عذرا د. رميحي: رمحك أخطأ هدفه!

عيسى سيار*
في اطلالته مساء الأربعاء الماضي على قناة العربية، حاول د. محمد الرميحي الأكاديمي والباحث الكويتي جاهداً استخدام كل خبراته البحثية التحليلية المتراكمة لسنين طويلة، في أن يظهر عملية طوفان الأقصى البطولية بالعملية العاطفية المتهورة غير المخطط لها، وغير المجدية من حيث التوقيت وغير المتكافأة من حيث العدة والعتاد والاحترافية والنتائج المرجوة، والتي استندت حسب تحليله إلى الغيبيات والشعوذة! وأن حماس أخطأت في حساباتها بالنسبة إلى دخول إيران وحزب الله الحرب من خلال ما عرف بوحدة الساحات، ويقابل ما قامت به حماس ذلك التفكير العلمي المنهجي لدى الغرب والكيان الصهيوني والحسابات الدقيقة المبنية على العلم والحقائق بالإضافة إلى الإمكانيات العسكرية والاستخبارية والمادية المتطورة.

وبرر ما ذهب إليه بحجم الخسائر البشرية والمادية والدمار الهائل الذي تعرض له الفلسطينين. وذهب بعيداً في تحليله إلى التشكيك في خروج حماس من المعركة منتصرة.

بداية لقد استغربت بل تفاجأت بهذه السقطة التحليلية المدوية من قامة أكاديمية كالدكتور الرميحي! وسوف استحضر في ردي على د. الرميحي بعض من الواقع المرير والدامي الذي يعيشه الفلسطينيين تحت أطول وابشع احتلال عرفه التاريخ البشري، ولن اتكلم عن أمور جدلية، بل حقائق أكدها الواقع على مدار الثمانية عقود والذي دحض كل السرديات الصهيوأمريكية والغربية، وهذا ردي على تحليل د. الرميحي:
1. إن الفلسطينيين ومنذ بداية كفاحهم المسلح المنظم في الستينات من القرن الماضي بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية كانوا وحدهم في مواجهة مباشرة ويومية مع الكيان الصهيوني، مع بعض الدعم العربي ابان مرحلة المد القومي بقيادة مصر عبدالناصر حتى حرب 73، بعدها تخلي عنهم العرب رويداً رويداً، وخاصة بعد اتفاقيات التطبيع كامب ديفيد مع مصر ووادي عربة مع الأردن واتفاقية اوسلو المشؤومة، وآخرها الاتفاق الإبراهيمي. لذا فإن المقاومة الفلسطينية ذات الخلفية الإسلامية حماس والجهاد، والتي نشأت مع نهاية الثمانينات من القرن الماضي حسمت أمرها وحددت بوصلتها واستعدت ذاتياً، واوجدت لها تحالفات خارج النطاق العربي وعملت على تهيئة حاضنتها الشعبية لمواجهة طويلة الأمد مع الصهاينة، لأنهم يعلمون تمام العلم يا دكتور أن مشاركة اي جيش عربي في معركتهم ضرب من الخيال بسبب واقع النظام الرسمي العربي المخزي والبائس.. فهم في غزة والضفة يواجهون حصار وتنكيل وبطش منذ ثمانية عقود، وهناك حالياً أكثر من 8 آلاف معتقل في السجون الصهيونية، ولم تشفع لهم اتفاقيات السلام والتطبيع مع العرب العاربة والعرب المستعربة. فهل رفع الفلسطينيين الراية البيضاء سيجلب لهم أرضهم!
2. بالنسبة إلى توقيت طوفان الأقصى، لقد جاءت في توقيت محسوب بدقة متناهية زلزل وجود الكيان الصهيوني وخدع كل أجهزته الاستخباراتية (الشين بيت،الشاباك والموساد و غيرها) حيث اعترف كل قادة الصهاينة بالفشل؛ فأين الغيبيات والشعوذة فى عملية طوفان الأقصى التي يتكلم عنها د. رميحي؟ لقد كانت عملية محسوبة ومخطط لها بحصافة واحترافية روعي فيها البعدين التكتيكي والاستراتيجي. ومن حيث التوقيت أيضاً جاءت في وقت كانت الجبهة الداخلية الصهيونية تعاني من انقسام غير مسبوق بسبب التعديلات القضائية، والخسائر الميدنية البشرية والمادية في غزة والضفة والجبهة الشمالية تعكس حجم معاناة الكيان الصهيوأمريكي.
3. بالنسبة إلى الخسائر الفلسطينية البشرية الهائلة وتدمير غزة، إن تضحيات الشعوب يادكتور لا تقاس بعدد الشهداء، فالجزائر ضحت بأكثر من مليون شهيد ثمناً للحرية وخرجت منتصرة على فرنسا، وفيتنام أكثر من مليون شهيد وخرجت منتصرة على من؟ على الولايات المتحدة الأميركية يا دكتور رميحي وليست أي دولة وغيرها من نماذج تحرير في أفريقيا وآسيا. فهل تعتقد يا دكتور بأن الشعب الجزائري والفيتنامي لو رفع الراية البيضاء للمستعمر سينسحب الأخير بسلام وهدوء ويسلم البلد لأهلها على طبق من ذهب؟.. هذا ما تفعله المقاومة الفلسطينية من أجل تحرير أرضها، فأنت تعلم تمام العلم بأن الكيان الصهيوني المجرم وبعد أكثر من ثلاثة عقود على اتفاقية أوسلو (1993) لم يسلم شبر للفلسطينيين بل واصل سرقة الأراضي تحت سمع وبصر العالم.
4. بالنسبة إلى إعتماد مقاتلي حماس والجهاد على العاطفة والغيبيات والشعوذة كما كررتها، ألم يدر في خلدك يا دكتور وانت الأكاديمي والباحث العلمي بأن الشعب الفلسطيني من أكثر شعوب العالم حبا للعلم والتعليم، والتزاما بالدين الاسلامي، وأن الكثير من قيادات حماس والجهاد المدنية والعسكرية من حملة الشهادات الجامعية والدرجات الأكاديمية. فكيف تعتمد هكذا مقاومة في تخطيطها لعملية طوفان الأقصى على العاطفة والشعوذة الغيبيات، ألم يدر في مخيلتك البحثية الواسعة، بأن حماس والجهاد مقاومة إسلامية المنشأ والخلفية وتستحضر آيات القرآن الكريم في الدفاع عن الأرض والمقدسات؟ كما أنها تدافع عن قضية وأرض تم سرقتها منها بالتزوير والكذب والبطش والتطير العرقي، ولي أذرع المنظمات الدولية، في حين ان الجيش الصهيوأمريكي يدافع عن أرض قام بسرقتها ويتحصن داخل دباباته ويستقوي على قتل المدنين من أجل بث الفرقة بين المقاومة وحاضنتها الشعبية. وهل التكبير خلال مواجهة جيش الاحتلال او ايمانهم بأن الله يقاتل معهم ضرب من الغيبيات والشعوذة؟
5. بالنسبة إلى قولك عن تخلي إيران واذرعها العسكرية في المنطقة عن مفهوم وحدة الساحات، فمنذ بدء عملية طوفان الأقصى اشتعلت الجبهة الشمالية بقيادة حزب الله في مناوشات عسكرية مستمرة اشغلت العدو الصهيوني كثيرا، أضف إلى ذلك ما أكدته المقاومة الفلسطينية بأن هناك تنسيق مستمر بينها وبين إيران وحزب الله، ولم تظهر أي تقارير موثوقة حتى الآن أي خلافات بين إيران واذرعها والمقاومة الفلسطينية. إن ايران كما تعلم يا دكتور دولة لها حساباتها ومصالحها الخاصة بها، وتجيد السياسة البرجماتية بإمتياز، وأميركا والغرب خسروا أمام برجماتيتها طويلة النفس ووقعوا الاتفاق النووي مكرهين، وبالتالي فإن إيران تتبع فى موقفها من الحرب على غزة ما اسميته (الغموض الايجابي)، وهذا سوف اسلط عليه الضوء فى مقال آخر.
6. الم يكن أجدر بك ومن باب الإنصاف وانت الباحث العلمي أن تنصف المقاومة من خلال استعراض الخسائر البشرية والمادية والمعنوية التي تكبدها الكيان الصهيوني وما زال، والتي استعراضها الإعلام الصهيوني والعالمي، هذه الخسائر التي أدت إلى إحداث تمزق فى الجبهة الداخلية للكيان الصهيوني وهجرة حوالى 370 ألف صهيوني، ولا يوجد ما يؤكد عودتهم وهروب حوالى 170 الف عامل أجنبي بعد 7 أكتوبر حسب صحيفة ” زمان إسرائيل”، أليس هذا أكبر تهديد وجودي يواجهه الكيان الصهيوني بعد تهديد حرب 73 المجيدة. يضاف إلى ذلك خسارة الكيان الصهيوني الرأي العام العالمي، والتغيير اللافت أخيراً فى مواقف أميركا وبعض الدول الأوروبية الوازنة واستراليا ونيوزلندا وكندا تجاه الدعوة الصريحة لوقف الحرب.

7. وبعد أن وجهت سهام نقدك التائهة إلى طوفان الأقصى، ألم يكن الأجدر بك أن تتحفنا بتصور من بنات أفكارك حول الكيفية التي يسترد بها الشعب الفلسطيني حقوقه، هل من خلال ثورة نهضوية حداثية على طريقة تفكير العديد من النخبة المثقفة! أم من خلال نضال سلمي كما يدعو إليه ابومازن المتعاون أمنياً مع الاحتلال! أم من خلال الرجوع للمفاوضات العبثية والتي أوجدت كيانا او مخلوقا مشوهها اسمه السلطة الفلسطينية فلا هو بدولة مكتملة الأركان، ولا هو بحركة نضالية في حالة ثورية. واتمنى انك سمعت تصريح النتن ياهو بالأمس عن وهم ما يسمي بحل الدولتين، والذي قال امام كل العالم بما معناه ان حل الدولتين من الماضي ولن نسمح بقيام دولة فلسطينية، وبالتالي هذا يدلل على قناعة صهيونية راسخة لخطة تهجير الفلسطينين والتي يسميها الصهاينة (الترانسفير).

وأخيراً احببت أن أهمس في أذنك يا دكتور واقول لك: ما هكذا تورد الإبل، ولم أكن اتمنى عليك يا دكتور رميحي أن تسقط هذه السقطة بعد عقود من الزمن قضيتها في نصرة قضايا الشعوب العادلة. وعليك أن تسترشد بمقولة الزعيم الراحل عبدالناصر ما اخذ بالقوة لا يسترد الا بالقوة، فهل لنا بموقف من د. رميحي يصحح توجيه بوصلة رمحه الذي أخطأ هدفه؟
فمن يرفع الشراع!؟

* باحث وأكاديمي بحريني

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى