بين مصر وتركيا تقاطعات وأزمات طاحنة واختلاف بالخيارات1/5

ميخائيل عوض

لتركيا موقع جغرافي حاكم، وتنوع بشري وعدد سكان كبير ومجتمع شاب، وكانت لزمن طويل امبراطورية مترامية الأطراف ولمدة جاوزت القرون الأربعة، وقد أوصى القيصر بطرس الأكبر بالقسطنطينية باعتبارها منصة التحكم برياح الأرض الأربعة. وقد وصف كيسنجر بوتين بأنه التلميذ النجيب للقيصر الأكبر.

أعطى حزب التنمية والعدالة والرئيس أردوغان لتركيا قيمة إضافية في العقود الأخيرة، فقد عرف موقعها واهميته الحاسمة في الجاري من تبدلات وفوضى عالمية، وانتدب نفسه وتركيا وكيلاً للشرق الأوسط الجديد الذي سعت إليه أميركا والأطلسي، وانتدب إسلامه الإخواني لإنفاذ أخطر وأوسع مؤامرة استهدفت العرب والمسلمين، وبجرأة كبيرة أدخل تركيا في شتى الأزمات من سورية والعراق إلى اليمن والسودان وتونس وليبيا، وافريقيا، إلى آسيا الوسطى ساعياً بعلنية إلى استعادة العثمانية، وتحت عناوين وشعارات مختلفة ومنها العالم التركي، وقالها: علينا أن نعود إلى كل بقعة وصلها أجدادنا على ظهور الجياد، فتورطت تركيا بعدد كبير من النزاعات المسلحة، وارسلت خبراء وتشكيلات من جيشها وأعدت ودربت واستثمرت بتشكيلات الإخوان المسلمين وقوى الإسلام السياسي والعسكري السني، حتى باتت ثاني أكبر دولة بعد أميركا في انتشارها العسكري العالمي.

سعت وما زالت الأردوغانية لظم الموصل وحلب بذريعة أنها تركية، وعينت السلطات التركية واليا للسورين واستدرجت ملايين من اللاجئين وجنست عشرات الآلاف، وتحاول إقامة جدار بشري فاصل كمنطقة آمنة لتأمين حمايتها من الكرد المسلحين واقتطاع أجزاء بعد لواء إسكندرون وانطاكيا في سورية وما تمكنت من شمال العراق.

تميزت حقب الرئيس أردوغان بالقدرة البارعة على المناورة واللعب على الحبال والاستثمار بموقع تركيا وبالصراع بين روسيا الأطلسي وأميركا والصين، واستثمرت في العراق وبالحصار المطبق على إيران، كما نجح الرئيس وفريقه في تقديم تركيا معجزة اقتصادية، وإسلام وسطي، وواسطة وفاصل بين الغرب والشرق، وعمد أردوغان إلى الانقلاب على الأتاتوركية ويسعى لأخونة وأسلمة تركيا.

تبني تركيا للإخوان المسلمين والتورط المباشر في الساحات العربية خلفت أزمات وندوبا في العلاقات مع الإمارات ومصر والسعودية، وتصاعدت حدتها مع سيطرة الجيش المصري وإسقاط الإخواني في مصر، والأزمة المصرية السعودية الإماراتية مع قطر لتبنيها الإخوان ولتمويلها المشروع الأردوغاني الإخواني.

العلاقات الإيرانية – التركية بدورها شهدت وتشهد تنازعا على الدور والمكانة وقيادة المسلمين، برغم حجم العلاقات الاقتصادية والسياسية الناشطة والتي بلغت انحياز ايراني حاسم لصالح أردوغان عقب المحاولة الانقلابية الفاشلة التي شهدتها تركيا 2016.

نجح أردوغان بتفكيك الدولة العميقة الأتاتوركية ووجه ضربة ساحقة لمنظمة غولن الإسلامية الخدمية، برغم أنه وفريقه من أبنائها، وتخلص بعسف من رفاق دربه وقادة حزبه، وأخضع الجيش وكيفه لصالح مشروعه.

لم تنجح الجهود التركية بتذليل العقبات أمام دخول لتركيا للاتحاد الأوروبي، برغم كل ما قدمته من التزامات وما لعبته من دور في خدمة الأطلسي بصفتها الدولة الثانية لجهة تعداد وقوة جيشها، وأقفلت أبواب الاتحاد في وجهها لأنها دولة إسلامية بعدد سكان كبير….

والعلاقة مع واشنطن وإدارتها لم تكن كلها سمن على عسل فاتهمت تركيا أميركا باحتضان غولن وبمسؤوليتها عن تشجيع المحاولة الانقلابية الفاشلة وحماية غولن في أراضيها. كادت تتطور الأزمة في عهد ترامب لولا مسارعة الرئيس أردوغان لتخفيف وطأتها والاستجابة للطلبات الأميركية. والعلاقة مع روسيا مرت بتازمات كادت تنفجر صراعاً مسلحاً بسبب بالدور الروسي في سورية الذي ألحق ضربات قاتلة بالمشروع الأردوغاني فيها في ريف اللاذقية ومعركة حلب الكاسرة وأريافها، وبرغم نجاح روسيا في إدارة تكتيكات لتحقيق انتصارات لقواتها وللجيش السوري وحلفه الإيراني، على حساب حلفاء وأدوات تركيا في سورية إلا أن أردوغان أدار العلاقة بتقانة عالية، ونجح في خديعة ثنائي أستانا روسيا وإيران وزرع قواعد تركية في المناطق السورية الخاضعة لسيطرة المسلحين حلفاء تركيا. ولم تفلح الضغوط والبيانات والقمم في أستانا من إلزام أردوغان بتنفيذ وعوده والاتفاقات التي وقعت واعلنت بين الأستانا وسوتشي.

…/ يتبع

غداً، المعجزة الاقتصادية فقاعة كارثية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى