم حداثة سنه، ونظراً لكون الأكبر والقاسم من أبرز نجوم وفرسان آل البيت التي أفلت يوم عاشوراء، وجادت بأنفسها دفاعاً عن بيضة الإسلام تحت راية الإمام الحسين سبط رسول الله عليه السلام، فقد تخيلت هذا الحوار بينهما وهم يستعدان للبذل والتضحية.

رفع علي الأكبر طرفه إلى السماء وأمعن النظر قليلاً، ثم وجه ناظريه ناحية إبن عمه القاسم بن الحسن قائلاً، كيف ترى المستقبل يا إبن العم وأنت في هذا السن الصغير، إعتدل القاسم في جلسته وكأنه إنتبه من غفوة ألمت به، أو ليس المستقبل واضحاً يابن العم بعد كل هذه الحوادث التي ألمت بنا، أو لا ترى كل هذه الكتائب العسكرية وهي تحيط بنا من كل جانب، تتلهف الى الإجهاز علينا في وثبة واحدة، إبتسم علي الأكبر، وهل داخلك الخوف والرعب من هذه الجحافل المعادية وهي تدق طبول الحرب وتدور كما تفعل ثيران الساقية وكأن على عينها غشاوة تعميها من رؤية الحقيقة الواضحة.

حرك القاسم بن الحسن رأسه ينظر من أدنى القوم إلى أقصاه وكأنه يتقصى أعداد العسكر المعادي، ثم قال متساءلاً، هل كل هذه العساكر مسلمة حقاً، هل آمنوا برسالة جدنا الرسول الكريم (ص)، أم تراهم منافقين سرعان ما إنكشفت نواياهم الخبيثة حين حصحص الحق وعرف أهله، فها هو الحسين سيد شباب الجنة جاء يقول كلمة الحق في وجه الباطل الذي تمثله هذه العساكر وتدافع عنه، ظناً منها بأنها ستنال الكثير من المكاسب الدنيوية، ناكرة بذلك يوم المعاد حين تنشر الصحائف أمام العزيز الجبار فإما الجنة وإما النار، أومأ علي الأكبر برأسه مؤيداً لما قاله القاسم ثم أضاف، ليس لدى هؤلاء إيمان أو دين، فدينهم دينارهم ومصالحهم التي لايرون أبعد منها، حتى أنهم قد يخسرون الدنيا والآخرة وهم لا يشعرون.

وقف القاسم على قدميه، وهب إلى جانبه علي الأكبر وبينما هما يسيران بين الخيام الحسينية التي خيم عليها الصمت والسكون إلا من أصوات الدعاء والتهدج والصلاة، لاحت التفاتة من القاسم وراح يسأل إبن عمه الأكبر، سمعتك تسأل عمي الحسين قبل أن نصل إلى كربلاء ” أولسنا على الحق” وهل تشك في ذلك حتى تسأله، قال الأكبر بل هو سؤال الواثق المؤمن العارف بمئالات المصير المحتوم، وطالما نحن مع الحق فإن كل ما يصيبنا بعين الله وفي سبيل الله، وغداً حين يثور غبار الحرب سترى بنفسك كيف أجندل كبار أشرار هذا الجيش اليزيدي المتآمر، لكن قل لي أين ستكون عندما يشتعل أوار هذه المعركة، إنتفض القاسم وإحمرت أوداجه وبصوت حاسم أجاب، سأكون حيث يجب أن أكون إلى جانب الحق الذي يمثله عمي الحسين أنصره بدمي وجسمي وروحي وكياني، قال الأكبر أو لا تخاف الموت وأنت في هذه السن الصغيره، كلنا مشاريع شهادة في سبيل الله أجاب القاسم،، وما أعمارنا سوى مجرد أرقام تحدد دور كل منا في هذه المسيرة الحسينية المظفرة، نحن الشجرة الطيبة التي تؤتي أوكلها في كل حين، وهل هناك حِينٌ أفضل من هذا الزمان الذي نقاتل فيه تحت راية إمامٌ صدق وحق مُفترض الطاعة، غداً سأكون إلى جانبك شاهداً وشهيداً لنصرة الإسلام الذي يجسده الحسين.

بعد أن فرغا من هذا الحديث إتجه كل منهما إلى خيمة والدته يطمئن عليها ويطمئنها، قالت ليلى لولدها الأكبر: لقد أعددتك لهذا اليوم الفاصل حيث العالم ينقسم إلى سماطين، معسكر الباطل مع يزيد وسماط الحق مع الحسين، وكأني أراك صريعاً مجندلاً مقطعاً إرباً إربا وأنت تدافع عن حياض الإسلام، تبسم الأكبر وهو يقبل رأس أمه قائلا لأنعمنك عينا يا أماه فلا تبتئسي ولا تحزني فإن موعدنا الجنة مع جدي المصطفى وجدتي الزهراء، وفي خيمة قريبة كان القاسم يهوي على يدي أمه رملة يلثمها حباً ويسترخصها السماح له بالقتال إلى جانب عمه الحسين حين يحمى الوطيس، فوجدها صابرة مستبشرة، قالت ياولدي إنما عمك أبوك، وهل يترك الشاب أباه وحيداً فريداً وهو يراه لا ناصر له ولا معين، الحسن والدك والحسين عمك سيدا شباب الجنة عرفا الحق وسارا معه متلازمين مدافعين عن المبادى التي أتى بها جدك الرسول المصطفى وأمن بها جدك علي المرتضى وغداً إذا ثارت الحرب مع هؤلاء الأعداء، ما أراك إلا شهيداً مُضرجاً بالدماء فسر على بركة الله وتوفيقه، وكن واثقاً بأنما النصر صبر ساعة، وايا كانت النتيجة فإن الحسين سيبقى خالداً منتصراً إلى يوم يبعثون.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى