بين طوفان الأقصى والحرب الأوكرانية، عمليات قيصرية لولادة العالم الجديد

ميخائيل عوض

ما زال العالم الأنكلو- ساكسوني الشائخ والمتداعي الأركان بعد أن استنفذ مشروعياته التاريخية، وكل عمليات التجميل والترميم، يقاتل ويبذل ما يستطيع للحؤول من دون ولادة العالم الجديد الذي تستوجبه طبائع الأمور وحاجات الحياة البشرية للتقدم والرقي.

فقد بلغ العالم الأنكلو- ساكسوني زمنه الاخير.

بعد هيمنة الولايات المتحدة الأميركية وتعجرفها بقيادة العالم وفرضها قيمها وأنماط حياتها على البشرية، وممارسة حروب التدمير المنهجية للدول والشعوب التي لم تستجب وتسوق معها. وعادت في غزو أفغانستان والعراق وليبيا إلى وسائل الاستعمار القديمة باحتلال البلاد بزعم إنتاج الأمم والهدف صياغتها على مقاس مصالح النخبة المهيمنة في الرأسمالية في حقبتها الأكثر توحشا وليبرالية. وافتعلت الأزمات والحروب الهجينة لتدمير سورية واليمن ولبنان وفنزويلا، وحيث تمكنت لإزالة العقبات من طريقها وتيسير محاولاتها لفرض قرنها الاميركي، وتأمين فرص إجهاض صعود اوراسيا.

بأفعاله التدميرية وبحروب الحصارات والعقوبات والاحتلال والإبادة، وفرض القيم قسراً على الأمم والشعوب،  اتسعت المقاومة وتصلبت كخيار محوري للحؤول دون الهيمنة الأميركية الأنكلو- ساكسونية التي تركزت لخمسين سنة في بلاد العرب والمسلمين، وخيضت الحروب الكبرى في بر وساحل الشام، وأدت إلى استنزاف وهزيمة المخططات والمشاريع التي وضعت لتطويع المنطقة وكسر إرادتها والثأر منها لظفرها بالانتصارات ومراكمتها، واستعصت معها حالة المخاض الدموية القاسية فقد هزمت الغرب وأميركا في كل الحروب ولم تنجح في صياغة وإنتاج مشروعها البديل.

فقد بات العالم الأنكلو- ساكسوني عبئا على الحياة البشرية ومستقبلها، بعد أن نهب وافقر الأمم والشعوب وركز الثروات بيد حفنة معدودة على الأصابع من العائلات والقطاعات الاقتصادية كمثل لوبي المال والمصارف، ولوبي صناعة الحروب وتمويلها، ولوبي المؤسسات عالية التقانة والفاعلة في أدوات العالم الافتراضي والشبكات…

ولأن مقاومة العرب والمسلمين وفرت الأسباب والشروط لتقدم وصعود اوراسيا، وحفزت على المقاومة والتمرد في وجه العدوانية الظالمة والمتوحشة، وبعد أن اختبرت روسيا قوتها من المنصة السورية أثر عاصفة السوخوي التي تجرأت عليها رداً على إسقاط أوكرانيا تحت النفوذ الأنكلو- ساكسوني ولحماية روسيا من مخاطر الحصار والتفكيك والعبث بوحدتها القومية بادر بوتين لعمليته العسكرية الخاصة في أوكرانيا.

فاستنفر الغرب كل قوته وأدواته وسارع إلى تحويلها من عملية خاصة(حرب محدودة) إلى حرب شاملة، كأول مرة في تاريخ الحروب بمثابة دلالة على أن العالم القديم لن يترك الأمور تجري بسلاسة ويمانع ولادة العالم الجديد بديلاً عن هيمنته.

طالت الحرب الأوكرانية أكثر من المتوقع وارتفعت اكلافها بصورة مهولة. ما استدعى انفجار الحرب في ساحة جديدة أهم وأكثر نوعية وتأثيرا في تسريع الولادة المستعصية، فكانت عملية طوفان الأقصى العجائبية والاستثنائية بمثابة الشرارة التي اطلقت وستطلق ديناميات تغيرات جوهرية وعميقة في ميزان القوى في الاقليم والعالم، وسيكون للتحولات أثراً كبيراً في تسريع ولادة العالم الجديد ودفن العالم الأنكلو- ساكسوني.

فمسارعة أميركا والأطلسي لدخول الحرب بكل قوتها وتحشيد الأساطيل والجيوش وقيادة الدبلوماسية، والحرب العسكرية مباشرة بعد أن كشفت طوفان الأقصى خواء، وضعف إسرائيل وتحالفاتها العربية والاقليمية، ووضعتها أمام نهايتها الحتمية التي تجري في العدوان على غزة وانخراط محور المقاومة في الحرب فتح ستة جبهات على إسرائيل وعلى الوجود الأميركي في العراق وسورية والبحر الأحمر.

هكذا تبدو أوجه الشبه والتماثل والتفاعل بين طوفان الأقصى والحرب الأوكرانية، فكلتاهما بدأت بنوايا أن تكون عمليات محدودة وخاصة، ولم يكن بافتراض المبادرين أنها ستتحول إلى حروب شاملة.

إلا أن مازق وأزمات العالم الأنكلو- ساكسوني وشعوره العميق بأن أيامه العادية باتت معدودة، وتنفذ وتتراجع حدود قوته وهيمنته، وأنه يعيش زمن السقوط والتداعي.

نراه يبذل كل ما تبقى له من عناصر القوة والتحالفات والقدرات، وينخرط بالحرب مباشرة، ويغطي عدوانية همجية تخالف كل قواعد ونظم وقوانين الحروب والقانون الإنساني الدولي، ويحمي إسرائيل في عدوانها الذي يتركز بالقصف على المشافي وفرق الإسعاف ومؤسسات الخدمات والتأمين الإنساني والحياتي، وعلى جموع النازحين في العراء وبتدمير المنازل والأبنية المدنية بطريقة غير مسبوقة حتى في الحروب العالمية.

بالمقابل والمنطقي أن القوى والشعوب والأمم التي تمردت على الإملاءات الأميركية، وخاضت حروب المقاومة وصمدت وانتصرت في الحروب أن يشتد ساعدها وأن تتعاظم قوتها بالتفاعل بين الجاري في أوكرانيا وبين الصين وأميركا، ونهوض الشعوب في أميركا اللاتينية وأفريقيا وأميركا نفسها، والاتحاد الأوروبي، وتسارع سعي الشعوب والأمم المتضررة من عدوانية وتوحش العالم الأنكلو- ساكسوني للاستثمار بأزماته ومازقه وهزائمه، وحري بها أن تتضامن مع غزة واطفالها وأن تنهض للمساندة ومحاصرة النفوذ الغربي، ومن شأن انتصار غزة ومحور المقاومة المحسوم وغير المشكوك باحتمالات الحرب أن يطلق تفاعلات وتحولات عالمية غير مسبوقة. من الثابت والمؤكد والمنطقي أن تسارع تراجع وتعمق أزمات نخب ودول العالم الأنكلو- ساكسوني ستشكل فرص ذهبية للأمم والشعوب الراغبة بالتحرر والتخلص من عدوانية العالم لانكلو ساكسوني،  فمن المؤكد والمنطقي أن تسهم حربي غزة وأوكرانيا بتسريع الأزمات والانحسار والانكشاف على العجز  والهزائم.

فتشكل حرب غزة وطوفان الأقصى العملية القيصرية الثانية لتسريع ولادة العالم الجديد.

هكذا يجب النظر والتعامل مع حرب غزة ومجرياتها وانخراط المحور وجبهاته النشطة، والنهوض الشعبي العربي والعالمي المتعاظم، والتحولات الجارية والمتسارعة في شتى المسارح والميادين.

وتبادل المنافع بين الحرب الأوكرانية وحرب غزة والنهوض الشعبي العالمي للتضامن مع غزة ورفض ممارسات إسرائيل وحلفها المتوحش تتقاطع، فتنحسر قدرات أوكرانيا والدعم الأميركي الأطلسي لها ما يعزز فرص روسيا بتحقيق غايتها، وانتصار روسيا واستنزاف الأطلسي في الحرب مع محور المقاومة سيعزز مكانة الصين ودورها وقد بحول دون وقوع الحرب في تايوان وبحر الصين التي كان ينتظرها الكثيرون، وانتصار روسيا وصعود الصين سيعزز بالضرورة من قوة وفرص المحور ويسهم بتمكين غزة من انتصار تاريخي يدشن مسيرة تحرير فلسطين من البحر إلى النهر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى