ندوة عن النزوح في لبنان ضمن مهرجان الكتاب – أنطلياس

أقيمت ندوة “لبنان بين النزوح واللجوء، المخاطر الكيانية والسياسات الوقائية” في إطار المهرجان اللبناني للكتاب الحادي والأربعين الذي تنظمه الحركة الثقافية في أنطلياس.

بداية، أوضح مدير الندوة المحامي روي نقاش الى أن “حق اللجوء صفة قانونية قوامها حماية تمنح لشخص غادر وطنه خوفا من الإضطهاد أو التنكيل او القتل بسبب مواقفه أو آرائه السياسية او بسبب دينه ومعتقداته”، لافتا إلى أنه “بعد نكبة 1948 شرد الشعب الفلسطيني بسبب مجازر الإحتلال الإسرائيلي واضطر لسلوك دروب اللجوء إلى دول الجوار ومنها لبنان”.

وأشار الى أن “القانون الدولي يوفر الحماية للاجئين وتتحمل مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين المسؤولية في ذلك مع ضمان حصولهم على حقوقهم وتلقي المساعدات من أغدية ومأوى ورعاية طبية، إضافة الى مجموعة من الإتفاقيات الدولية والإقليمية التي تحدد المعايير الدولية للاجئين لتمكينهم من الإستفادة منها”.

فاعور
ثم قال الباحث في علم الديمغرافيا والنمو السكاني الدكتور علي فاعور: “السؤال الذي يطرح نفسه اليوم في لبنان، وبعد مرور 13 سنة على بداية الأزمة السورية، وفي ضوء الازمات التي يعانيها لبنان، هل سيعود اللاجئون الى سوريا؟ وكيف يمكن إعادتهم الى ديارهم؟”.

أضاف: “بينما تعمل منظمات المجتمع الدولي على إدماج النازحين في لبنان، بالتعاون مع الهيئات والجمعيات المحلية، يتبين أن المجتمعات المضيفة والفقيرة، قد فقدت القدرة على الاستيعاب والتحمل، مما بات يستدعي البحث عن وسائل وحلول عاجلة، فإما اعادة النازحين الى سوريا، أو اعادة توطينهم في بلد ثالث على قاعدة تقاسم المسؤولية الدولية، وذلك لحماية لبنان وتفادي حدوث الانفجار الاجتماعي الاتي”.

وشدد على أن “قرار الحماية الدولية والمساعدات المالية النقدية المخصصة لعائلات النازحين في لبنان، هي التي تحول دون عودتهم الى ديارهم، كما أنها هي التي تشكل اليوم عوامل جذب أدت الى تدفقات جديدة من المهاجرين السوريين، بدأت تعبر الحدود للحصول على المأوى والمساعدات الموعودة”.

وقال: “بحسب الإحصاءات التي أوردها وزير الشؤون الاجتماعية، بأن البرنامج الوطني لدعم الأسر الأكثر فقرا يفيد منه نحو 70 ألف عائلة لبنانية فقط في مقابل 230 ألف عائلة سورية. كما كشف محافظ بعلبك الهرمل، أن عدد النازحين السوريين في بعلبك – الهرمل وحدها بلغ 315 ألفا، وهو أكثر بكثير من عدد اللبنانيين القاطنين في المحافظة، والذي يبلغ حوالى 250 ألفا. وأن هناك 450 ألف ربطة خبز مدعومة تستهلك يوميا من قبل النازحين السوريين، وبأننا بحاجة لوقف تدفق النازحين السوريين عبر الحدود”.

ورأى أن “عودة النازحين السوريين بعيدة جدا، إذ كما حصل في ملف اللاجئين الفلسطينيين منذ عام 1948، فقد تحول لبنان الى مخيم كبير للنزوح السوري الطويل الأمد”.

ولفت الى انه “بعد ثلاث سنوات على بداية الأزمة السورية، فقد أجرى البنك الدولي بالتعاون مع الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي، تقييما عاجلا لتداعيات الأزمة السورية على الوضع الإقتصادي والإجتماعي في لبنان خلال الفترة الزمنية الممتدة بين 2012-2014. وجاءت نتائج الدراسة صادمة للجميع، اذ تبين ان دولة لبنان تتكبد ثمنا فادحا وباهظا نتيجة لكرمها وتسامحها وما اتبعته من سياسة الحدود المفتوحة التي قامت على الروابط التاريخية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية بين البلدين”.

وقال: “كل هذا الجمود والفراغ السياسي الطويل، وانتشار الفساد، يؤكد أن لبنان دولة هشة، محاصرة في دائرة التوازنات الاقليمية والدولية، وبحسب المعطيات التي ذكرناها، فإن عودة النازحين السوريين تبدو بعيدة جدا، وبالتالي فقد بات لبنان اليوم أمام الخيارات الصعبة لصياغة مبادرة شاملة ترتكز الى مبادئ القانون الدولي الانساني، وتؤمن السيادة الوطنية، وتطبيق القوانين التي تحمي أرضه وحدوده، والخروج من دائرة الحصار المفروض عليه، وتجاوز مرحلة الجمود والانقسامات الداخلية، وذلك بالتنسيق الكامل مع الأمم المتحدة والدول العربية المجاورة، لتنظيم عمل كافة المنظمات العاملة على الاراضي اللبنانية”.

ورأى أن “الخطوة الاولى في ملف اعادة النازحين تتطلب اعادة التواصل والتنسيق المباشر مع سوريا لوضع معالم خارطة طريق مشتركة لتسريع خطوات العودة، وتنفيذها على مراحل للعمل على اعادة النازحين واللاجئين الى ديارهم، والتخفيف من اعباء النزوح، وتطبيق القوانين التي تضمن سيادة البلدين”.

وأكد أن “هناك سيناريوهات للتوطين تتم دراستها ضمن مشروع خارطة الشرق الأوسط الجديد، وهي أكثر رعبا كونها تهدف إلى توتير الداخل لتغيير التوازن الديموغرافي في لبنان، وتعديل الصيغة اللبنانية المتنوعة القائمة بين الطوائف، بحيث بات الوجود المسيحي في خطر، والسنوات العشر المقبلة سوف تغير وجه لبنان”.

الصائغ
من جهته، قال المدير التنفيذي لملتقى التأثير المدني الباحث في السياسات العامة وشؤون اللجوء والهجرة زياد الصائغ: “لم يسمح السياسيون للبنان، حتى الساعة، بأن يدير بشكل سليم أزمتين تاريخيتين، أي أزمة اللاجئين الفلسطينيين وأزمة “النازحين” السوريين. فقد شهدت هاتان الأزمتان تعقيدات بنيوية على المستوى الوطني (منها الطائفية – المذهبية)، ويشكل الأداء السياسي اللامسؤول، غير العلمي، وغير المحترف، والشعبوي، والمبني على الشعارات، والتهويلات، والاتهامات، السبب الرئيسي في هذا الفشل على مستوى ادارة هاتين الازمتين، أضف إلى ذلك الكثير من القصور الإقليمي والدولي، إلى حد التواطؤ الكارثي”.

أضاف: “ثمة من يراهن على نقل المسؤولية الدولية عن قضية اللاجئين الفلسطينيين الى مسؤولية إقليمية، ولا يتوانى عن القول: “إنها مسؤولية عربية”. من الواضح أن لا مكان لقبول تنصل المجتمع الدولي من هذه المسؤولية”.

وتابع: “ان المجتمع الدولي مدعو للقيام بواجبه تجاه اللاجئين الفلسطينيين بمعنى توفير الموارد لتأمين حياة كريمة لهم حتى عودتهم بحسب قرارات الأمم المتحدة التي أكدتها المبادرة العربية للسلام. أكدتها، وما كانت أبدا بديلا منها أو رديفا”.

وقال: “ان الرهان على حل إقليمي لقضية اللاجئين الفلسطينيين، فيه من النفس الإسرائيلي بعض أصداء، إذ أن أولئك المنظرين الأكاديميين لهذا الرهان يعلمون أن إسرائيل تواجه مسألة اللجوء القسري والعدواني للفلسطينيين بالقول: “ويهود الدول العربية لجأوا إلى قسرا بفعل خوفهم من الاعتداءات الممكن ان تطاولهم”، وهي تطالب أيضا بإنشاء صندوق تعويضات لهم على غرار التعويضات التي يستحقها اللاجئون الفلسطينيون من دون ان يمس ذلك حقهم بالعودة وفق ما ورد في القرار 194. فهل هو بريء ضخ منطق “الحل الإقليمي” في الأبحاث والدراسات وورشات عمل أكاديمية؟”.

ورجح أن “تبقى أزمة النازحين من سوريا تحديا طويل الأمد بالنسبة إلى لبنان، إذ من غير المحتمل أن تنتهي الحرب السورية قريبا، وعندما تنتهي من المستحيل أن يعود النازحون السوريون فورا إلى بلد غير مستقر ودون أي ضمانات توفر لهم الأمن والسامة. لذا، فإن بقاء النازحين المؤقت في لبنان مع عودة تدريجية استهلت رمزيا منذ العام 2017، هو السيناريو الأكثر ترجيحا”.

وختم: “الذاكرة اللبنانية – الفلسطينية ما زالت متوجسة ويائسة، والذاكرة اللبنانية – السورية تعاني أيضا تصدعات هائلة، فيما المعنيون منحازون لسوريالية وشعبوية وغلو سياسي تعمق الجراح، فمتى نستعيد مسار بناء السياسات العامة تفاديا لانهيارات عظيمة وإعادة هندسات ديموغرافية تطيح بالهويات الحضارية؟”.

هناء حاج

صحافية لبنانية منذ العام 1985 ولغاية اليوم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى