
سورية: طفح الكيل… هل من معجزة؟ 2/3
من يسبق الانفراج أو الانفجار؟
ميخائيل عوض
يقول المثل السوري؛ اشتدي أزمة تنفرجي، وآخر الليل أحلكه، وما أن تنطق بهذا حتى يتبارى الحضور بتصحيح المثل، اشتدي ازمة تنفجري؟ فلمن تكون الغلبة للانفراج أم للانفجار؟
لا يخفى عليك ما تبطنه الابتسامات الحزينة التي لا تفارق ثغر السورين، فجرأة النقد والاتهامات تبدو لك مشفوعة بعتب عميق، وبرهاب ان ينكسر الأمل، الباقي لهم.ف
الغريق يتعلق بحبال الهوى، ويرددون، لابد من انفراج فسورية الله حاميها.
فرهان السورين وهم في هذه الشدة على الرئيس وحده ويحدوهم الأمل، ويصبرون بانتظار ما سيفعله الرئيس ويتوقعون خطوات مفاجئة وعميقة تخرجهم من اليم العميق.
يسرون لك، بأنه من غير المنطقي أن العقل والإرادة التي قادت سورية في الحرب العالمية العظمى ونجت بها، من غير المنطقي ألا يكون مطلعاً وعارفاً بالحالة، وألا يكون قد أحكم رؤيته ويتحضر لإطلاق استراتيجية احتواء الأزمة تمهيداً للنهوض وتمكين سورية من دور ريادي في اعادة تشكيل العرب والاقليم.
تسأل: من أين لكم هذه الثقة والأمل؟ الأشبه بالقناعة الراسخة؟
يأتيك الجواب: من التجربة، وما أثبتته من أن العقل القيادي في سورية فذ، واستراتيجي، وعارف بدقائق الأمور وما هو جار وما سيكون.
القائد هو من يتصرف بالوقت المناسب ليكون الآتي في صالح مشروعه، ولأنه القائد لا يعلن ما يبطنه ولا يتخذ قراره إلا في الوقت المناسب.
فالرئيس كرس قاعدة الحوار المجتمعي، التي شكلت تجربة نموذجيه فريدة وغير مسبوقة من الرؤساء، فقد عقد شخصياً أكثر من 1500 ساعة حوار مع كل فئات الشعب السوري ومن كافة المناطق، عندما بدأت الأزمة ووقف على أدق التفاصيل، وذكر في خطابه على مدرج جامعة دمشق، ما تعرف عليه من أزمات ومشكلات بصراحة ولم يخف الأمور او يتجاهلها، ودأب على الوفاء بقسمه الأول؛ سأبقى معكم وبينكم مواطناً عربياً سورياً، وبقي برغم المخاطر الأمنية يقوم بزيارات لمواقع المقاتلين في الجبهات ومع عائلته إلى بيوت المواطنين يشاركونهم الهموم والغذاء، ويصغي للناس باهتمام شديد، وليس ما يمنعه من قيادة ورشة حوار وطني مجتمعي، كما فعل في بداية الأزمة.
في السنوات الأولى للحرب وقع تشكيك وسادت أجواء نقمة واستعجال للإجراءات، وطال التشكيك بكل شيء ولم يوفر القيادة، وقيل الكثير في نقدها. ثم جاءت النتائج وكشفت عن القدرات الاستثنائية للشعب والجيش والرئيس، وسارت الأمور على ما يحقق مصالح سورية.
هل تملك سورية القدرات والشروط لاحتواء الازمة والشروع بمعالجتها والاستعداد لتحقيق قفزات في مكانتها؟
موضوعياً وبالفرص المتوفرة والإمكانات العملية الكامنة الجواب بنعم وبكل تأكيد؟
ماذا تنتظر القيادة ومتى تطلق صفارة العمل للعلاج والتغيير؟
يتسقط المتفائلون كل شاردة وواردة وينفخون بكل ارهاص فتوقهم للخلاص ضاغط، وبعض الأخبار والتسريبات تتحدث عن ان تغييراً جوهرياً مقبلاً، وأول غيثه مؤتمرات الفروع لحزب البعث، وانعقاد اجتماع القيادة المركزية وإطلاق دورة التحضير للمؤتمر العام.
ويتم التداول بان دعوة وجهت لانعقاد دورة لمجلس الشعب لطرح الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، والبحث في آليات تأمين السيطرة عليها، ما يذكر أيضاً بأن أول خطاب للرئيس بعد بدء الاضطرابات كان في مجلس الشعب وفيه حدد الاولويات وعرض استراتيجية المواجهة.
فأدوات التغير ومؤشراته تبدا من الحزب، ومن مجلس الشعب، المؤسستين اللتين يتعامل معهما الرئيس أنهما الأساس في عدة المواجهة.
هكذا جرت الأمور منذ مؤتمر الحزب عام ال2000، وعندما قرر التغيير في الحزب والدولة بعد الخروج من لبنان 2005، وكان أول خطاباته في 2011في مجلس الشعب.
التغيير المطلوب يستلزم ثورة من فوق- بالتعريف السوري “حركة تصحيحية” الثورة بكل معاني الكلمة، فالظروف والبيئات والحاجات والأزمنة تغيرت حديا، والدولة وأجهزتها واعبائها وتقادم هيكلياتها وبيروقراطيتها وعناصره،ةاغرقت في التقليدية والتقادم، والجهود الاستثنائية ومحاولات الإصلاح الإدارية والاقتصادي والتنمية البشرية استهلكت بلا أي نتيجة يعتد بها، وعندما تفشل محاولات الاصلاح تستحق مهمة التغيير.
الحاجة للتغير الجذري والتطوير ملحة جدا وقد فرضت الحرب نفسها بنتائجها الكارثية وما أحدثته من تغيرات هيكلية وبنيوية في المجتمع والاقتصاد، ووظائف الدولة، وغيرت جوهريا فيما كان وتستوجب مساراتها ونتائجها وعصف الأزمة الاجتماعية والاقتصادية من جرائها وبنتائج الحصار الجائر وعدوان العقوبات وظلم ذوي القربى بالتفاعل مع الجاري في العالم والمحقق في ثورة التقانة والتواصل والذكاء الصناعي، ودنو حقبة الادارة الشبكية واللامركزية الإدارية. وما تستوجبه حقائق الأزمنة وحاجاتها وموجبات الجغرافية والجيوبولتيك، وما يتطلبه الدور الريادي المرتقب لسورية في عربها واقليمها تجعل من الحركة التصحيحية مهمة مستحقة، قد لا تقبل التأجيل والإطالة.
كل ما جرى وما هو جار وما تستلزمه حقائق وحاجات المستقبل تفرض الحاجة لثورة نوعية في سورية وعلى قواعد ثوراتها من فوق، وتتحقق لها عناصر الثورة الظافرة وتتجسد بثلاثيتها الذهبية؛ الشعب والجيش والقائد وهي التي حفظت سورية وأمنتها ومكنتها وما زالت فاعلة وقادرة على حماية وحمل مشروع التغير الجذري وإنفاذه باقل قدر من المخاطر والنتائج السلبية.
فكل تغير وكل ثورة عاشتها سورية منذ بدء تاريخها كبداية للتاريخ البشري كانت من فوق، فكيف والفوق اليوم متفوق ومشهود له وقد انتزع الإقرار بقدراته الفذة من الأعداء قبل الأصدقاء وتربع على عرش قلوب السورين ويستمر الأمل الباقي.
الخطط والرؤية لإطلاق مرحلة الانفراجات لابد انها حاضرة واللحظة المناسبة تقترب وفي عادات السوري الموروثة انه لا يستعجل الامور ولا يستطيب الفاكهة الا في موسمها وعندما تنضج.
وقد لا تكون مصادفة ان الايام الجارية هي أيام الحر الشديد، لانضاج المواسم قبل دنو الخريف وقد يكون الشتاء قاس كقساوة الحر.
الإجراءات الحافزة للانفراجات المرتقبة ازف موعدها ولا بد ان تسبق أيلول او تستعجلها توترات اجتماعية واحداث من المرجح ان يكون أيلول -تشرين مسرحها وقد تتسبب بها حوادث وامور صغيرة وشرارات عابرات كحرائق الغابات.
لماذا أيلول؟ لأنه شهر التوترات الاجتماعية والمطلبية.
أيلول شهر المونة والمدارس وعودة الاسر من الأرياف إلى المدن وشهر التحضير لفصل الشتاء، تبلغ فيه الأرواح الحناجر مع اشتداد الأزمة وتحليق سعر الدولار غير المبرر اقتصادياً ومالياً، مع توافد عشرات الاف المغتربين والسواح وتحويلات المغتربين لذويهم ما يوفر اسباب لاستقرار سعره كما جرى في بيروت وهي على مرمى حجر من الشام التي لم يستقر دولارها على سعر بينما استقر في بيروت المأزومة حتى الثمالة.
لا سبيل لسورية الا الانفراج فلا زمن أو بيئات للانفجار العاتي ولحريق يلتهم ما تبقى.
غداً عن احتمالات الانفجار والحرب…
…/ يتبع