
سورية: طفح الكيل… هل من معجزة؟ 3/3
ميخائيل عوض
على صخرة الصمود والمعاناة والصبر والجوع السوري تتغير أحوال العرب والاقليم والعالم، وكل المتغيرات الجارية تسمح بالرهان وتعظيم خيار الانفراج، وليس في الأفق ما ينبئ بالعكس ولو أن أميركا وحلفها يضمرون الشر، وقد يحاولون عبر إسرائيل وأو الدواعش والانفصاليين وجيوش المرتزقة، بعد أن أعيد القواعد تجميعهم وتزويدهم بالأسلحة النوعية، وتراهن أميركا على إنهاك سورية اقتصادياً واجتماعياً وبفرض العقوبات وتشديد الحصارات ومنع المبادرات العربية، والسعي لإسقاط المصالحة أو الحد من تأثيراتها الانفراجية على سورية.
بكل حال، إن حاولت أميركا ومن المستبعد أن تحاول لأسباب كثيرة منها عجزها، ودنو موعد الحملات الانتخابية، ولمعرفتها بهزال أدواتها، فستهزم وبعدها تعبر سورية إلى الانفراج من بوابة استعادة السيادة على الأرض والثروات التي اغتصبها المحتلون في شمال وجنوب وشرق سورية.
جل المعطيات والفرص والظروف والتطورات تؤشر إلى أن ان سورية ومحورها، وبرغم الأزمات والمعاناة الشديدة هم أفضل ضمما كانوا وأميركا وحلفها وأدواتها أضعف مما كانوا، وتالياً أي مواجهة تفرض لن يكون النصر إلا حليف سورية والمحور، وأن تسارعت التوترات فهذه تعيد اللحمة الشعبية والوطنية السورية وتدفع الناقدين والناقمين إلى الالتفاف حول الجيش والقيادة، وتنسف أي فرص للانفجار وأو التوترات المجتمعية.
ويسقط الرهان على احتمال الانفجار الاجتماعي في قاعدة الدولة والنظام لأسباب مادية وموضوعية: فالأزمة التي ضربت سورية منذ 12 عاماً وتحولت إلى حرب عالمية عظمى، استنفذت الغضب والفتوة وبددت الكثير من القدرات والكوامن وأفرغت مناطق معادية للدولة ومؤيدة للإخوان المسلمين والعثمانية وشقيقاتها، والنقمة واللوم الملموس في مناطق سيطرة وتأييد الدولة مفهوم لأن ناسها يعتبرون أنفسهم شركاء في انتزاع الانتصارات، وفي الصمود، ويطالبون بحصتهم من المغانم ويزعجهم ويحرضهم على النقمة أنهم لم ينالوا قسطهم بينما مظاهر الاستهلاك الفاجر للبعض، وما تتناقله الروايات عن أمراء يكسبون كل شيء وعلى حساب الدولة والشعب ورصيد القائد والجيش.
وقاعدة الدولة الاجتماعية منهكة ومستنفذة من الحرب والتضحيات والعدد الكبير للشهداء والجرحى والمفقودين ومعظم المهنيين والمتعلمين وأبناء الطبقة الوسطى هاجروا أو في طريقهم إلى الهجرة كالكثير من العائلات. وتالياً ليس من روح معاندة وليس من وعي وبرامج وشعارات جاذبة وليس من قوى حاملة لمشعل التغير من خارج الدولة والقيادة، فمن أين وكيف سيكون انفجاراً اجتماعياً عاتياً؟
الأزمة عاصفة والحاجات ضاغطة والفقر يتسع، إلا أن الأمل الوحيد ينعقد على الرئيس وسلطاته و قرارته.
لا انفجار بالمعنى المراهن عليه ولا ثورة من تحت تعتمل عناصرها، وما قد يقع مناوشات واحتكاكات وهزات في وجه الدولة وبعض أجهزتها أو بين الناس وتشكيلاتهم.
فاحتكاكات وحرائق صغيرة يمكن السيطرة عليها وبدورها تشكل أجراس إنذار من المنطقي أن تستعجل الانفراج.
هذا عن سورية واحتقاناتها وبلوغها زمن الحاجة إلى الى التغيير الجذري، وبالأخص الثورة الإدارية وإعادة صياغة الدولة ومؤسساتها وهيكلياتها وتبسيط إجراءاتها، وتعريف هويتها ووظيفتها، وترشيقها ومكننتها، خاصة بعد أن تحررت الموازنات من الدعم السلعي، ومن القطاع العام الإنتاجي وتسارع الخطى للتخلص مما تبقى من مؤسسات القطاع العام ودور الدولة عبر التشاركية وإحالة المشاريع وإعادة البناء إلى القطاع الخاص.
وفي الوقائع والمعطيات المعاشة أن لا معيقات عند الثلاثية الذهبية بأن تستعيد تألقها وتعبر بسورية إلى شط الأمان والشروع في النهوض. ومن الواقعات الدالة أن الرئيس والقيادة أدارت المعركة مع الفساد الكبير ورجالاته ومؤسساته بحكمة وبيسر، واستعادت الكثير من الأموال والممتلكات والحقوق من رجال مال وأعمال كادوا أن يكونو قوى فاعلة ووازنه في الدولة والمجتمع، وذاع صيتهم واتسع دورهم منذ تسعينات القرن المنصرم وباتوا اليوم لا يلوون على شيء… فأين هي الأسماء الجاري الحديث عنها اليوم وعن لوبياتهم مما كان؟
ومن فعلها بالأمس القريب هو اقدر لان يفعلها متى شاء؟
فرهان الحالمين على الانفجار وبإسقاط سوربة بمؤامرات الحصار والتجويع واختراقات البنية الاقتصادية والاجتماعية، وبتمرير قرارات وإجراءات لا تتوافق مع رؤية وتوجهات الرئيس وتعليماته لمن يعنيهم الأمر وللمكلفين بإدارة الأزمة، وتسير الأمور في الزمن الضائع رهان خائب…
أما عن احتمال الانفجار الكبير ووقوع حرب يوم القيامة أو ما يسميها محور المقاومة بالحرب الكبرى- حرب تحرير فلسطين من البحر إلى النهر، فهي جارية بوتائر منخفضة وبطريقة الجولات ومراكمة النقاط وإن استدعتها الأحداث أو فرضتها الحاجات، وتحولت إلى حرب كبرى فنتائجها المتوقعة كفيلة بإطلاق ديناميات تغييرات عاصفة وفرط استراتيجية في العرب والاقليم والعالم، وليس من احتمال صفري أن تكون في صالح إسرائيل. وإذا وقعت تغني سورية عن التوترات والحرائق الداخلية وتستوجب إعادة هيكلة سورية لأشغال دورها الرائد في إعادة هيكلة العرب والاقليم.
منطق الأحداث والتاريخ تميل إلى التأكيد على قدرة سورية لمجاوزة المخاطر، وأن تستكمل ساعة الصبر التي تسبق الانفراج وقدرها أن تستجيب لنداء التاريخ والجغرافية، فتعالج أزماتها وتتأهب للدور الذي ينتظرها، وأن تباطأت أو تأخرت وأضاعت الفرصة فيكون الزمن قد حكم على العرب أن يضلوا في حالة التيه الأبدية.
أما مصير الرهانات على أتعاب سورية لسوقها إلى تسوية وتطبيع، فهي مجرد اضغاث أحلام ليلة صيف فقد سبق السيف العذل، فمن ذهب إلى التطبيع يحاول العودة عنه، فكيف بسورية التي صمدت وقاتلت ولم تقبل مبدأ التطبيع، وقد جاء زمنها وتحققت رؤيتها في خيار المقاومة ومحورها الذي يزداد قوة وتأثير، بينما المشروع الصهيوني مأزوم برمته.
سورية وقد طفح الكيل، بين الانفراج والانفجار لا خيار إلا الانفراج، او تضيع ويضيع معها العرب والاقليم.
انتهى