التطاول الإسرائيلي على سورية استضعاف أم استدراج الحرب قبل اكتمال عدتها؟

ميخائيل عوض
تخطت إسرائيل في سورية الخطوط الحمر وجاوزت كثيراً ما سمي بقواعد اللعبة وحدود المناورة.
الاستهدافات تركزت على مواقع الجيش العربي السوري ومنشاته، ثم على المرافئ، وبعدها بصلافة على مطار دمشق الدولي ومطار حلب وكلاهما مدنيان.

بداية يمكن الجزم بالقطع أن الاعتداءات تطال هيبة سورية وسيادتها وكرامتها الوطنية التي طالما تغنت بها، وكانت أحد أهم مرتكزات دورها وثباتها، وصمودها الأسطوري وخوضها الحرب العالمية العظمى التي تعرضت لها وتنتصر فيها لتسهم في تغير ما حولها في الاقليم والعالم. وسورية بقيمها والتزاماتها وعلى رغم ما دفعته من أثمان تنوء تحتها دول عظمى وامبراطوريات كبرى لم يفارقها التصميم على تحرير الجولان التي تعتبرها وسطها وفلسطين جنوبها، كما كان يردد الرئيس الراحل حافظ الأسد في السر والعلن، ولم يكن يوماً هدف سورية الجولان بلا فلسطين.

الاعتداءات الإسرائيلية التي وصفت بتكتيك المعارك بين الحروب بذريعة استهداف الخبراء الإيرانيين وفصائل المقاومة التي هبت لمناصرة سورية الدولة والشرعية وبموجب تحقيق سيادتها فشلت ذريعاً وإنباناً السيد حسن نصرالله أنها جاءت بعكس ما سعت إليه إسرائيل فبات الحزب يصنع المسيرات النوعية ويجعل الصواريخ كلها دقيقة.

فإسرائيل تكذب بسفور عندما تزعم أنها تستهدف مواقع أو شحنات إيرانية ومواقع لفصائل المقاومة، فقد أثبتت إيران والمقاومة أنها ردت على استشهاد خبرائها ومجاهديها، وما زالت إسرائيل وجيشها تقف على رجل ونص بانتظار رد حزب الله على استشهاد أحد مجاهديه السنة المنصرمة في محيط مطار دمشق.

إذن
إسرائيل تعتدي عن سبق تصور وتصميم على سورية ومنشاتها المدنية والعسكرية، وتستهدف مرافئ ومطارات مدنية، وهذه تعني في ظروف عادية إعلان وكسر مرحلة أللا حرب وأللا سلم منذ حرب تشرين وحرب الاستنزاف وجبل الشيخ.
لماذا تجرؤ إسرائيل على سورية بصلافة وتحدٍ؟ وهي أعجز من أن تتحرش بحزب الله وبغزة؟ ولماذا لم ترد سورية على رغم وقائع وحقائق الواقع وموازين القوة التي يقر بها غالبية الباحثين والاستراتيجيين باختلالها لصالح محور المقاومة، وتقر به إسرائيل وقياداتها ومراكزها للخبرات والأبحاث.

والأمر يؤكده ويكرر تأكيده صاحب الوعد الصادق وقائد الانتصارات ومراكمتها السيد حسن نصرالله، وقد قالها مرات وأعادها ويعيدها دوماً، المقاومة ومحورها جاهزون لجعل تحدي الحرب فرصة لتحرير القدس وسنصلي فيها.
وذات العناوين يثيرها يومياً ويصرح بها قادة إيران وضباطها وخبرائها، حتى أنك تسأل نفسك ولماذا يتركون إسرائيل تبلطج وتعتدي؟ ومتى سيتحول وعدهم وكلامهم إلى فعل ممارس؟

على ماذا تراهن إسرائيل؟
من غير المنطقي القول إن إسرائيل تستدرج حرباً مع سورية لاستعادة قوتها الردعية بعد أن انهارت في لبنان وغزة ومع إيران وفصائل المقاومة، وفي جميع الحروب وفروعها.

وإسرائيل تعرف أن إيران والمقاومة التي هبت لنصرة سوريا وتحملت الأعباء والتضحيات الجسام بلا حساب، من غير المنطقي وليس معقولا أن تتخلى عن سورية في حالة الحرب بل أعلنها السيد نصرالله مراراً أن محور المقاومة في الخندق الواحد والحرب ستشمل مختلف المسارح والساحات والجبهات.

إذا لم تك إسرائيل في وضع يجيز لها استدراج الحرب، التي تعرف نتائجها والتي بحسب وعد قادة المقاومة  ستنهي وجودها… إذن ماذا تفعل؟
تغامر تحت ضغط أزماتها الداخلية وصراعات قبائلها…؟  ربما …! لكنها تنتحر وتستعجل نهايتها.
هل تستوطي حيط سوريا وتحولها إلى مكسر عصاها برهان أنها على درجة من الضعف والانشغال بأزماتها وحروبها شرقاً وشمالاً مع التركي والأميركي والعصابات المسلحة، وتاليا تمارس هواية تنفيس احتقاناتها وترهب سورية ومحور المقاومة! والقائلين بهذا يزعمون بوجود تفاهمات إسرائيلية روسية على تفكيك قوة إيران في سورية، وتالياً في لبنان والعرب، والبعض يذهب أبعد بافتراض أن تفاهمات بين القيادة السورية والسعودية برعاية أميركية وشراكة مصرية، يجري بموجبها تأهيل سورية للتطبيع والتخلي عن قيمها وثوابتها بذريعة ما بلغته من انهاك ومن أزمات اقتصادية اجتماعية حادة، وما يعانيه جيشها من انهاك وضعف.

هذه الأفكار والأطروحات لا تستحق المناقشة والبحث، فلا الروسي مضطر أو صاحب مصلحة بالغدر بسوريا وحلفها والتخلي عن مصالحه في إيران ومعها، ولا إيران وسورية ومحور  المقاومة على تناقض وصراع قد يدفع بسوريا إلى مثل هذه الخيارات، والأهم أن خيار التفريط والخيانة والتطبيع قد سقط وانكشف على عوراته وأزماته، ناهيك عن أن سورية قاتلت بوعي وببسالة، وكانت قد رفضت عروض مجزية فكيف بها وهي وحلفها والمحور العالمي الصاعد بدفع من تضحياتها في حقبة الصعود على حساب تراجع وتأزم الغرب ومشاريعه والأزمات تضرب إسرائيل.

التحرشات الإسرائيلية قد تكون لحسابات واهمة أو لقراءات خاطئة لميزان القوى والتحولات، ومؤكد بدوافع الهروب من الأزمات الداخلية وبدوافع الأوهام بعودة العجوز إلى التصابي.

قد لا يكون في حساب إسرائيل أنها ولا أحد في الكون يمكنه منع تدهور الأمور وصولاً إلى استدراج المواجهة التي وعد السيد نصرالله بتحويلها إلى تحدي تحرير القدس.

أما الاحتمال الأرجح، فيشر إليه ما تسرب منذ فترة ويجري تداوله على نطاق واسع: من أن محور المقاومة حزم أمره واعد عدته ويستكملها ليبدأ حرب تحرير فلسطين وتغيير خرائط المنطقة والاقليم، وتغيير جدول أعمال القوى العالمية وخططها ومسارات مستقبلها، والتسريبات تشير إلى أن موعد الحرب قد يكون في  تشرين، وأن التوقيت مرتبط بعدة أمور: بلوغ إيران درجة تصنيع القنبلة النووية، وامتلاك سلاح الردع لمنع إسرائيل حتى من التلويح بها، والأمر الآخر استكمال الاستعدادات العملانية وتأمين المسرح والذريعة واستغلال متقن لأزمات إسرائيل وحلفائها، وانشغالاتهم فإسرائيل تكون منشغلة بعاصفة الانتخابات. وأميركا تكون غارقة بالانتخابات النصفية العاصفة وأوروبا تبدأ بحصد نتائج خضوعها للإملاءات الأميركية في الحرب الأوكرانية، والمرجح عند الخبراء بدء انهيار المنظومات المالية والاقتصادية للاقتصاد الأميركي والأوروبي وتوابعهما.

من غير المستبعد أن إسرائيل  تيقنت من أن الاستعدادات جارية بوتائر متسارعة تحضيراً لحرب اقتلاعها، ويرجح هذا للاحتمال جواب الرئيس الأسد لزواره عندما سأله أحدهم متى سترد سورية عملياً، وتسقط مقولة الزمان والمكان المناسبين، قال:  لماذا سورية معنية بالرد على الرد؟  فإسرائيل هي التي ترد وتحاول تعطيل والإبطاء ما بلغته سورية وحلفها من تعاظم القوة كماً ونوعاً، ودعاة هذه التسريبات يشيرون إلى واقعة أن سورية لم تطلق عملية إعادة الإعمار على رغم تحرير مناطق منذ 2012 عن سبق تصور، يقول إن الدمار قد وقع وأن لا خلاص لسورية والعرب والاقليم من الحروب والتخلف والتجزئة إلا بإنهاء ظاهرة إسرائيل وكسر أعمدة مشاريع الغرب وقوته، لانهاك المنطقة والعالم، وما دامت الحرب آتية فلما الإعمار، وهذه رؤيا تتطابق مع رؤية القيادة الإيرانية وعناوينها الكبيرة منذ انتصار الثورة.

