لولا وعد بلفور لا وجدت “إسرائيل” ولا سال دم عربي ولا هجر أبناءنا ولا هدمت منازل

بقلم د. مي خليل مراد

إنه الوعد المشؤوم الذي أصاب وطننا العربي في الصميم، قطع أوصالنا، هتك حرماتنا وزعزع استقرارنا بسبب غرسه شوكة سامة في أرضنا، وبسببه خسرنا ثرواتنا واقتصادنا وفلذات أكبادنا، منهم من استشهد ومنهم من هاجر ومنهم من استغلت أدمغتهم، سرقوا كل ما نملكه ودسوا الفتن وأشعلوا الحروب، وكل ما فعلوه من ظلم وإجرام كله لأجل عيون إسرائيل ومخططهم الصهيوني القذر.

في الثاني من نوفمبر/تشرين الاول عام 1917 أرسل ٱرثر جيمس بلفور رسالة إلى ليونيل والتر دي ريتشيلد يصرح فيها تأييد حكومة بريطانيا لإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، وصدر ذلك بعد اتفاقية الأمير فيصل ممثل ملك الحجاز مع حاييم وايزمان الصهيوني، أول رئيس إسرائيلي التي وقعت عام 1915، وتم اعتمادها في باريس عام 1919 لتطبيق وعد بلفور.

نص الرسالة:
في الثاني من نوفمبر/تشرين الأول عام 1917
عزيزي اللورد روتشيلد
يسرني جدا أن أبلغكم بالنيابة عن حكومة جلالته
إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف لإقامة مقام قومي إلى الشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية على أن يفهم جلي أنه لن يؤتي بعمل من شأنه أن ينقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في أي بلد ٱخر.
وسأكون ممتنا اذا أحطم الاتحاد الصهيوني علماً بهذا التصريح
المخلص ٱرثر جيمس بلفور
………………..

هذا هو الوعد المشؤوم الذي غير وجه المنطقة في الشرق الأوسط، من دون أدنى شك أحد أكثر الوثائق السياسية تأثيرا في القرن الماضي تم إدراجه ضمن صك الانتداب البريطاني في عصبة الأمم على فلسطين، بالتالي أصبح بشكل أو بآخر يضمنه القانون الدولي ليتم تنفيذه النهائي مع قيام إسرائيل عام 1948.

كان وعد بلفور ثمرة جهود مناصري الصهيونية داخل الحكومة البريطانية بمن فيهم: “بلفور ورئيس الوزراء ديفيد لويد جورج وعضو مجلس اللوردات هربرت صموئيل”.

قد لعب حاييم وايزمان رئيس الاتحاد الصهيوني في بريطانيا شباط/فبراير 1917دورا بالغ الأهمية في تلك الجهود المبذولة خلال ثلاثين عام في العمل على إقامة أسرائيل داخل الشرق الأوسط، وكان آنذاك على علاقة وثيقة وطويلة الأمد مع كل من بلفور وليويد جورج وونستون تشرشل والشخصيات النافذة سياسياً.

تأمل المسؤولون البريطانيون أن يؤدي النظر بعين العطف إلى مسألة إقامة وطن لليهود في فلسطين إلى كسبهم تأييد يهود الولايات المتحدة وألمانيا وروسيا جهودهم الحربية، كما هدفوا أيضاً إلى ترسيخ مطالبهم بفلسطين بعد الحرب التي تدعم سيطرتهم على مصر وقناة السويس.

لقد تم الإعداد والتجهيز له أثناء الحرب العالمية الأولى، عندما كانت بريطانيا وفرنسا تفكران بالاستيلاء على المقاطعات العربية التابعة للامبراطورية العثمانية بعد الحرب، وكانوا على يقين بانتصار الحلفاء على قوات المحور بقيادة ألمانيا، وسبق لهاتين القوتين الغربيتين أن تفاوضتا بموافقة الامبراطورية العثمانية على وضع كل من لبنان وسوريا تحت السيطرة الفرنسية، أما العراق وشرق الأردن وجزء من فلسطين “حيفا وعكا والمنطقة الممتدة من غزة إلى البحر الميت بما فيها النقب” تحت السيطرة البريطانية وباقي فلسطين تحت إدارة دولية.

وقع البلدان على المعاهدة السرية التي سميت بمعاهدة سايكس- بيكو في شهر أيار مايو لعام 1916، لم يتم الإعلان عنها إلا في تشرين الثاني من العام 1917 بعد الثورة البلشفية، في ذلك الوقت كان المندوب السامي السير هنري مكماهون في مصر، وقد وعد سرا الشريف حسين شريف مكة بأن بريطانيا ستدعم استقلال بلاده العربية، بعد الحرب بناء على تلك الضمانات خرج الأمير فيصل ابن الشريف حسين بثورة ضد العثمانيين في حزيران /يونيو عام 1916.

تناقض وعد بلفور مع وعود بريطانيا بعد وقت قصير من صدوره دخلت القوات البريطانية فلسطين، واستولت على القدس في ديسمبر كانون الأول من عام 1917، ثم تابعت احتلالها للبلاد مع حلول شهر تشرين الاول أكتوبر 1918.

تم فرض حكومة عسكرية في فلسطين الأمر الذي أدى إلى دعائم لما يسمونه بالوطن القومي اليهودي على أرض فلسطين، وفق وعد بلفور حتى قيل انتداب بريطانيا على فلسطين رسمياً…

عام تموز 1920 عين صهيوني معروف بالسير هربرت صموئيل أول مندوب سام في فلسطين، وفي آب منه وافقت الإدارة المدنية الجديدة على مرسوم هجرة اليهود وشرعت لهم الأبواب، في هذه الأثناء أسس مؤتمر باريس للسلام عام 1919 من عصبة الأمم وأدخل إلى القانون الدولي بمفهوم “الوصاية”.

وتوضح المادة 22 من ميثاق عصية الأمم أن المقاطعة التي كانت تابعة للسلطة العثمانية في دولة مستقلة خاضعة لإدارة القوة المنتدبة بريطانيا، هذه الأخيرة التي ألتزمت بتحقيق وعد بلفور واعترافها بالصلة التي تربط الشعب اليهودي بفلسطين، أما بالنسبة إلى سكان فلسطين الذي يبلغ 90%، وفقاً للإعداد البريطاني باعطائهم الحقوق المدنية والدينية، وأغفلت عن حقهم السياسي والوطني.

بالإشارة إليه كان صك الانتداب البريطاني صك محشو بالنصوص التي تعطي الحق لرعاية المشروع الصهيوني في فلسطين وتقييد الحقوق العربية والإشارة إليها باقتضاب.

وجعلت بريطانيا مسؤولة عن الوضع فى الأحوال السياسية والإدارية والاقتصادية لتضمن إنشاء الوطن المزعوم، واعترفت بعد ذالك “بالمنظمة الصهيونية” تحت إسم “الوكالة اليهودية”، وهي الجهة المسؤولة لإسداء المشورة والتعاون مع بريطانيا بشأن كافة المسائل التي تؤثر في إنشاء وطن يهودي ضمن تسهيل مرورهم والتشجيع على الإستيطان، ومنحهم الجنسية الفلسطينية، ومنح أيضاً اللغة العبرية مكانة توازي اللغة العربية كلغة رسمية في فلسطين.

هذا هو الوعد المسموم المشؤوم الذي غرس في أرضنا الاحتلال والإجرام والدمار والخراب والتهجير والفتن والقتل وسفك الدماء.
الا لعنة الله على الظالمين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى