
دروس من الحياة -3 (في عمل الخير لا تيأس)
بقلم محمد حسن العرادي – البحرين
في العام 1988 بدأنا المشاورات لتأسيس صندوق عراد الخيري، وقد رحب غالبية الأهالي بالفكرة وتجاوبوا معها، وحين أطلقنا الخطوات الأولى لقيام ذلك الكيان حصدنا في ظرف أيام قليلة أكثر من 80 توقيعاً وازناً للمشاركة في التأسيس، وقيل لنا حينها إن هذا العدد كافٍ جداً لتحقيق الهدف المنشود، شرعنا في إعداد رسالة الطلب للوزارة المعنية وأرفقناه بقائمة الأسماء التي كانت تضم مجموعة من خيرة رجالات القرية.
اكتملت الإجراءات وقُمنا بتشكيل وفد ضم أكثر من 15 شخصية لزيارة وزير العمل والشؤون الإجتماعية في ذلك الوقت المرحوم الشيخ عيسى بن علي آل خليفة، وفي الموعد المحدد استقبلنا الوزير بحفاوة بالغة وترحاب، خاصة وأن من رتب الزيارة هو المرحوم عبدالحميد علي العرادي مدير الشؤون الاقتصادية بوزارة المالية آنذاك، وكانت الآمال بتحقيق الحلم عالية جداً.
وحين عرضنا الطلب على الوزير رحب أيما ترحيب وبدأت الابتسامة ترتسم على وجوهنا، وقبل أن تكتمل الفرحة، طلب الكلمة المرحوم صادق الشهابي الوكيل المساعد للشئون الإجتماعية مخاطباً الوزير، طال عمرك لقد إستلمت اليوم طلباً آخر لتأسيس صندوق خيري في قرية عراد أيضاً، ويبدو أن هناك خلافاً حول هذا الأمر، ومن الأفضل إرجاء الموافقة على الطلب ريثما يتفق الطرفان.
حينها تدخلت طالباً الكلمة، وقلت بأننا لا نعلم بوجود طلب آخر، لكن في حال وجود هذا الطلب فإن لدينا ثلاثة حلول لتجاوز الإشكال، الأول أن يُقبل طلبنا بإعتباره المستوفي للشروط والأركان ونظراً لكونه الطلب الأسبق ويلتحق الجميع بالصندوق، والأمر الثاني أن يُقبل الطلب الآخر باعتبار عدد الموقعين عليه الأكثر حوالى 150 أسم ويلتحق الجميع بالصندوق، والخيار الثالث أن تضم الوزارة الطلبين معاً ويصدر الترخيص باسم صندوق عراد الخيري، وفي جميع الحالات تتولى الوزارة الإشراف على إنتخابات التأسيس.
ولأسباب غامضة حينها، اعترض المرحوم الشهابي مقترحاً عدم الأخذ بأي من الحلول المقدمة، ومرجحاً أهمية التواصل مع القائمين على الطلب الآخر، والتوافق سوية لتقديم طلب موحد، وهكذا أُسقط في أيدينا وتعطلت جهودنا الرامية إلى تأسيس الصندوق الخيري حينها وخسرنا عشر سنوات من الانتظار، والأسئلة التي تُطرح في هذا المجال هي، لماذا لم يتم تقبل الحلول التي تقدمنا بها؟ هل كان المرحوم الشهابي يمتلك بُعد نظر لم نكن ملتفتين إليه؟ لماذا وضعت العراقيل أمام تأسيس الصندوق آنذاك وما هي الأسباب؟
لكن كان الأهم أننا لم نيأس من تحقيق الحلم، واستمرت محاولاتنا ومشاوراتنا حتى تمكنا من النجاح في تأسيس الصندوق وتحقيق هذا المشروع الرائد، إنه درس آخر من دروس الحياة التي نتعلمها كل يوم من تجاربنا ومشاهداتنا، وصدق من قال لا يأس مع الحياة ولا حياة مع اليأس، فإذا كنت مؤمناً بصحة الفكرة التي تعمل من أجلها، واثقاً بأنك تريد الخير لهذا الوطن وأهله، لا تتوقف عن السعي الجاد لتحقيق تطلعاتك، والى المزيد من التفاصيل في المقال التالي.