كما يتعزز هذا الاحتمال في مسارات الضغوط الحادة التي مارسها بوتين وتمارسها إيران بصفتيهما ضامنا اتفاقات استانا لإلزام تركيا بسحب قواعدها من الاراضي السورية وتصفية المجموعات الارهابية، وما شرط تركيا بالمقابل بضبط حزب العمال الكردي وحل مشكلة اللاجئين إلا تأكيداً لتفاهمات إيرانية روسية تتقاطع مع مصالح وحاجات تركيا ورئيسها أردوغان الساعي بكل الوسائل والطرق لتأمين بقائه وحزبه في السلطة التي يتهدده  السقوط تحت ضغوط الازمات الاقتصادية والاجتماعية وتصاعد أزمة اللاجئين السوريين في تركيا، وبات حل أزمتهم شرطاً لاحتفاظ أردوغان وحزبه بالسلطة في انتخابات 2023،  بينما الشروط السورية معروفة ومكررة ومعنى أن يسعى أردوغان لمصالحة سورية وتلبية شروطها أنه نفض يده من الأميركي، وأنه حاضر لتيسير الأعمال العسكرية التي تستهدف قواعد الاحتلال الأميركي التي تصاعدت أخيراً بمبررات الرد على الاعتداءات الإسرائيلية ذاتها. إضافة إلى أن تلبية أحد شروط تركيا بتقييد حزب لعمال الكردستاني يستوجب إسقاط قصد وتوجيه ضربات مؤلمة للقواعد الأميركية لدفعها للانسحاب والتخلي عن حلفائها، وتركهم في العراء كما فعلت في أفغانستان وغيرها.
هكذا يمكن فهم الصبر السوري، ويمكن تفسير الجرأة الإسرائيلية، وتصاعد اعتداءاتها واستهدف المرافئ المدنية.

فغاية إسرائيل تأخير الاستعدادات للحرب أو استعجالها قبل أوانها وأو استدراج أميركا وحلفها للانخراط بها قبل أن يغرقوا بانشغالاتهم وأولوياتهم  وبين الأهداف الضغط على سورية لمحاولة احتوائها بالتشارك مع حلفاء إسرائيل وأميركا لفك العلاقة مع المقاومات وإيران، بالرهان على عنف وتفاقم الأزمة الاقتصادية الاجتماعية في سورية التي يتسبب بها الحصار وسياسات خاطئة، وتلكؤ السعودية والإمارات ومصر عن الانفتاح على سورية وتأجيل دعوتها لقمة الجزائر لتطبيع العلاقات وعودتها إلى مجاريها.

هل ستنجح إسرائيل وحلفها باستخدام الجزة والعصا في وجه سورية لفك العلاقة مع إيران والمقاومات؟
الجواب، بالتأكيد والثابت أنه حلم إبليس بالجنة فقد سبق السيف العذل.
هل يستدرج محور المقاومة للحرب قبل إتمام التجهيز وتوفير الظروف والشروط والأزمنة المناسبة؟

ليس مستبعداً فإن تطاولت إسرائيل أكثر ومست بالخطوط الحمر لا شيء يمنع من اندلاع الحرب، وقد يستعجلها شرارة من الضفة وفلسطين الـ48 التي تتصاعد مقاومتها المسلحة، وتنذر بانفجار كبير، يرتهب الإسرائيليون لمجرد تخيله.
وقد تستدرج الحرب وتستعجلها شرارة الترسيم والمماطلة الأميركية- الإسرائيلية والمناورات التي يمارسها هوكشتاين، فقد التزم السيد حسن نصرالله شخصياً بإنجاز الانتصار والتحرير الثالث باستعادة السيادة وحماية القرار الحر، والشروع باستثمار الثروات وتحرير البحر إسوة بالأرض استعداداً لحماية الجو،  ولو تطلب الأمر الحرب، وحدد للمفاوض الأميركي  وللإسرائيلي ٤ اسابيع مرت بكاملها وبات الزمن يحسب بالساعات وليس بالأيام والأسابيع.

أحداث عاصفة وتطورات نوعية تعدنا بها الأيام المقبلة ومسارحها وساحاتها مفتوحة وفي كل الجغرافية، فالباطل استنفذ قدراته ودوله بلغت ذروة الأزمات والعجز، وإسرائيل التي ترتهب من اإصبع السيد حسن نصرالله، وتحتسب لانفجار غزة وتتحسب لانتفاضة عارمة ومسلحة في الضفة وفلسطين الـ48، تقامر بمستقبلها وبقائها عندما تغامر وتكسر قواعد اللعبة والخطوط الحمر في سورية، فللصبر حدود وسوريا ومحورها في حالة جهوزية ويستكمل الجهد  تحضيراً للحرب التي ستنقل محور المقاومة من حقبة الدفاعية إلى استراتيجيات الهجوم، كما أمر القائد الخامنئي، وكما أعلن السيد حسن نصرالله  وجاهر القائد الجهادي بمعلومات وافرة لإبراهيم الأمين رئيس تحرير جريدة الأخبار.

أجواء برس

“أجواء” مجموعة من الإعلام العربي المحترف الملتزم بكلمة حرّة من دون مواربة، نجتمع على صدق التعبير والخبر الصحيح من مصدره، نعبّر عن رأينا ونحترم رأي الآخرين ضمن حدود أخلاقيات المهنة. “أجواء” الصحافة والإعلام، حقيقة الواقع في جريدة إلكترونية. نسعى لنكون مع الجميع في كل المواقف، من الحدث وما وراءه، على مدار الساعة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى