الموجه القومية تعود عاصفة

ماذا عن العرب وعصرنة مشروعهم؟ من يقود؟

ميخائيل عوض
2018 وبرغم طغيان الانشغال بالحرب السورية والتطورات وغياب كلي للاهتمام بالأمور الاستراتيجية والفكرية. أصدرنا كتابنا الاستشرافي عن مكتبة بيسان بيروت، “العرب والمسالة القومية في القرن الواحد والعشرون” قراءة معاصرة في الامة والدولة والعولمة.
لم يأخذ الكتاب حقه وهذا منطقي فالعقل منشغل بالصغائر والتفاصيل واليوميات ويجرفه سيل الترهات والفبركات.
ربما البعض تهكم حينها وكالعادة اتهمنا بالتبشير والتفاؤلية.
اليوم: كيفما ادرت وجهك ويممت عقلك ستقرأ عن عودة المسالة القومية حاضرة ومحرك اساسي للشعوب وتقرير خياراتها وفي الاولوية تلبية حاجات القوم والأمة والحقوق والسيادة.
في أميركا تعصف حرب الشركات المتعدية الجنسية على الظاهرة القومية التي استحضرها ترامب بجرأة وكفاحية وتحت شعارات؛ الأمة الأميركية وأميركا أولاً والعولمة والحروب ودور الشرطي العالمي وباء كارثي على أميركا.
في الانتخابات الأوروبية كشفت نتائجها الطازجة عن تحولات عميقة في الراي العام ورفض للأمركة والليبرالية ونخبها، وعودة الاتجاهات لإحياء المسالة القومية كمحرك محورية ومقرر في مستقبل أوروبا واتحادها، ما يرهب النخب المعولمة والليبرالية المتأمركة على مستقبلها ومستقبل الاتحاد الأوروبي ووحداته الوطنية، التي انشاتها الحروب والغلبة، وجرى فرز وظم عنوة وقسرا وتم الحفاظ على النظم بقوة القهر وباغتصاب الشعوب والأمم ونهب ثرواتها، وإغراق شعوب أوروبا بالمكاسب والانتظام والعطاءات وبالتنظيم المجتمعي.
ما كشفته نتائج انتخابات البرلمان الأوروبي من تحولات خاصة في عامودي أوروبا فرنسا وألمانيا دليل إضافي على شيخوخة أميركا ونظامها الأنكلو- ساكسوني، وعولمتها وليبراليتها الفاجرة، ويؤكد حقيقة سعي الأمم والشعوب للتخلص منها، والمؤكد أن حرب غزة كانت عنصراً محورياً في تظهير التغيرات وتصعيد الكامن منها.
قلنا وذلك من دراسة خلاصات تاريخ البشرية ان الحق القومي لا يقبل التسويات او القسمة، فإما إبادة القوم كما نشأت أميركا نظاماً انكلو- ساكسوني على قيم ونظم الشركات أو هزيمة المستوطنين الغزاة وطردهم.
روسيا والصين تتشكلان أمم حضارات وتتفقان على هزيمة الشركات التي تناصب القومية والدولتية العداء، وتعلن الحروب عليها.
أوروبا بعد ما انجزت دولتها القومية وسعت لوحدات قارية ما فوق قومية تتمرد على الأمركة وعولمتها. أميركا اللاتينية وأفريقيا تنهض لطرد الغزاة والتحرر وبناء منظومات تشاركية قومية اقليمية أممية، فقد تفاعلت في عصرنا الحاجات وبات إنجاز المسالة القومية متساوقا مع الانخراط بالوحدات الكبرى الاقليمية والقارية، وبالضرورة محكوم بقوانين العالمية الطور الذي بلغته الإنسانية وتعززها منتجات العصر من الثورة الصناعية التقنية الرابعة والخامسة، وضغط الحاجات التاريخية المادية لتحقيق تطور البشرية وتنقية العالمية من الأمركة العدوانية ومن عولمتها الليبرالية الفاجرة.

الأمة والوطن طوران تاريخيان.
ولن تقوم أممية حرة عاقلة واعية عصرية ما لم تتحرر كل أمة على حدا. العرب أمة كاملة المواصفات والشروط حال من دون إكتمال شخصيتها بدولتها الوطنية التآمر والحروب، وعجز النخب والقوى التي قادتهم في القرنين التاسع عشر والعشرين، إلا أنهم استمروا قوة مقاتلة محورية وضلت قضية فلسطين محركا محورياً للتطورات في الاقليم والعالم، وعادت أولوية الشعوب وحركاتها ومفجر ظاهراتها العصرية مع طوفان الأقصى العجائبية وحرب غزة.
والكرد أمة ربما لم تبلغ شروط تحققها ما بلغته العربية، لكنهم كالعرب كانوا ضحية التآمر الدولي فضلوا قوة محركة في التطورات والأحداث في الاقليم.
اغتصاب أميركا ونظامها وعالمها الليبرالي المتوحش الأنكلو- ساكسوني للعالمية، وافتعال الحروب والفوضى لعقود بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، والتفرد ومحاولات استعباد أوروبا وشعوبها لم يجعلها قادرة على لجم تطلعات وحاجات العرب، وتحولت بيئتهم وجغرافيتهم إلى مسارح وميادين الحرب العالمية العظمى التي تقدموا إليها بالمقاومات وبالمحور مع إيران لخمسة عقود ولم يرفعوا الراية البيضاء، واستنزفوا أميركا وعالمها وازموها، واهلوا الصين وروسيا للنهوض والهجومية ووفروا الشروط لانطلاق حركات التحرر في أفريقيا وأميركا اللاتينية، ويقاتلون ببسالة في فلسطين وجبهات المحور المساندة.
اليوم أزف موعدهم وعادت المسألة القومية في العالم تناهض الأمركة والعولمة الليبرالية والزمن والجغرافية، وحاجاتهم تطالب عرب المقاومة تجديد وعصرنة المشروع القومي ليحصدوا نتائج ما بذلوا من تضحيات، وليعودوا أمة خير وخير الأمم في الإسهام بتوليد العالم الجديد وفرض بصمتهم وقيمهم في قواعده وانتظامه وقوانينه ومؤسساته ونظمه.
من يقود؟
قالت تجارب التاريخ: من ينتصر بالحروب العظمى والكبرى يكتب التاريخ ويقود في المستقبل… عرب المقاومة ينتصرون فليتأهبوا للقيادة، وحقهم القومي في فلسطين أبى أن يقبل القسمة وحرب غزة تقرر وجوب تصفية الاستعمار وطرد الغزاة المستوطنين، وتلك حجر الزاوية في استعادة العرب لذاتهم وفرصتهم لعصرنة مشروعهم، ولتمكنهم من دولتهم الوطنية أن تقدموا إلى المهمة بوعي وتخطيط.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى